بسم الله الرحمن الرحيم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. قبل عام كسر شباب سوداني نبيل حاجز الخوف، الذي رعته دولة الارهاب الاسلاموية، كوسيلة حصرية لاستدامة سلطتها الفاشستية. والمدهش حقا ان هؤلاء الشباب الشجعان عند خروجهم الي الشوارع وارواحهم علي اكفهم، كانوا يعلمون سلفا طبيعة العدو، وتجرده من فضائل الاعراف السودانية، ناهيك عن القيم الانسانية الكونية. لهذا السبب تحديدا كانت روح التضحية هي الدافع لهذا الحراك. اي محرك الكرامة والحرية والسلام والعدالة والمساواة التي تجسدت في شعارات الثورة، كانت الوقود الذي كلما تعرضت للقمع والسحل والتنكيل، زادها اشتعالا واصرارا وحماسا. ومن هنا كانت عظمة الثورة الشبابية السودانية، التي جذبت للمشاركة في فعالياتها قطاعات عريضة علي طول البلاد وعرضها وصولا لطرقها ابواب المهاجر في الخارج. لتشكل لوحة التفاف وتضامن سودانية لم يشهد لها السودان مثيل. خصوصا عندما تكون دوافع المشاركة، هي قيم ورموز وتطلعات ومشاعر انسانية فوق كونها نبيلة إلا انها كانت راقية ومتحضرة، مست بسلميتها وابداعاتها ووتصالحها مع الذات الثورية، في مواجهة منظومة عنف وابادة وهمجية، شغاف القلوب في كافة ارجاء المعمورة. والمفارقة ان واحدة من اسباب نجاح هذه الثورة، هي مواجهتها لدولة الاستبداد والفساد الاسلاموية بنقيضها، اي بادوات من خارج فضاء عدة اشتغالها، والمقصود انتهاج سلاح الثورة المتجسد في الاخلاقية السلوكية والوعي المصادم (الايجابي) في التصدي لمسلمات الغش والنفاق والكذب والتدليس (الوعي الزائف) المتحكمة في حركات وسكنات منظومة الانقاذ. اي كانما الثورة الشبابية السودانية بشعاراتها ومواقفها وصلابتها التقطت كلمة السر التي طال انتظارها، في مواجهة نظام ليس فاسدا وتالفا فحسب، ولكن الجميع بما فيهم سدنة النظام وابواقه يعلمون ذلك. وفي هذا رسالة للقوي السياسية (قحت) وبما فيها حكومة حمدوك وللحركات المسلحة، التي تسلمت مشعل الثورة لتعبر بنا العقبات والمطبات التي تتربص بالفترة الانتقالية، ان يستلهموا قيم الثورة ويحافظوا علي تضحيات الثوار، من خلال تقديم نماذج للقيادة (تثوير القيادة) تراعي المصلحة العامة او كل ما يقود الي التعجيل ببناء دولة عصرية تليق بهذه الانجازات والمواقف البطولية، قبل ان تعوض عذابات وشقاء وخسائر ثلاثة عقود من الاستباحة والانتهاكات المجانية. وخاصة ونحن نعلم ان الثوة ما هي إلا طريق او وسيلة لاحداث مشروع التغيير الكامل، ليس علي نطاق اعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها ودستورها علي اسس حديثة فقط، ولكن قبل وبعد كل شئ ان يصبح المواطن الفرد الحر هو محور هذا الجهد ومدار الاهتمام. والاهم ان الجميع يعلم ان هكذا تغيير شامل ومُلح، محكوم بالاصطدام بموانع عديدة، ليس اقلها ما تركته الانقاذ من دمار شامل طال كافة المجالات والاتجاهات، وان هنالك مؤسسات واجهزة وشركات وشبكة علاقات داخلية وخارجية، تنتمي للنظام السابق قلبا وقالبا ما زالت فاعلة في الفترة الانتقالية! وهي بدورها مستهدفة بهذا التغيير. وهذا غير كم الجرائم والانتهاكات التي طالت عدد لا حصر لهم من الضحايا وتضررت منها اسرهم، وهم بدورهم يتطلعون للقصاص وجبر الضرر. والمعلوم انه من دون انجاز هذه الاهداف والمطالب لا معني للثورة ولا تضحيات الثوار. بل اية انتكاسة عن بلوغ هذه الاهداف سواء بالالتفاف عليها او التباطؤ الشديد في التعاطي معها، سترتد علي الثورة في شكل نتائج عكسية ستكون عواقبها وخيمة، ولنا في طغيان السيسي وعمالة حفتر وحماقة علي صالح العظة والاعتبار. المهم بما ان مشروع التغيير علي هذه الدرجة من الضخامة والشمول، فهو بطبيعة الحال يقطع مع ثقافة الوصاية، المكرسة للفوقية والنخبوية وتاليا احتكار الامتيازات. والحال كذلك، فهو يحتاج لشراكات حقيقية تتعدي التطمينات اللفظية، الي ايجاد وسائل وآليات للتواصل بين الحكومة والنشطاء في المجال العام، وصولا لاستنفار كافة المواطنين. وهذا ما لن يتم إلا باستحداث اجسام او منابر وسيطة، تُعين الحكومة (تقديم العون ونقد الاخطاء وضبط ايقاع عملها) من جانب، ومن جانب آخر تملك المواطن المعلومة وتطلعه علي حقيقة الاوضاع، وتبصره بحقوقه، وتحثه علي الجد والعمل والابتكار، وكيفية ايجاد الحلول لكافة المشاكل، وبصفة عامة ترد اليه الثقة بالنفس، وتاليا الاعتماد الذات. ولا يقل عن ذلك اهمية، قطع الطريق علي الثورة المضادة، التي تحاول تضخيم الاخطاء والتشكيك في المسؤولين ولجان المقاومة، وفبركة الشائعات لنشر الياس والتخذيل، وليس بعيدا نسج خيوط المؤامرة للقيام بانقلاب يعيدها الي سدة السلطة، وهذا غير مسلسل الابتزاز الذي لا ينتهي بالحديث المبتذل عن الاقصاء، والذي في حقيقته ليس اكثر من قلة حياء جبل عليه هؤلاء الفاسدون. اي من محن الدنيا علي السودانيين ان الاسلامويين عندما يكونون في سدة السلطة يفسدون وعندما يخرجون منها يخربون. ولكن مما تقدم نعلم ان هكذا مشروع لن تقوم له قائمة، إلا بتواضع حكومة حمدوك وشركاءه في قحت، واعترافهم بعدم امتلاكهم لمشروع واضح القسمات، او برامج تفصيلية لادارة الفترة الانتقالية. وللخروج من هذا المازق، تتم الدعوة العامة للاسهام في هذا المشروع وكل حسب تخصصه وخبرته. واهمية هكذا مشروع انه يتيح اكبر فرصة للمشاركة في ادارة الشان العام وكذلك يساهم في ترتيب الاولويات، وقبل ذلك يحسم موضوع التهافت علي المناصب وتحصيل الامتيازت، كاخطر امراض الثورات او مكمن اختراقها وضربها من الداخل. وفي هذا المقام يصعب عدم الحديث عن الاسلامويين ومشروعهم الوهمي، الذي ضرب البلاد كعاصفة هوجاء. فهؤلاء اثبتوا انهم شرذمة من الموتورين الذين يصعب حسابهم علي البشر السويين، بدلالة هذه التجربة العدمية التي طبقوها دون رحمة. وهو ما يشير بدوره علي ان اي مشروع عدمي يحمِل اصحابه علي التماهي معه، وتاليا يفتح المجال امام ممارسات ومسلكيات يصعب فهمها او تفسيرها او مجرد تخيل امكان حدوثها. لكل ذلك يجب ان نستفيد من الفترة الانتقالية لوضع النقاط علي الحروف، وقطع الطريق امام اي مشاريع ذات صبغة دينية او ايديولجية تختصر الوطن وانسانه في خدمة شعاراتها. وعليه اي مشروع او برامج او دستور لا يجعل مصلحة المواطن/الانسان (كقيمة عليا)، مصدر التوجه والسلطات والرقيب عليها، يصبح مجرد وهم وفخ يجب اجتنابه. والحال كذلك، يجب عدم التسامح مع الاسلامويين واشباههم، او فتح المجال امامهم، بحجة حرية الراي والتنظيم التي يراد بها باطل. والسبب في ذلك بسيط، اي كونهم اسلامويون فهم حكما ضد كل منجزات الحداثة (نقيض الحداثة، اي كمصدر وجود وشرعية) التي تنتسب اليها الدولة العصرية، وتاليا كل ما يصدر عنهم من تطمينات ووعود بالانخراط في اوعية واجراءات الحداثة، لا يعدو كونه خدعة تجد التبرير داخل قناعاتهم، حتي يتم الاستيلاء علي السلطة وعندها يظهرون علي حقيقتهم، ولكن بعد فوات الاوان. وعموما ادارة مصالح المواطنين وحفظ كيان الوطن، لا تحتاج لكل هذه الالتفافات او التلبسات بالدين او غيره، إلا اذا كانت هنالك اجندة خفية تستدعي كل هذه الاساليب التمويهية. وبكلمة واضحة، اي مساعٍ لادماج الاسلامويين في نسيج الفترة القادمة، دون المحاسبة والاعتراف بالاخطاء والاعتذار، والاهم المرور بمرحلة اعادة التاهيل، ووضع كافة الضمانات لعدم عودة هذا الوباء عبر اساليبه المعروفة. فهذا للاسف لا يُعد إلا كونه غفلة وسذاجة تتفشي بين ادعياء الروح (الغاندية/الماندلية)! والاخطر من ذلك انها تفتح المجال امام الاسلامويين لنسج الدسائس ووضع الخطط للانقضاض علي السلطة، ومن ثم اعادة انتاج ذات الكوارث ولكن بمعدل اشد فتكا وفظاظة. واخيرا سنظل مديونين لهؤلاء النبلاء الشجعان، الذين ضحوا بارواحهم وصحتهم وحريتهم، لخلاص هذا الوطن ورد الاعتبار للمواطنين، من اكبر كارثة المت به طوال تاريخه. وهذا ما يجعل الوفاء لذكر هذه الثورة وتضحيات الثوار، معلما بارزا في تاريخنا القادم، عبر تجسيدها في البناء القيمي ومناهج الدراسة ولغة الخطاب السياسي والثقافي المتداول، وكرموز فنية تجمل شوارعنا وساحتنا العامة. وفي هذا المقام يجب الا ننسي ان هؤلاء الشباب هم من بدأ النسخة الثانية من الربيع العربي، وهذا ليس من باب الشوفينية، ولكن ببساطة لحفظ حقوق هؤلاء الابطال في القيام بخطوة المبادرة الاكثر جرأة وخطورة، اي بمثابة حجر الزاوية في المعمار الثوري. خاصة وان الاستقامة الثورية نفسها تتطلب ذلك، اوليس الثورة في واحدة من معانيها او اهدافها الاساسية رد الحقوق الي اصحابها، وعلي راسها الحقوق المصادرة من جانب السلطات المستبدة، وهل الاستبداد شيئا آخر غير المصادرة للفضاء العام وانتهاك الخصوصيات؟! وعموما ليس هنالك حق اعظم من تقديم النفس فداء لكافة شعوب الارض المقهورة، وما انعم بها من تضحية تليق بسمو هؤلاء الانقياء. ونسال الله ان يتقبل الشهداء قبولا حسنا ويرد غيبة المفقودين ويعجل بشفاء الجرحي. ودمتم في رعاية الله.