الكاريكاتير هو فن الرسم الساخر القائم على أسلوب مسخ الأشكال البشرية أو الحيوانية أو المادية واستخدام الإضحاك كوسيلة لممارسة النقد الاجتماعي أو السياسي بغرض تغيير السلوك أو المفهوم المستهدف، وقد يكون الرسم الكاريكاتيري مصحوباً بتعليق قصير مقتضب أو بدون تعليق ، وفي كلا الحالتين فإن رسماً كاريكاتيرياًً واحداً قد يكون أقوى بكثير من أطول المقالات بسبب احتوائه على روح الفكاهة وتضمنه للنقد الاجتماعي أو السياسي الساخر بأسلوب مختصر متوقد الحس والذكاء! وغني عن القول إن نشوء وازدهار فن الكاريكاتير في أي ظرف تاريخي أو في أي بلد من البلدان يعتمد اعتماداً كلياً على توفر شرطين أساسيين الأول هو شرط موضوعي عام وهو توفر أجواء حرية التعبير في البلد المعني والثاني شرط ذاتي خاص وهو امتلاك موهبة الرسم النقدي وروح الفكاهة والذكاء الميداني والجرأة في ممارسة النقد وبدون توفر هذين الشرطين يصبح الرسم الكاريكاتيري مجرد خربشة سمجة لا تثير الضحك ولا توصل أي رسالة هادفة! ولعله من الصعب إن لم يكن من المستحيل معرفة أي الأمم سبقت غيرها في ابتكار فن الكاريكاتير لأن الرسومات الهزلية الساخرة قد ظهرت منذ أقدم العصور عند اليونان والرومان والأشوريين وقدماء المصريين ، فعلى سبيل المثال لا الحصر توجد رسومات فرعونية ساخرة في متحف القاهرة عمرها أكثر من خمسة ألف سنة ومنها ذلك الرسم الكاريكاتيري الذي يصور مباراة شطرنج تجري بين أسد ونعجة وكأن لسان حاله يقول إن المباراة بين الحاكم والمحكوم تفتقد الندية وأن المحكوم مهزوم ومأكول حتى قبل أن تبدأ المباراة! أما في العصر الحديث ، فقد ازدهر فن الكاريكاتير في إيطاليا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ولعل جيان لورينزو هو من أشهر رسامي الكاريكاتير الايطاليين ويقول الايطاليون إن لورينزو هو من علم الفرنسيين فن الكاريكاتير حينما زار فرنسا عام 1665م ، أما في انجلترا فقد ازدهر فن الكاريكاتير خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين وقد أبدع وليام هوجارث ، جيمس جيلاري، جورج كروك وتوماس رولاندسون الكثير من الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة التي انتقدت مختلف الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المجتمع الانجليزي ومن ثم انتشر فن الكاريكاتير في معظم دول العالم حتى أصبح فناً عالمياً يضحك جميع البشر دون أن يحتاج لأي شرح أو تعليق، ولعل رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي ، مبتكر شخصية حنظلة الكاريكاتيرية التي تدير ظهرها بعناد لكل الأوضاع العربية السيئة ، هو أشهر رسام كاريكاتير سياسي في العالم العربي بل لعل اغتياله في لندن في عام 1987 يجسد قمة المعاناة التي يواجهها رسامو الكاريكاتير المصادمون الذين لا يعرفون الخوف عند ممارسة هذا الفن الصعب الذي يعرض أصحابه إلى أكبر المخاطر الأمنية في الأجواء غير الديمقراطية التي لا ترحب بالنقد ناهيك عن السخرية اللاذعة بل لعل ناجي العلي نفسه هو أول من تنبأ بموته حينما قال "اللي بدو يكتب لفلسطين واللي بدو يرسم لفلسطين, بدو يعرف حالو: ميت! وهناك شيء جدير بالتأمل وهو أن أشهر رسامي الكاريكاتير في كل بلدان العالم هم من الرجال لا النساء علماً بأن النساء قد يفقن الرجال أحياناً في موهبتي الرسم والتعبير وعلى سبيل المثال لا يكاد المرء يعرف رسامة كاريكاتير واحدة مشهورة في العالم العربي سوى الفنانة الفلسطينية أمية جحا التي تزين رسوماتها الكاريكاتيرية جريد الراية القطرية! أما في السودان فقد ازدهر فن الكاريكاتير على يد العملاق عز الدين عثمان ولا أحد يستطيع أن ينسى كيف كانت ريشة عز الدين في عهد الديمقراطية تطال بسهام النقد أكبر الرموز السياسية السودانية كالأزهري بكاريكاتيرات ساخرة من قبيل (أبو الزهور خرق الدستور) ويضحك كل الشعب السوداني عليه دون أن يتعرض للاعتقال أو الفصل من العمل وكيف أن عز الدين نفسه قد عانى بعد ذلك في عهد ديكتاتورية نميرى من الملاحقات الأمنية والفصل من العمل إلى أن وافته المنية في عام 2008 وهو شبه معدم دون أن يبيع ريشته الساخرة لأحد! ولعلنا نحظى ببعض العزاء بوجود الجيل الحالي من رسامي الكاريكاتير السودانيين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر رسام الكاريكاتير عبد المنعم حمزة الذي حظيت بالعمل معه ذات يوم بجريدة نبض الكاريكاتير السودانية التي كان الناس في ذلك الزمن غير الجميل ينتظرون كاريكاتيراتها الساخرة على أحر من الجمر! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر