في البدء أترحم على شهدائنا الأبرار وهم (ما ماتو عايشين مع الثوار) ينتظر ذووهم وننتظر كلنا القصاص لهم ممن قتلهم وقتلنا ونحن أحياء ففي (القصاص حياة يا أولي الألباب). و أسوق خالص التهنئة للثوار الذين تمترسوا بمثابرة مدهشة (زي صبة الاسمنت) نفضت عن الشخصية السودانية "لا انسانيات" عديدة لحقتها ، والتحية لهم ثانية على حراسة الثورة ومكتسباتها من تجني النظام المباد وحراسه .. والتحية طبعا للأمة على صدور "صوت الأمة" في ثوبها القشيب كثمرة مباركة من ثمار ثورة مباركة. منذ الثالث عشر من ديسمبر 2018 ،إثر زيادات في أسعار السلع، انتظمت البلاد ثورةً عمت قراها والحضر- بدأت عفوية في الدمازين في التاريخ المذكور وانفجرت في 19 ديسمبر في عطبرة، لتستمر بعد ذلك على هدى برنامج وجداول زمنية محكمة على مدى أربعة أشهر كاملة انتهت في يوم 6 ابريل 2019 الى اعتصام عبقري في وحول حرم القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بلغت أعداد المعتصمين في بعض الأحيان ملايين عديدة، وهي ثورة مستمرة حتى يوم الناس هذا بجداولها ومواكبها ووقفاتها الاحتجاجية وندواتها الجماهيرية حتى تنتهي لتحقيق مراميها كاملة في الحرية والسلام والعدالة. اعتصام القيادة الذي استمر لمدة شهرين إلا ثلاثة أيام -حين تم فضه في فجر الثالث من يونيو 2019، بوحشية تفوق الخيال، جسد عبقريةً سودانية مدهشة: في الفن والمحبة والتعاون والعمل الطوعي والجمعي والتكافل والتراحم والإيثار. وخلال تلك المدة القصيرة من عمر الزمان تمكن من عرض مخزون هائل من الإبداع السوداني والتعايش السلمي والاحترام المتبادل حيث اختفى كل تعصب إثني أو ديني أو نوعي أو طبقي أو حزبي، بقي فقط: (النيل ابونا والجنس سوداني). وعلى نسق اعتصام القيادة المركزي استنسخت اعتصامات في مدن سودانية أخرى، بذات الفكرة والهدف: اعتصام حول مراكز قيادة القوات المسلحة في الولايات بغرض إيصال صوت الشعب للقوات المسلحة السودانية في عقر دورها لتنحاز للثورة.وبالفعل بعد خمسة أيام من بدء الاعتصام وفي يوم 11 ابريل 2019، أعلنت قيادة القوات المسلحة بلسان الفريق عوض بن عوف ممثلا أيضا للقوات الأخرى من أمن ودعم سريع انحيازها للثورة بخلع رأس النظام المباد وأعلن قادة المجلس العسكري في مرحلتيه(بقيادة بن عوف ولاحقا البرهان) وعدا مكررا بعدم نيتهم فض الاعتصام والاستمرار في استضافة الثوار وحمايتهم. في هذا المساحة سنتناول فض اعتصام القيادة المركزي .. فمن فض الاعتصام في ذلك اليوم الكئيب الحزين مخلفا ما يزيد على مائة من الشهداء والاف الجرحى وأعدادا من المختفين؟ هذا السؤال المحير الموجع حاصر السودانيين في داخل الوطن وخارجه وأدمى قلوبهم وأفقدهم ثقة بدأ للتو غرسها في القوات النظامية. بل أحزن حتى المجتمع الدولي الذي كان يشاركنا فصلا عبقريا وملهما من تاريخ السودان. هذا الأمر رهن تحقيق-مثلما أٌخبرنا (أعلن عن تاريخ لنشر نتائجه لكن لم يتم ذلك في الموعد المضروب)، نطالب بأن يكون شفافا وجادا ومحيطا ليقدم المسئولين عن هذه الجريمة النكراء للعدالة. ليس من أغراض هذا المقال ولا ينبغي له طبعا توجيه اتهامات لجهة معينة لتترتب عليه اجراءات قانونية ضدها ولكنه فقط محاولة لقراءة ما حدث منطقا ومحاولة تصور ما يمكن أن يكون عليه الحل بناء على فرضيات ما حدث . بعد إعادة شبكات الاتصال الاسفيري -الاسبوع الماضي أو قبل ذلك بقليل ، بأمر قضائي و التي كان قد تم فصلها منذ يوم 3 يونيويوم فض الاعتصام ، تمكن الجميع من متابعة ومشاهدة العديد من الفيديوهات الصادمة التي نقلت بالكاميرا صوتا وصورة انتهاكاتً يشيب من هولها الولدان. تلك المشاهد إضافة لتصريحات شهود عيان و ما صرح به أعضاء المجلس العسكري هي زخيرتنا لفهم ما قد يكون وقع في ذلك اليوم المشئوم. لمحاولة تحقيق بعضا من ذلك نطرح عدة أسئلة عساها تساعدنا في الفهم مثلا: - ما هية مكونات هذه القوات المقتحمة ،فقط من ناحية مظهرية طبعا لأنه كل طريقة أخرى للتأكد من الجهات التي تتبع لها غير متاحة لي. - من أمر بفصل النت؟ - كيف برر قادة المجلس العسكري ما حدث؟ - فض الاعتصام مصلحة من؟ بالنسبة للسؤال الأول بحسب مشاهدات من كانوا هناك والأفلام المصورة تظهر قوات بلبس: الدعم السريع البيج المرقع ولبس النجدة والعمليات المرقع بلون لبني فاتح وغامق ولبس أسود هو لبس القوات الخاصة ..كما شوهدت وصورت بكاسي بكابينة واحدة بيضاء لدى اتجاهها صوب القيادة وشوهدت عربات تابعة للدعم السريع ودفارات مكافحة الشغب(الكجر) بالنسبة لاجابة هذا السؤال حتى الأعمال التي ارتكبت من قتل وحرق واغتصاب التي تأخذ النظر الى ما حدث في دارفور ذات دلالة لكنها غير كافية خاصة إذا كان القصد تمويه و توجيه اتهام لجهة معينة. شهد بعض الشهود بتباين واضح في نوعية تدريب هذه القوات حتى التي تلبس نفس اللبس! يجب أن نأخذ في الحسبان أن نوع اللبس والعربات لا يدلان على كنه القوات وماهيتها، خاصة وأن جهاز الأمن والمخابرات يلبس أعضاؤه :ملكي وكل أنواع لبس القوات النظامية الأخرى كما يعتلون كل أنواع عربات القوات النظامية وغير النظامية الأخرى.كما أن قوات الأمن الشعبي وتلك التي تعرف بمليشيا الظل التابعة لتنظيم المؤتمر الوطني غير بعيدة عن الصورة والأذهان. يقدر البعض في غياب معلومة كاملة عدد العربات بالعشرات والقوات الراجلة والراكبة بالآلاف! الأمر بفصل النت فسره المجلس العسكري على لسان الفريق ركن شمس الدين الكباشي بأنه يضر بأمن البلاد! فالمجلس العسكري إذن هو من أمر بذلك سواءً اتخذ القرار جماعيا أم كان موقفا يمثل بعض أعضاء المجلس. هذا ما يمكن معرفته من التحقيق الرسمي. المجلس العسكري أيضا على لسان ناطقه الرسمي الفريق ركن الكباشي قال أن اجتماعهم الذي اتخذ فيه القرار كان متعلقا فقط بمنطقة كولومبيا المتاخمة لمنطقة الاعتصام وعلى النيل وأن ذلك كان بمشاورة النائب العام الوليد سيد احمد (اقيل بعد أسابيع قليلة من تعيينه على إثر نفيه في مؤتمر صحفي حضور اجتماع بخصوص فض الاعتصام). وبرر دخول القوات على منطقة الاعتصام بأن أعدادا غفيرة من منطقة كولومبيا أمَت منطقة الاعتصام فطاردتها القوات النظامية وبرر حمل السلاح بأنه كان لحماية القوات المسئولة عن الفض وهي قوات هجين من الأمن والشرطة والجيش والدعم السريع .يقلل من شأن هذه الرواية بل يكذبها أن فض الاعتصامات تزامن في كل ولايات السودان الأخرى،مما يدل على أن فض الاعتصام كان مقصودا لذاته. كما أوضح الفريق البرهان في تصريح له القبض على القائد الذي أمر بفض الاعتصام وهو بحسب ما رشح لواء في جهاز الأمن منتدب لدى قوات الدعم السريع بعد أن برأ كل أعضاء المجلس من التهمة. وفي ذات السياق أنكر قائد الدعم السريع مسئولية قواته بأمر منه عن الفض ولكنه أقر بأن قواته مخترقة من كافة القوات الأخرى! مصلحة من؟ لا شك أن الاعتصام بزخمه على تخوم القيادة والمفاوضات قائمة شكل كرتا ضاغطا لصالح الثوار: مفاوضيهم في الطرف الآخر يريدون اتفاقا لا تدفع فيه كل الاستحقاقات .كما أن تصرفات المجلس قبل وبعد المجزرة فيما يتعلق بحديث مكرر عن الخطورة التي تمثلها منطقة كولومبيا وما يدور فيها من ممارسات وقطع النت وإقالة النائب العام على إثر تبرؤه من حضور اجتماع أمني خاص بالفض والإعلان عن الرجوع للتفاوض بعد فض الاعتصام مباشرة والمماطلة في إعلان نتائج التحقيق- وقد أعلنوا توصلهم لها ، كلها تشير للمجلس (مجتمعا) بأصابع الاتهام لكن هل بهذه الطريقة البشعة التي تقطع شعرة معاوية؟ خاصة أن بعضهم بدأ في تسويق نفسه كقائد جماهيري ! النظام المباد والثورة المضادة وأنصارها من الذين يرفضون أي تقارب بين المجلس العسكري والثوار الذين تمثلهم الحرية والتغيير، على رأس قائمة الاتهام، خاصة أن الهجمات السابقة (8 رمضان و10 رمضان)حدثت تزامنا مع الوصول لاتفاق وهي أيضا لم يعرف من وراءها تحديدا . هم يريدون استمرار الوضع مموها لوضع يجعل الاتفاق صعبا. ويريدون استمرار الفوضى لدرجة توصل لقناعة أن التفاوض فشل و البديل هو انتخابات فورية ويحسبون أن عدة هذه الانتخابات وعتادها تحت أمرهم متى ما قامت فورا. عندهم المال والدولة الموازية والسلاح والتزوير شغلهم. مهما كانت مسئولية المجلس العسكري جماعة أو أفرادا تواطئا أو أصالة أوكان هذا التدبير من خارجه و قامت به جماعة الثورة المضادة والنظام المباد، لا نعفي المجلس العسكري من المسئولية المباشرة على الأقل بالسماح وعدم التدخل للصد فمن غير المعقول أن توجد كل تلك القوات بعدتها وعتادها تمارس أبشع جرائم ترقى لتصنيفها من جرائم الحرب وترتكب مجزرة على مرمى بصر وسمع مباني قيادة القوات المسلحة دون أن يكون لهم دور ما. هم مقصرون عن حماية المواطنين على أقل تقدير وهي المهمة الأولى التي تبرر بقاؤهم مثلما كانت تصريحاتهم، ناهيك عن التقصير في حماية من هم في عقر دارهم وهو تقصير يستوجب الاعتراف والاعتذار ومحاسبة المسئولين المباشرين دون تأخير. هذه لحظة مفصلية وعلى المجلس العسكري تحمل المسئولية كاملة والتحلي بالشجاعة اللازمة للخروج من الأزمة اعترافا واعتذارا ومحاسبة للمجرمين، من جانبها قوى الحرية والتغيير الممثلة للثوار عليها الربط على الجرح والمضي قدما في تأسيس معادلة كسبية لوقف مزيد من النزيف- من أجل السودان. وسلمتم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.