ظل فضاء العون الإنساني ومؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في المجالات المختلفة ، ملاذاً آمناً للكثير ممن صار يطلق عليهم الناشطين الذين تربوا في المؤسسات الحزبية كأول تجربة لهم بالعمل العام ، و انزووا من العمل السياسي الحزبي المباشر إما نتيجة حالة يأس من العمل السياسي المنظم ، أو كحالة إحباط نفسي عند التقلبات السياسية الكبري كحالة العديد من الشيوعيين الذين تداعت أمام ناظريهم تجربة الاتحاد السوفيتي في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي. أو كتأكيد للذات في مواجهة التضييق الممنهج الذي كانت تمارسه الإنقاذ طوال عمرها علي الخصوم السياسيين. غير ان الان وبعد ثورة ديسمبر المجيدة التي بثت الروح في المجال العام ، يُلاحظ أنه قد بدأت هجرة عكسية لؤلئك الناشطين من مجال العون الإنساني ومنظمات المجتمع المدني الي المعترك السياسي بكل تفاصيله القاضية بالتنافسية في ظل الخلاف الفكري وبالضرورة البرامجي، الا ان هنالك اشتراطات يجب أن تصحب هذه الهجرة بنقل الخبرات والتجارب المكتسبة من العمل في العون الإنساني، فالعمل الانساني بوصفه ممارسة ذات بعد كوني ومحكوم بحالة تطور مستمر في الممارسة قد تراكمت فيه مجموعة قيم ظلت تحكمه ، ومدونات السلوك تميزه حتى تصبغ العمل السياسي بالبعد الإنساني من حيث المساءلة والمحاسبية والشفافية ، حتي يتسني للسياسة أن تستعيد برقيها كفعل إنساني والقضاء علي الكثير من المسلمات النمطية Streotyeped التي لا تني تتردد علي أفواه العامة وحتي بعض النخب مثل الزعم بأن السياسة (لعبة قذرة) وهي بالطبع ليست كذلك ، فهي في جوهرها فضاء رحب للعطاء ، شفيف المداخل ، رقيق المخارج ، لا يفهم كنهها إلا من أتي إليها بقلب سليم. فالسياسة في نهاية المطاف تسعي وبكل السبل لتحسين حياة الإنسان ومستوي معيشته بما يحفظ له آدميته و إنسانيته في ظل المجتمع المتعدد وأحيانا المتناقض المصالح والطبقات ، فهي فن تجاوز الصعاب في ظل شح المعطيات. فالقمية التي يتعلمها الدارسون لعلم السياسية عند أول عهدهم بهذا العلم النبيل ، إن السياسة لا تُمارس عند وقت الفراغ لتزجية الزمن ، وإنما بناءً علي الحاجات غير المتناهية للمجتمع وغير المتوفرة هنا و الآن Here & now بخلق المؤسسات التي تيسر كافة سبل الوصول لتحقيق رغبات أفراد المجتمع ، ورسم السياسات الكلية ، وترتيب الأولويات لتمكين تلك المؤسسات من العمل بفعالية للوصول للغايات المبتغاة من خلال فكر استراتيجي وتصور برامجي لمشروعات تجيب علي أسئلة متي وكيف ولماذا ومن أجل مَن. لذلك فهي ليست صنو الخساسة ولا مجال لتكملة الوجاهة الإجتماعية ، وإنما هي استعداد ذهنونفسي لفناء الذات الفردي مقابل ورفاه و سعادة الكل الجمعي.