يتفاوت العنف ضراوة ومساحة ليبلغ في قمته عنف الدولة ضد دولة أو دول أخرى وهو مظهر من مظاهر العنف في أعلى درجاته، وعنف الدولة ضد مواطنيها أو رعاياها وعنف المجتمعات الذي يمارس وسط وبين فئات أو عناصر المجتمع المختلفة وأسوأ مظاهر هذا النوع من العنف هو العنف العرقي انتهاء إلى العنف الأسري. الحروب، وكل مظاهر وممارسات العنف التي عرفها التاريخ البشري تنبع من الطبيعة البشرية ذاتها ولذا فهي عنصر ثابت ودائم في التاريخ البشري وملازم للحضارة الانسانية في كل مراحل تطورها كما يقول مارتن فان كيفلد الكاتب البلجيكي مؤلف كتاب "ثقافة العنف". يتفاوت العنف ابتداء من الصراع على القوت والطعام في المجتمعات المتأخرة حتى يبلغ حد النزاع على تملك الأرض والموارد الطبيعية والرغبة الجامحة الميطرة في التسلط وإثبات الذات على حساب وجود الآخر ومناهضة الرأي الآخر. والعنف سلوك له تأثيراته السلبية على العلاقات بين البشر، وتمتد هذه التأثيرات من الشارع إلى المدرسة والبيت و يصبح ثقافة راسخة تؤمن بممارسة كل ألوان الاعتداء المنظم على حقوق الإنسان الأساسية بعيدا عن قواعد العدل والمساواة، وفي ظل دعاية سوداء وشحن إعلامي يستثير العواطف ويرسخ العنف كثقافة لا تعدم الحجج الأخلاقية والسند الديني. وإذا كانت الحروب تبدأ في عقول الناس فإن السلام أيضا يبدأ أيضا في عقول الناس ، ولذلك لا بد أن يمر القضاء على العنف وثقافة العنف عبر العقول . يقول المفكر المصري وعالم علم الأجناس الدكتور أحمد أبوزيد إن القضاء على العنف أو تخفيفه يحتاج إلى بذل كثير من الجهد لتغيير الأوضاع المتردية التي تدعو إلى اليأس وتدفع إلى التمرد والالتجاء إلى العنف، وهذه الأوضاع المتردية الجالبة للعنف هي في الأغلب من صنع المجتمع نفسه كالتفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسلطة والتحكم الشديد في أقدار الآخرين وغير ذلك من مظاهر الخلل في العلاقات الانسانية. ولكن تغيير ثقافة قائمة مهما كانت مرفوضة من المجتمع وإحلال مفاهيم وقيم جديدة محلها يحتاج إلى زمن طويل لأنها ثقافة يؤمن بها المنتمون إليها أيمانا أعمى. ويقول الدكتور أبوزيد إن التشريعات والقوانين وحدها ليست وحدها كافية لمكافحة العنف ولكن الوسيلة الناجعة هي خلق مفاهيم تربوية وتعليمية وإعلامية جديدة ، القانون والتشريع وحدهما لن يقتلعا العنف تماما بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية من منظور التحدي والفعل ورد الفعل المضاد له. وفي بلادنا لا نعدم الأمثلة والنماذج المعاشة لثقافة العنف التي اجتاحت المدن والمجتمعات والمرافق التعليمية والتي تستند على إيمان راسخ بامتلاك الصواب يغذيه الإعلام المغيّب للوعي والشحن النفسي ودغدغة العواطف عبر تطويع الخطاب الديني، في معظم الأحيان، واستغلاله بلا سند عقلاني أو هدي من كتاب منير، وقد أثبتت التجارب أن استغلال الدين لتغذية العنف هو أسرع الطرق إلى تدمير المجتمعات وأقصرها إلى الكارثة. قبل الختام: قال الكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر: " في القرن العشرين كانت المفردات التي تلهب خيال الشبان العرب هي النهضة، التقدم، الحرية ، الديموقراطية، الوحدة، الاستقلال، العلم، التنمية،الدستور، القانون، الدولة الحديثة، العدالة الاجتماعية، مقاومة الاستعمار، الخ أما اليوم فقد عادت بعض المفاهيم إلى الانتعاش مثل الحاكمية، الجاهلية، الهجرة، الكفار ، الجهاد، الحلال والحرام .. وغيرها. وقال الكاتب الروائي السعودي عبده الخال:" بلغتني قصة محزنة للغاية مفادها أن امرأة كانت تصارع أمواج السيل وتستنجد برجل بجوارها لانقاذها، فامتنع عن انقاذها بحجة كونها امرأة أجنبية عنه، وانتهت استغاثة تلك المرأة في القبر بعد أن جرفها السيل، فأي تنطع هذا الذي يهلك فيه الانسان بحجة واهية ما أنزل الله بها من سلطان ؟ " عبدالله علقم [email protected]