في تلك الفترة الكالِحة من عمرِ الغابَة، وفي ظل سيطرة اللبؤة المُطلقة وحاشيَتِها علي مفاتيح العرين، شهدت الغابةُ أحداثاً أخرى مُهمَّة، ونزلت عليها وقائعٌ ذات شَأن، غيرت أحوالِها وحدّدت الفئة أو الفئات التي يحقُّ لها أن تسُود وتقُود، وتُمسِك بدفَّةِ الأمور في الغابة، فبخلاف انضِمام فَصِيلِ البِغَال الكَرْنفَاليَّة، نمَت وتزهزهت قطائع الخنازير... وكان وراء ذلك الإنتعاش وتلك الزهزهة عُدةُ أسباب، أهمُها أن الحيوانات اللاَّحِمة، كالفُهُود والنُّمُور وحتَى النُّسُور الجَّارِحَة كانت قد فقدت الرغبةِ في البقاء في واقع الغابة الراهن، وفضَّلت عليها تُخُوم ومضارب الصحراء وسفوح الجبال... لذا، باتت الخنازيرُ بمأمنٍ من الأفتراس بموجب هذا الغياب ونيجةً له، وسيادة النزعة النباتيَّة على موائد الغابة المَحْضُوْرة... أضف إلى ذلك، إنَّ الخنازيرَ، ومُنذُ زمنٍ بَعِيد، من عهدِ الأسدِ الأَب وأيامه، كانت تعملُ بمثابرةٍ مُنقطعةِ النَّظير على الإستيلاء والسيطرة علي مَخَازِن ومُستودعات المؤَن واحتياطات الغابة من البضائع الإستراتيجية، وتفقت بحيثُ كان لهَا ما أرادت، إلى أن وصل حد سيطرتها واحتكارها، للبضائع والمهمات كافة، حد العهر الإقتصادي وفاته، في الزمن الذي دانت فيه شئون الغابة،برمتها، للبؤة وتنابِلَها التي لا تشبَع ولا تمِلَ الإِكْتِنَاز.... وتَمدَّدَت سُلطةُ الخنازيرِ لتَشمِل، بعدَ المخازنِ والمُستودعات مُباشرةً، آلةُ الدِّعَاية وووسائل الإعلام بالغابة... ووظَّفت مُؤسسات الإرشاد الروحي والتربية والتعليم... ونوادي الثقافة، ومجمُوعات نشرِ المعرفة والوعي، لبثِّ رُؤاها وتصوراتها الخربة... والتبشير بقيم ما قبل التاريخ! وكأنَّما لم يَكْفِها كُونُها خنازيرٌ، فاستعانت، نِكَايةً وتنْكِيلاً، ببُغاثِ الطَّيرِ والبُوُم ليعتلى المنابر فيهاوينعَق بالشُّوم، وبلا رقيب، في محافل واحتفالات الغابة جميعها، ومن تلك المحَافِل، بالتَّأكِيد، كان المهرجانُ الذي تبنته اللبؤة ونصَّبت نفسها بنفسِها راعيةً له، مُستثمرةً استفحالِ غيبُوبةِ الأسد المهزول، وتمَكُّن مرضُ الزَّهَايْمَر العُضَالْ من الذِّهابِ بذاكِرتِهِ ومحوها بشكلٍ تَام وكَامِل. ونَعَقَ البُومُ، وناحَتِ الغُربَانُ في كُونسِرتَات الكرنفال ووصلاته المُوسيقيَّة، ولكن، وبرغمِ الجَّلبةِ والصَّخَبْ، لم تستجبْ من إناثِ الغابةِ بالرَّقصِ على نشَازْ ذلك النعيقِ ، في تلك الليلةِ المُشوشَة، سِوَى النِّعَاج! وأستثمرَ الهِر ُّالدَّهِينْ إندماجهِنْ في الرَّقصِ وانغماسَهِنَّ في حالة الغناء الطرب، وقاد حملةً، جَرَّد لهَا عَتَاوِلة القِطَطْ، وانقضوا بنهمٍ غير مسبُوق على الحملان التي هملتها امهاتها وتركتها لقمةً سائغةً للطامعين. وصَارت تلكَ المَجزَرَة، التي يُؤرخ لهّا حتى الآن ب( ليلُ الحِمْلَانِ الأَسْوَد)، صارت مُلازمةً ودون علمٍ من البوة، لذِكْريَاتِ الكَرْنَفَالِ لهَذا العَامْ. وظلت ملامحُ مَجزْرةِ ليلةِ الحِمْلَانِ السَّوداء مّاثلةً طِيْلَةِ أيَّام انعقاد الكرنفالات القادمة في كل السنوات التي تلت سنة هجمة القطط الضارية على حملان (غَابةِ النَّحسِ) الوديعة حتى إسْوَدَ ليلُها واطبَقت المِحَنْ. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.