ولمّا كان الأسد قد بات عاجزاً عن مضاجعة زوجته، عجزاً تامّاً، وجدت اللبوة نفسها، دون أن تشعر، مائلة عاطفيا للقطِّ الدهين، ومنجذبة له، ولكنها، في صَحْوَة ضمير مُباغتة، رأت إنَّ في مُجرّد التفكير في ذلك القط المكتنز، خيانةٌ لزوجِها الذي هَرِم، وتهديداً للعرش وهَدْرَاً للعشرة التي كانت. واكتفت بإجترار الذكريات الحميمة، كلما واتتها الرغبة في إشباع شهواتها التى كانت تتاورها، أو نادتها، بين الفينة والأخرى، الطبيعة الغَلَّابة. كانت، وبطبيعة الحال، لقاءاتُ القطِّ الدهين واللبوةِ راتِبةً ومُنتظمة، وكانت عادةً ما تسبق إجتماعات ساحةِ العرين الصباحيّة العامَّة بفترة كافية، وتطول حتى تكفي اللبؤة لتُنقِّح ما يدلو لها به القطُّ الدهين من تقاريرٍ عن أحوالِ الغابة وملخصات عن شئونِها في الأمس، فتُحدِّد هي، لا هُو، ما يَجب قُوله للأسد المهزول وما يجب تركه الصمت عنه، وتبريرها الجاهز الذي لا يُدحض، الذي تكانت ُلقِهِ على مسامع الهر الدهين ووفده المُرافق، في كُلِّ لقاءٍ صباحِيٍ: - (أبُونا، الليلة، مزاجُو عَكْرَان!)... كان كل يوم يمُر على الغابةِ يشهدُ تردِّي الأوضاع فيها، وتفاقم البؤس في أرجائها، وكانت قلوب القومِ، التي يحسبها البعضُ جمعاً، كانت شتَّى. ولقد كانت القطط لا تتحرّج ولا تُخفي سعيَها المُتآمر لوراثة الملكيّة عن أبناء عمومتها حكَّام العرين من فصيلة الأسود الجرباء، وتعمل، ليل نهار، لإختراق مراكز العرين. ولهذا الهدف إقترح الهِرُّ الدهين على أبناء فصيلته، أن يقيم أحدُ القطط الثُّقاة، في العرين أوبجواره، كمندوبٍ لَهُ ومراسلٍ دائمٍ من الخطوط الأماميّة، وتغطى مهمته وتموَّه بأن يصير سكرتيراً أوّلاً لزوجة الأسد، حتى تلم القطط بالأخبار أولاً بأوَّل، في حينها، فلا تتأخر عن درء المخاطر المُحتمَلة، سواءَ كانت تلك المخاطر تطال وتُهدِّد صحة الأسد، أوسُلطة اللبؤة، أو أمن حُكُومة الغابة بشكلٍ عام. وقد أقرت اللبؤةُ فكرةَ أن تنعم بسكرتير، وسمحت بوجود ذلك القط ووظفته لملء تلك الخانة، ولكنها كانت تشك، في كل لحظه، في كون سكرتيرها الجديد يعملُ جاسوساً شخصيّا للهرِّ الدَّهين. ولاحظت أكثرُ من مرةٍ أنَّهُ كانَ يسألُ عن أشياءٍ أن تُبدَى لهُ تَسُوءهُ، ويحشِرُ أنفَهُ في أضابير العرين ويهتم بما لا يعنيه من شئون البلاط، بحيثُ باتَ يعرفُ أشياءاً كانت أكثرُ مما يجِبُ الإطلاعُ عليه، وتفُوقُ في ثرائها وغزارتها كمَّ المعلوماتِ الضروريَّة التي تحتاجها فصيلةُ القطط وتكفيها في أداء واجبها في حماية العرين، وكان ذلك الواجب يتمثَّلُ دون أن يقتصر على ضمان عافية الأسد، واستتباب أمن الغابة، وتوطيد سُلطة اللبؤة، ومساعدتها في السيطرة المُحكمة على مقاليد الأمور. وعندما فاض بها الشكُّ وساورتها بها الظُّنونُ، خبطتهُ، ذات نهارٍ قائظٍ، بيسراها، وأودت الخبطة الناجزة بحياةِ الجَّاسُوس في الحال. وقدمت اللبؤة حساءه غداءً شهيَّاً للأسد، واستطعمه المهزولُ وأعلن عن سعادته بلا مواربة، وأكلت هي باقي لحم وعظام القط المُرسال، ثُمَّ نامت هانئة تحت قيظ النهار، إذ كانت تلك الوجبة هي ألذُّ ما أكلت اللبؤة مُنْذُ أن مرض الأسد حينَ وجبَ نهوضِها الطوعي والطامع بأعبائه الثقيلة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.