العملية الانتخابية التي أنطلقت في السودان، تعتبر التجربة الأولى والتحدي الأكبر لقدرة المنظمات الوطنية، التي عليها واجب لعب دور مقتدر ومبادر لانجاح التجربة، فهي صاحبة دور أصيل في هذا الجانب. مارست المنظمات الإنسانية السودانية وبقدر وفير مع العون الإنساني، وتمرست في عمليات الإغاثة والطوارئ، نتيجة الكوارث بفعل الطبيعة أو البشر.. أما الشق الثاني من واجبات العمل الطوعى المتمثل في ممارسة العون المدني، والقانوني، وحقوق الإنسان، ظل هذا الجانب ثقافة وممارسة غريبة أجنبية تحت منظومة العولمة وأهداف الألفية، تلك القيم الناتجة من المعرفة والتطور التقني الغربي، والتى تستخدمها الدول الغربية المتطورة لإصطياد الأنظمة التقليدية في العالم الثالث، وتبتز بها الدول الساعية بأن تكون نجمة ضمن فلكها. إن أهم عناصر العون المدني أن تعمل المنظمات الإنسانية غير الحكومية في تحقيق الحرية لمجتمعاتها وتحقيق الحكم الراشد، وسيادة القانون على مبدأ العدالة، وحماية حقوق الأفراد والجماعات، على مجموعة المبادئ التي جاءت بالاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الأممية والقوانين الدولية. وتعتبر العملية الإنتخابية هي الآلية التي تحقق الديمقراطية بتزكية الإرادة الشعبية، وسلطة المجتمع وهي الوسيلة التي يتم فيها التداول السلمي للسلطة، وإعلاء قيم الحوار، وقبول الرأى الآخر، والتعايش والسلام الاجتماعي، الذى يؤدي إلى الاستقرار والأمن والرفاهية. إن المنظمات الوطنية الناشطة في مجال العون الإنساني والمدني، مطالبة بالارتفاع إلى مستوى التحدي الذى يواجه بلادنا، ونحن نخوض تجربة ديمقراطية تختلف عن التجارب الديمقراطية السابقة في الأعوام 53 والعام 65 والعام 86، فهذه التجربة تميزت بعدد من المعطيات، فهى إحدى استحقاقات نهاية أطول حرب أهلية في القارة، والمعضلة التي لازمت السودان من قبل الاستقلال، وحتى اتفاقية نيفاشا. أيضاً مما تستدعي على المراقبة الحاذقة والمتجردة من المنظمات الوطنية، أن عملية الاقتراع في أبريل القادم يأتي عقب صراعات سياسية تفجرت مع بدايات النظام عام 1989م، شاركت في النزاع والمعارضة المسلحة ضد النظام أكبر الأحزاب المدنية التاريخية، ممثلة في أحزاب التجمع الوطنى الديمقراطى، وتأتي التجربة الديمقراطية عقب قيام حركات جهوية في دارفور وشرق السودان، بمنازلة النظام بقوة السلاح، وتوصلت معها في نهاية المطاف إلى اتفاقيات سلام. ورابعاً أن الانتخابات هذه المرة تقوم في ظل حكومة ينافس حزبها الأحزاب الأخرى . تلك بإختصار شديد الأسباب والمبررات التي تستدعي لقيام المنظمات الوطنية بدور إيجابي ومبادر في إنجاح التجربة من خلال الإرشاد والتثقيف لمجموعات الناخبين، وأن تمارس الرقابة في مناطق الاقتراع بحيادية وشفافية، تنال بها ثقة الجماعات الحزبية المشاركة في الانتخابات.. المنظمات الوطنية عليها أن تضطلع بدور أكبر من المنظمات الأجنبية والمؤسسات الدولية، التي طلبت ممارسة الرقابة في الانتخابات، خاصة لدور ومعرفة منظماتنا الوطنية لمعايير النزاهة ومعايير تحديد الأساليب الفاسدة، وطرق فض النزاعات والاستشعار المبكر لأية نزاعات قد تنشب بين الأفراد والجماعات المتنافسة، ويمتد دورها ويتعاظم في إعلان النتيجة، وذلك بإستدعاء الموروثات والأعراف التي تعزز من ثقافة السلام، وتدعو لإحترام الرأي الآخر وتعلي قيمالتسامح والابتعاد عن العنف وقبول رأي الأغلبية. من خلال التجارب الإنتخابية السابقة التي مرت بها بلادنا، وتلمساً لقدرة ووعي العقل الجمعي الشعبي في احتواء الأزمات، فإن التجربة القادمة سوف تكون إضافة معرفية إيجابية لتجارب شعب السودان في كل قطاعاته، وتزيد التجربة من وعي الناشطين في مجال العمل الإنساني، وفي مجال العون المدني والقانوني، وحقوق الإنسان وتؤدى التجربة إلى عبور المنظمات من المحلية إلى التجاوب مع القضايا الدولية، وإهتمامات العصر ونتاج التطورات الفكرية. أخيراً فإن المؤشرات تشير إلى نجاح المنظمات الوطنية في الامتحان القادم وقدرتها على لعب دور إيجابي وفعَّال لمصلحة الوطن، هذا إذا تفهمت بعض المنظمات ذات الانتماءات الحزبية المعلنة بقياداتها السياسية النافذة مبادئ الحيادية في الرقابة على الانتخابات، ومبادئ العمل الإنساني بصورة شاملة ولله الحمد ،،،