مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع ياسر عرمان.. بعد الخروج والعودة (2-2): يجب أن يكون هنالك مشروع وطني يشارك فيه اليمين واليسار
نشر في سودانيل يوم 06 - 12 - 2019

- لن نقف مع أُطروحات تستخدم رؤية السودان الجديد كآلية لتمزيق السودان
*قادة القوات النظامية الذي التقيت بهم أذكياء ويعلمون أن هذه البلد لن تقبل بإنقلاب في هذا الوقت*
- الكاتب الكبير الطيب صالح قال لي: (البلد دي نَفَسْكم ما يكون فيها حار، ربنا بشيلا منكم)
*الدولة هذه فاشلة بامتياز وتحتاج لإصلاحات عميقة بمجهودات كل السودانيين*
- السلام يمكن أن يتم في (10) أيام إذا كانت هنالك إرادة سياسية
*الانتخابات المبكرة مجرد مكيدة للمضي في نفس الاتجاه القديم*
-سأكرس ما تبقى لي من عمر للعمل من أجل اتحاد بين دولتي السودان
*حاوره: فتح الرحمن شبارقة*
ياسر سعيد عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، سياسي من العيار الثقيل، وقيادي يعرف كيف يشعل الساحة السياسية بمواقفه وآرائه الجريئة، فهو يتكئ على تجربة سياسية طويلة حيث أمضى (41) عاماً من سنوات عمره ال (57) في دروب العمل السياسي الوعرة منها (8) سنوات في الحزب الشيوعي السوداني و (33) عاماً في الحركة الشعبية. جاء ياسر للخرطوم التي طُرد منها في شهر مايو الماضي بعد أن مرت مياه كثيرة من تحت الجسر.. التقيت بياسر، الوفي لعلاقاته القديمة والودودة مع الصحفيين، في مقر إقامته بفندق كورال بالخرطوم عصر أمس الأول، ووضعت على طاولته حزمة من التساؤلات التي يتقاطع فيها العام مع الخاص، فأجاب عليها بتلقائية من تعوَّد على هذا النوع من الأسئلة الساخنة مسبقاً:
*كيف تقيِّم أداء حكومة حمدوك ووزرائها الآن؟*
- أنا لست مراقباً، أو مفتشاً عاماً. وأعتقد أن القضية ليست حمدوك كشخص، القضية كيف نصل جميعاً إلى تنفيذ إرادة الجماهير. هذه الحكومة أنجزت انجازات عديدة مهمة. ولديها مصاعب، وأنا أرى مصاعبها وأرى التركيبة الحالية تضم بنصوص الوثيقة الدستورية شراكة بين القوات النظامية وبين قوى مدنية، وهذه الشراكة تحتاج إلى تطوير وإلى صبر وإلى عمل مشترك. وهذا الصبر والعمل المشترك هدفه الرئيسي يجب أن يكون السودان، والسودان كما قلت لك في مرحلة هشة وأنا لا أريد ولا أريد لغيري أن يندفع في تقييم مبنى على الحقائق المطلقة والتخوين، فهذه ليست طريقتي، وأنا أرى أن نظام الإنقاذ ونظام المؤتمر الوطني دمّر هذه البلد.
*أشرت إلى الأوضاع بالبلد في حالة هشاشة، فما هي تمظهرات تلك الهشاشة؟*
- تمظهراتها أن القطاع الأمني لم يعد هو القطاع الأمني في 1985م أو في 1965م، وتمظهراتها..
*عفواً للمقاطعة، لكن ما ذهبت إليه عناوين كبيرة ماذا تقصد تحديداً؟*
- ليست عناوين كبيرة، وأنت تعلم الحاصل في البلد ولا تحدثني بهذه الطريقة وكأنك أتيت من المريخ. فهذه البلد بها خمسة جيوش وتحتاج لجيش وطني واحد مهني يعكس تركيبة السكان. فالجنوبيون كانوا يشكلون (21%) من الجيش السوداني وذهب الجنوبيون وذهبت فضائلهم الكبيرة وهم من المؤسسين للدولة السودانية، وأهل دارفور كانوا يمثلون (34%) والنوبة (13%) ونحن نريد أن نبني قطاعا أمنيا جديدا يحفظ أمن السودان ويوجه سلاحه لحماية المصالح وليس ضد الجماهير.. والاقتصاد به أزمة عميقة ويحتاج لإصلاحات جوهرية.. كافة المشاريع القومية من النقل النهري للبحري لمشروع الجزيرة لكل القطاعات المنتجة بها أزمة.. ريف السودان تحول من ريف منتج إلى ريف يفرخ الفقراء والجوعى للمدن. والمدن نفسها تريّفت، والصحة انهارت، والتعليم انهار، والدولة هذه فاشلة بامتياز وتحتاج لإصلاحات عميقة والإصلاحات تحتاج لمجهودات كل السودانيين، فهذه الهشاشة التي نعنيها. والثورة فرصة وفكرة وبذرة ويجب أن نستخدمها استخداما جيدا للخروج من هذا النفق المظلم.
*إلى أي مدى يمكن توصيف الحكومة الانتقالية أنها اصطفاف يساري وعلماني يعكر صفوه وجود حزب الأمة؟*
- يا أخي برهان ليس يسارياً، وآخرون ليسوا يساريين. اليسار موجود في هذه البلد منذ الأربعينيات وسيظل موجودا، واليمين سيظل موجودا، فأنا لست داعية لتكريس الانقسام الوطني. فهنالك قوى الثورة وهي قوى متنوعة وحتى الإسلاميين شاركوا في هذه الثورة. وهذه القوى يجب أن تتحد على فكرة وعلى مشروع جديد دعنا لا نفسد المشروع الجديد بهذه المماحكات التي جُربت في 1964م ولم تمض بنا إلى جبل أخضر كما يقول الأستاذ محمود، وجربت في 1985م وأنا شاركت وقتها بفاعلية. والآن نحن نريد أن نتجه إلى مشروع وطني جديد يا شبارقة. وهذا المشروع سيسهم فيه كل السودانيين ولن يكون حكراً على اليسار أو اليمين. والثورة حددت أركان هذا المشروع وهي الحرية والسلام والعدالة. وحمدوك لا نريد أن نركز عليه كشخص، نريد أن نركز عليه كفكرة للانتقال. والانتقال يجب أن يمضي بالبلد إلى اتجاه جديد، فهذه البلد على شفا الانهيار وأنا أقول لك ذلك عن معرفة وعلم وإدراك، ولذلك هذه البلد يجب ألا تنهار ويجب أن تعالج جراحات الإبادة الجماعية وجراحات الحروب وجراحات انفصال الجنوب بمشروع وطني جديد كلٌّ يسهم فيه .. وهناك من يسهم بالكوريق وآخر يسهم بالملعقة، لكن لكلٍّ اسهامه. وهذه البلد نحتاج أن نستمع فيها لأصوات النساء والشباب وأن تكون هناك حريات حقيقية لنا جميعاً.
*ما هي توقعاتك بشأن حدوث انتخابات مبكرة؟*
- هذا سؤال جميل جدا، فالانتخابات المبكرة ليست هي الحل، وهي تكرار لفشل المشروع الوطني وتكرار للتجارب القديمة ولما تمّ منذ 1953م في الفترة الانتقالية الأولى حينما طالب الجنوبيون بالفيدرالية وسخر منهم البعض، وتكرار لما تم في ثورة أكتوبر 1964م وفي 1985م. هذه مجرد أشكال وإجراءات لن تؤدي إلى حل. فالأزمة الوطنية تتلخص أولاً في كيف نصل إلى المواطنة في هذه البلد.. فهذه البلد ما زالت لا تعترف بمواطنة الآخرين، وهذه البلد لم تعالج قضايا رئيسية ولم تتفق على مشروع وطني. دعنا لا نفسد هذه الفترة الانتقالية والثورة بالبحث عن انتخابات شكلية لن تحل الأزمة الوطنية. الأزمة الوطنية ستظل موجودة بعد الانتخابات، والوضع السياسي الحالي هو أسوأ من 1985م ولن تنجح الانتخابات المبكرة مطلقاً، والسلام هو الأولوية.. السلام والانتقال قبل الانتخابات، وهذا هو الشعار الرئيسي الذي يجب أن يكون.. سلام أولاً وانتقال حقيقي من حرب لسلام، ومن الشمولية للديمقراطية، ومن هذه الدولة الفاشلة إلى مشروع وطني جديد ودولة ناجحة، ولذلك نحن ضد الانتخابات المبكرة ونعتبرها مجرد مكيدة للمضي في نفس الاتجاه القديم.
*هل تتوقع انقلاب عسكري؟*
- لا أتوقع، ولا أعتقد أن الانقلاب العسكري مفيد في هذا الوقت، وقادة القوات النظامية الذي التقيت بهم أذكياء وهم يعلمون أن هذه البلد لن تقبل بانقلاب في هذا الوقت. وقادة القوات المسلحة والدعم السريع كلهم قالوا انهم مع إرادة الشعب ونحن نأخذ أي شخص بأقواله. ولذلك أرى أن الانقلاب لن يحل القضية، فالبشير جاء بانقلاب، ولم نصل لأي نتيجة. فنحن نريد أن نقيم حوارا حقيقيا مع القوات النظامية ونريد أن نقيم شراكة تنقل هذه البلد إلى مشروع جديد وهذه رسالتنا. والقوات النظامية من مصلحتها أولاً أن تحل قضية الحرب، لأن قضية السلام هي قضيتها الأولى وتعني في المقام الأول القوات النظامية، فليس الاتجاه نحو الانقلاب وانما نحو السلام. ونحن جاهزون للعمل معهم من أجل السلام ومن أجل بناء قطاع أمني جديد، وهذه هي القضية التي نعمل من أجلها، وجئنا من أجلها.
*فترة الستة أشهر التي حُدِدت كسقف زمني للوصول لسلام هل تراها كافية لإحداث اختراق خاصة وأن كثير من الوقت قد مضى؟*
- يا شبارقة كل شيء يعتمد على الإرادة السياسية، والله هذا السلام يمكن أن يتم في (10) أيام إذا كانت هنالك إرادة سياسية تعترف أولاً بأسباب الحروب.. لأهل دارفور قضايا حقيقية، ولأهل جنوب كردفان- جبال النوبة قضايا حقيقية، ولأهل النيل الأزرق وشرق السودان قضايا حقيقية، وهذه القضايا يمكن أن تُحل في اعلان سياسي الآن حتى إن كانت الحركات موجودة أو غائبة. فهذه القضايا معروفة وهي مربوطة بالمشاركة الفعلية في هذه البلد، ومربوطة بقضايا المواطنة وبالعدل وبمشروع وطني جديد وتعتمد على الإرادة السياسية، وهنالك تقاطعات إقليمية دولية وداخلية وهذه التقاطعات في أحيان كثيرة غير مفيدة للسلام. ونحن يجب أن نعمل للسلام، وأنا أعتقد أن هنالك فرصة نادرة للسلام. وقادة الحكومة الانتقالية في مجلسي السيادة والوزراء في جوبا أظهروا إرادة جديدة وأظهروا رغبة في شراكة حقيقية من أجل السلام. وأنا أتيت للخرطوم لأعزز هذا الاتجاه، اتجاه الشراكة. والآن الثورة أوجدت وضعا غير وضع البشير ويجب أن يكون السلام في شراكة، لأننا كلنا جزء من الثورة. مثلاً الجبهة الثورية هي جزء من قوى الحرية والتغيير وهي التي شاركت منذ سنوات طويلة فهذه الثورة لم تأتِ اليوم فهي نتاج لعمل متصل لمدة (30) عاماً، لذلك هذه الفرصة يجب ألا تضيع في المماحكات.. حي على السلام، ودعنا جميعاً نصطف في صف واحد من أجل أن نأتي بالسلام، فالسلام هو القضية المهمة ويجب ألا نتلاعب بها مطلقاً.
*ماذا إذا انتهت الفترة الانتقالية ولم يتحقق السلام؟.. ما الذي سيحدث؟*
- أنا لا أبني توجهاتي على الافتراضات، أنا أعمل من أجل السلام فلماذا أفترض؟ الفترة الانتقالية في بدايتها ونحن موجودون في الخرطوم ومجرد وجودنا في الخرطوم هذا نفسه اتجاه جديد. فنحن مستعدون لحوار عميق مع مجلس السيادة ومجلس الوزراء وأتينا لنوصل رسائلنا، فالسلام هو القضية الأولى، وهذه البلد مملوكة للنازحين واللاجئين ولملايين الناس من الفقراء في الريف. هذه البلد يجب أن يتغيّر وجهها وتعرف بالمواطنة ويجب أن تتجه اتجاها جديدا، وهذا ممكن فلماذا نصعبه وندخل في افتراضات؟.
*أنت مهموم بالهامش الذي وهبته حياتك العامة والخاصة، فما هو حظ المركز والوسط؟*
- والله يا شبارقة أنا أولاً مهموم بالسودان، ولم أصنف نفسي في يوم من الأيام في هذه الجهة أو تلك. فأنا مثلاً تعلمت من السودانيين ولم أذهب ل (سوبر ماركت) لشراء هذه القيم والأفكار.. تعلمت من منزلنا ومن أساتذتي ومن القادة السياسيين في هذه البلد أن أحب الجنوب مثلما أحب الشمال. هذه قضية لم تأت من فراغ، أتت من الشعر ومن الابداع ومن السياسة ومن المثقفين في هذه البلد. ولذلك أنا أحب السودان، والسودان في ضميري وفي وجداني وفي عقلي غير مقسّم بهذه التقسيمات. ونحن من هذه الجهة ومن تلك الجهة، دعنا نعمل جميعاً من أجل البلد، وأنا بالقدر البسيط الذي ساهمت به لا أشعر بأني ساهمت من أجل الهامش أو الوسط، وأنا ضد هذه القراءات الفاشلة، قراءات المركز ضد الهامش، فالمركز ليس كتلة صماء والهامش ليس كتلة صماء، نحن نتحدث عن بناء دولة جديدة وعن سودان جديد للجميع ليس للهامش وليس للمركز والسودان الجديد القائم على المواطنة بلا تمييز يجب أن يكون لنا جميعاً.
*ألا ترى أن الإفراط في الأيديولوجيا من اليسار واليمين قد أضاع السودان؟*
- هذا النقاش هو تهرُّب من قضايا كثيرة، والناس يجب أن يتحدثوا عن القضايا الحقيقية، مثل قفة الملاح وما هي السياسات التي تخدمها والسياسات التي لا تخدمها، والسلام من القضايا الحقيقية، وبناء بلد ومشروع وطني جديد.. وحديث الصوالين ومحاولات السيطرة بطرح قضايا محدودة الأجل ومحدودة الفائدة هزمت هذه البلد التي تحتاج إلى مشروع وطني..
*برأيك.. ما الذي يحتاجه السودان لكي يستقر؟*
- يحتاج أن يعترف بالتنوع السوداني، وأن نعترف بتاريخنا، والانتقاص من تاريخ السودان انتقاص من جغرافيته، ونحتاج أن نبني نظاما للعدالة الاجتماعية، ونحتاج إلى ديمقراطية، ولذلك أنا أعتقد أن الهروب من هذه القضايا هو الذي أفشل الدولة السودانية، فهذه القضايا كان يجب أن تحل منذ عام 1953م في الفترة الانتقالية الأولى، والآن بعد (60) عاماً يجب ألا نعيد الدروس الفاشلة. وهنالك ملايين الجوعي والنازحين واللاجئين يتحدثون بالملموس وأن مرآة الدولة السودانية يجب أن تعكس صورتهم وثقافتهم وأديانهم، ويجب أن يكون هنالك مشروع للبناء الوطني الجديد يشارك فيه كل السودانيين.. يشارك فيه اليمين واليسار، تشارك فيه كل القوى التي أنتجت الوضع الجديد. أنا لا أريد أن أستبعد أي قوة، والبشير لم يكن ليخرج ولم يكن ليتم القضاء على نظامه إلا أن هنالك قوى في الشارع هي الأساس والقوات النظامية شاركت، وحركات الكفاح المسلح شاركت، ويجب أن نعترف ببعضنا البعض، وأن نقيم حوارا عقلانيا ليس حوار الطرشان أو حوار الاتهامات والتخوين، فهذا الحوار غير منتج، ولذلك أنا أتيت لأسهم في حوار منتج لأجل بناء مشروع وطني جديد، ويجب أن نتجه إلى الأحلام التي كافح من أجلها عبد الفضيل الماظ وعلي عبد اللطيف وشهداء ثورة أكتوبر وشهداء 1985م وهذه البلد آن لها أن ترتاح وأن تستقر وأن تبني مستقبلا جديدا لأجيالها.. أذهب إلى البلدان التي حولنا، فنحن لم نأخذ هذه البلد بجدية. وذات مرة قال لي الأستاذ والكاتب والمثقف الكبير وأحد رموزنا الطيب صالح في ندوة عندما كانت هناك مشاكسة كبيرة، قال لي: (البلد دي نفسكم ما يكون فيها حار، ربنا بشيلا منكم)، وهذا احساس صوفي. لكن في واقع الحال إن لم نحسن استخدام مواردنا البشرية والمادية فإن هذا العالم به تشابكات وتداخلات متعددة وبلدان عظيمة مثل يوغسلافيا والاتحاد السوفيتي والعراق تمزقت، فلماذا نمزًق بلادنا؟ فالسياسات التي نشأت منذ فجر الحركة الوطنية كانت فاشلة ولم تجب على سؤال كيف يحكم السودان؟.. وهذا السؤال طرحه قرنق وظل يطارد كل سياسي في هذه البلد.. كيف يحكم السودان قبل من يحكم السودان والانتخابات؟.
*ماهو وضع الحركة الشعبية شمال الآن ومستقبل فكرة السودان الجديد التي يرى البعض أنها ماتت وشبعت موتاً؟*
- هذا سؤال حقيقي ومطروح، فكرة السودان الجديد الآن بعد مُضي سنوات طويلة تواجه مأزقاً وتحتاج إلى تجديد وإلى اعادة أجندتها بشكل صحيح. قيمة فكرة السودان الجديد هي في وحدة السودان، وقيمة مشروع الدكتور جون قرنق وهذا شخص مولود في وانقلي، ومن وانقلي أتى بمشروع لتوحيد السودانيين غض النظر عن خلفياتهم الإثنية والجغرافية وغض النظر أنهم نساء أو رجال. وهذه الثورة ردت الاعتبار للعمل السلمي، وردت الاعتبار لمشروع السودان الجديد. ومشروع السودان الجديد يحتاج إلى تجديد وإلى أن يُخلص نفسه من بعض التُرهات ومن بعض القضايا التي ارتبطت به، ونحن الآن نريد أن نرد الاعتبار إلى قرنق، وفكرة قرنق. ونحن الآن بعد أن عقدنا مؤتمرنا حسمنا قضية أن يكون لنا توجهات متضاربة (نريد أن نبني سودانا جديدا وفي نفس الوقت يريد البعض أن يستخدم مشروع السودان الجديد لتقسيم السودان)، ونحن الآن فقط مع وحدة السودان على أسس جديدة. ولن نقف مع أُطروحات تستخدم رؤية السودان الجديد كآلية لتمزيق السودان، بل كآلية لتغيير السودان. ولذلك وحدة السودان هي الأساس وهي الاضافة الحقيقية التي أتى بها قرنق. أيضاً نحن نريد أن ننتقل انتقالا استراتيجيا من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي والثورة وفرت لنا آلية للانتقال للعمل السياسي، ولذا أنا موجود في الخرطوم، ونريد أن نفتح حوارا مع قواعدنا وكوادرنا وقادة حركتنا، ونريد أن نوحد حركتنا أيضاً، فالحركة هذه ليست مملوكة لمالك عقار أو عبد العزيز آدم الحلو أو شخصي، هذه حركة مملوكة للجماهير، وهذه الحركة ستتوحد، ورؤية السودان الجديد سيتم تجديدها، وسيكون لها ميلاد ثانٍ ومواعيد باهرات مع النساء والشباب ومع جون قرنق نفسه.
*ألا ترى أنك تسرف في ذكر د. جون قرنق يا أستاذ ياسر؟*
- جون قرنق هو أعظم شخصية في القرن الماضي، وفي القرن الذي قبله كان محمد أحمد المهدي، ومهما تقاصر البعض لأسباب إثنية وعنصرية من النظرة له لكن قرنق كان انساناً مفكراً وجاء بمشروع لم يأت به أحد منذ الاستقلال، وأضرت به التحيزات العرقية والاثنية، ولكن أنا واحد من الناس الملتزمين بإحياء أفكار الدكتور جون قرنق الذي يشكل صلة وارتباطا بين الشمال والجنوب..
*إلى أي مدى يمكن لفكرة السودان الجديد أن ترتّب أو ربما تبعّثر الأوراق؟ الاستراتيجية بين الشمال والجنوب؟*
- فكرة السودان الجديد هي التي يمكن أن تعيد ترتيب الأوراق الاستراتيجية بين الشمال والجنوب. فنحن نريد اتحادا سودانيا بين بلدين مستقليْن يكون لأية دولة حدودها ورئيسها وتحتفظ بسيادتها ولكن نريد مشروعا لاتحاد ثنائي فنحن كنا بلدين لمدة (100) عام ويمكن أن ننفتح على دول الجوار. وأنا إن كان لي أي شيء مفيد سأفعله سأكرس ما تبقى لي من عمر للعمل من أجل اتحاد سوداني بين دولتي السودان، وهذه فكرة عظيمة. ففي أوربا تذهب من أسبانيا حتى تركيا في ظل الفضاء الواحد للاتحاد الأوربي ويجب أن نحلم أحلاما كبيرة..
*يبدو أنك ما زلت متأثراً بخروج الجنوبيين رغم مرور سنوات على الانفصال؟*
- خروج الجنوبيين من هذه البلد كان شيئاً مؤسفاً وخطأ تاريخيا، فالجنوبيون مثل ملح الطعام ونحن نريد اقامة اتحاد يبدأ بين دولتي السودان ثم يذهب إلى دول الجوار، والجنوبيون ليست لديهم أطماع في هذه البلد، الجنوبيون يريدون فقط أن يحافظوا على دولتهم. قبلنا التفاوض في جوبا وسنعمل لتحقيقه لأن الذي يجمعنا بجوبا أكثر من قضية، ولأن الجنوبيين من البلدان القليلة في الخارج ليست لديهم أطماع استراتيجية في داخل السودان، لهم ما يكفيهم من ثروات، وهم ليسوا أكثر من (12) مليون وبلدهم أكبر من رواندا وكينيا ويوغندا معاً، ولذلك العداء ضد الجنوبيين يجب أن يتوقف، والعمل مع الجنوبيين يجب أن يستمر في هذه البلد.
*طالما أنت هنا في الخرطوم بكل أريحية وأمان، فلماذا لا تنتقل المفاوضات من جوبا للخرطوم؟*
- المفاوضات لن تنتقل لأن هنالك قضايا مربوطة بالثقة، ومربوطة بالتنازعات في تاريخ السودان. وفي تاريخ السودان هناك ناس يعطون قيمة للحريات المدنية وهناك ناس يبحثون عن الحقوق الطبيعية كحق الحياة وحق المواطنة. والنقص في هذه الثقة لن يجعل المفاوضات بالخرطوم الآن. وأنت تعلم أن بالخرطوم الآن هنالك تجاذبات كثيرة في الحياة السياسية في هذه المدينة التي أُحِبها. لكن يجب أن نبني ثقة ونحسم قضايا مهمة مثل قضايا النازحين واللاجئين وقضايا الترتيبات الأمنية، فجوبا منطقة مهمة وحيوية ونحن لا نشعر بالغربة في جوبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.