بعض الناس وهم كثر ينتابه شعور متضخم بالذات حتى أنه يخيل إليه أن رأسه استطال إلى السماء فلامسها بل يظن يقينا أن السماء اقتربت من رأسه فتوجته.. إنها حالة من تضخم الأنا تعمي عيونهم من أن يروا موقعهم الحقيقي في مجتمعهم.. وتضخم الذات حالة نرجسية تجعل الفرد لا يقبل النقد ويحب أن ينافقه من هم دونه، ويتصور مع الوقت أنه أعلى من النقد ذاته.. وهذه الحالة أيضا تصاحبها قناعة بالاستهداف الدائم من قبل كل الناس فيسيطر عليه هاجس بأنه ضحية مما يعيق لديه القدرة الذاتية على رؤية الأمور كما هي وبأحجامها الحقيقية، بل يشل هذه القدرة عن اجتراح الفعل الايجابي. والحيوانات الضعيفة تسيطر عليها هذه الحالةأيضا؛ فمن سلوكيات بعض الحيوانات الضعيفة من أجل البقاء إسباغ وإضفاء هالة من القوة الوهمية لديها كالضفدعة التي تملأ نفسها بالهواء كي تظهر أكثر ضخامة أمام كل من تراه ممن تظن أنه يضمر لها شرا وهي تفعل ذلك ظنا منها أنها بذلك تخيف أعدائها وتنجو بنفسها، وقد عُرفت هذه العادة الضفدعية منذ أمد بعيد ولم تعد تنطلي هذه الحيلة على أحد حتى غدا أمر اصطيادها من أسهل الأمور.. ووجه الشبه أن لدى أصحاب الذات المتضخمة نزعة حيوانية مكنونة بداخلهم تظهر حينا بعد حين عندما يسيطر خلل في تكوينهم النفسي والإحساس بالنقص أمام الآخرين فيلجأ الواد منهم إلى سلوكيات الحيوان لإشباع هذا النقص اعتقادا منه بأنها المنقذ له في حل مشاكله أمام الآخرين. نقل عن الخليفة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله – أنه بلغه أن ابنه اشترى خاتما بألف درهم فكتب إليه: إنه بلغني أنك اشتريت خاتما بألف درهم، فبعه وأطعم منه ألف جائع، واشتر خاتما من حديد بدرهم، واكتب عليه "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه". إن إدراك الذات أمر عارم المشقة لكنه يعتبر أرقى أنواع الإدراك، هكذا يقول العلماء والنفسانيون، فالنفس الإنسانية لا يَطلب لها العافية إلا من أدرك ما بها من أدواء، وما نزل بها من بلاء، فأول الشفاء هو الإحساس والاعتراف بالمرض، لأن الشعور بحقيقته أول مراحل الكمال. عواقب تضخم الذات كبيرة وعظيمة لأن دوام الحال من المحال فكم من شخص انطفأت من حوله أضواء المجد والسلطة وأبهة النعيم وزخارفه، ولنتمعن في قول الشاعر: ولقد أراني والليوث تخافني وأخافني من بعد ذلك الثعلب [email protected]