من متابعتنا اللصيقة للكر والفر والجدل الدائر بين أحزاب المعارضة وحزب المؤتمر الوطنى حول الأنتخابات هذه الأيام لاحظنا ما يلى : كانت أحزاب المعارضة قد تقدمت بالمطلوبات التالية للحكومة للنظر فيها وهى: اعادة النظر في بعض الدوائر الجغرافية. معالجة خروقات التسجيل. حل مشكلة دارفورورفع الطوارىء عن الأقليم وأشراكه فى العملية الأنتخابية. تحقيق العدالة في توزيع فرص البث الأعلامى للمرشحين. التحقيق فى الطعن المقدم ضد المفوضية القومية للأنتخابات بالفساد المالى والأدارى والتحقيق فى صرفها البذخى على الحملات الأنتخابية الخاصة بالمؤتمر الوطنى. بحث مخرج وفاقى لقضية التعداد السكانى. رفض قرارات مؤسسة الرئاسة بزيادة مقاعد البرلمان للجنوب وجنوب كردفان باعتبارها غير دستورية وغير قانونية. عدم بث الفتاوى الدينية التى تحرم التصويت لبعض الفئات. اتاحة الفرصة للمرشحين الرئاسيين بمخاطبة القوات النظامية. اتاحة الفرصة للمغتربين للتصويت على كافة مستويات الترشيح وعدم حصر حقوقهم الأنتخابية فى التصويت لمرشحى الرئاسة فقط وعدم استغلال السفارات فى دول المهجر لمصلحة الحزب الحاكم. تأجيل الأنتخابات بموافقة كل القوى السياسية بما في ذلك الحركة الشعبية لحين حل المشاكل السابقة. وفى يقينى أن ما ورد أعلاه من تحفظات للقوى الديموقراطية لا يمثل خروجاً على ملة الأسلام ولا يمثل انتهاكاً للقانون ولايجانب المنطق السليم...كما أنه لا يمثل خيانة للبلاد أو يعمل على تنفيذ أجندة السفارات الأجنبية والدول المعادية للسودان. وكان من الأجدى والأنفع أن يعترف حزب المؤتمر الوطنى أن هناك استحقاقات انتخابية واجبة السداد لايمكن أن تقوم انتخابات حرة ونزيهة دون تحقيقها بدلاً من هذه الهستيريا التى نراها والتى وصلت ببعض قياديى حزب المؤتمر الوطنى الى حد شتم المعارضين فى أشخاصهم وسنون حياتهم التى منحهم لها الله سبحانه وتعالى....وبالمناسبة اذا كان كبر العمر عيباً ، فان غالب مرشحى الرئاسة وصلوا أو زادوا على الستين عاماً بأعوام..فما ظن السادة كبار قادة المؤتمر الوطنى الذين ضربوا لنا مثلاً ونسوا خلقهم من الذين يعيرون غيرهم وهم يقاربونهم فى السن..... أم أن الوهم حلق بهم فظنوا أنهم فى العشرينات.....اذن هناك عواجيز فى الحكومة كما فى المعارضة...ولكن ما يتساءل عنه الشعب بالنسبة لممثليه العجائز هو أيهم زادته سنوات العمر علماً وحكمة .... وأيهم زادته السنون خبالاً. وفى اعتقادى أن حزب المؤتمرالوطنى ولضمان بقائه في السلطة الى الأبد ، راهن رهاناً خاسراً على ظواهر بعض الأشياء دون جوهرها ، بينما حلت عليه جوائح أخرى دون أن يعمل حساباً لها أو يوفيها حقها من القراءة الصحيحة كالتالى : أن الأحزاب السياسية قد تفتت وذهب ريحها وانتهى أمرها بما زرعوه فيها من فتن وانشقاقات وما امتصوه من مواردها حتى أصبحت كعود القصب اليابس .....ولكن ما لبث أن ذهب الزبد جفاءاً وبقيت الأحزاب الأصلية ولم نعد نسمع عن ما يسمى بأحزاب حكومة الوحدة الوطنية. وبالمناسبة أين هى أحزاب حكومة الوحدة الوطنية وماهو حظها فى ما يجرى؟؟؟ أن الخدمة المدنية والعسكرية التى فصل منسوبوها واستبدلوا بآخرين موالون قد دجنت تماماً وانكفأ الناس في طلب الرزق خوفاً ....لكننا اليوم نشهد حراكاً مهنياً غير متوافق مع السلطة على كافة المستويات مما أدى الى العديد من الأضرابات ....فمن أين أتى هؤلاء با ترى....أليس هم موظفون فى الدولة التى سبق أن فصلت الموظفين غبر المرغوب فيهم ورفعت سيفها البتار فوق رؤوس الآخرين ؟؟؟ أن الشراكة مع الحركة الشعبية كافية لتمكين الحكم ....ومما يندهش له المرء طيلة السنوات الماضية ما تواضع الناس على تسميته ( حكومة الشريكين ) أى أن الشريكين رفضا أن يشاركهما الآخرون السلطة وكأن بلد المليون ميل مربع والاربعين مليون نسمة قد نضب معينها ولم يتبق الا الشريكين القويين ، وتمر الأيام واذا بالشريك الأصغر يصر على استخلاص حقوقه كاملة من الشريك الأكبر ولا زال..... بل ويذهب أبعد من ذلك وينسق مع أحزاب المعارضة الشمالية حول كيفية أجراء أنتخابات حرة ونزيهة ... وفي تقديرى أن الحكومة اذا قدرلها أن تستشرف المستقبل فى أيام نيفاشا الخوالى ، بأن هذه الأنتخابات ربما تكون لها استحقاقات وأولها تفكيك مفاصل الديكتاتورية لما قبلت بها بنداً فى الأتفاقية أبداً. أن الأستخدام غير الأمثل لموارد الدولة ومن بينها الاغداق على المحاسيب سيخلق دولة التمكين الأخطبوطية الأبدية ، ولكن هذا الأجراء ولد تفاوتاً طبقياً كبيراً بين الناس مما أذكى نار الكراهية بين أبناء الوطن الواحد و أن الثقة المفرطة التى يتظاهر حزب المؤتمر الوطنى أنه يتمتع بها بسبب المال والسلطان الذى امتد لأكثر من عشرين عاماً انما هى ثقة فيها الكثير من التفاؤل ذلك لأن جانباً لا يستهان به من شباب هذا الوطن لا يطيق حزب المؤتمر الوطنى بسبب هذه التفرقة البغيضة رغم أنهم ولدوا تحت ظل حكم المؤتمر ولكن الطبع يغلب التطبع دائماً . وما يدريك لعل الفوز أو الخسارة تأتى من حيث يدرى المرء ولا يدرى . أن استعمال البطش والقوة والعنف الذى لجأت اليه السلطة الحاكمة فى أول الأمر وأخافت به الناس ، لم يكسبها احتراماً بل أساء اليها أيما اساءة ، ولا تزال الحكومة تعانى من عقابيله المريرة. وحالياً فأن عقلية أقصاء الآخر أو تمنى موته أو حرقه أو محاولة سلبه حقه فى المنافسة فى السلطة ، أنما يصب في بحر الأمانى الزائفة الذى قد يريح البعض أعلامياً ولكنه لا يغير من واقع الأمر شيئاً حيث أن الأوان قد آن لمشاركة الأحزاب فى الحكم رضى من رضى وأبى من أبى. ان مشكلة دارفور التى ظهرت من مستصغر شررتراكم الأهمال والحلول غير العملية، أصبحت تماثل مشكلة الجنوب تعقيداً وتحتاج الى حل فيه الكثير من المرونة. أن المجتمع الدولى لم يغفل لحظة عما يجرى فى السودان متابعة لمصالحه ، بما فى ذلك محكمة الجنايات الدولية التى شكلت عامل ضغط مؤثر قلب الكثير من الموازين السياسية وان كابرنا بعدم تأثيرها الواضح علينا. وما دام ذلك كذلك ، وأن الأمر لم ولن يعد كالسابق - أى ان المؤتمر الوطنى لن يحكم هذه البلاد منفرداً بعد الآن ......فأننا نرى أن مصلحة هذا الوطن تقتضى أن ينظر المؤتمر الوطنى للأمور نظرة مختلفة ومتقدمة و أن يعتمد الحوار الموضوعى مع الأحزاب فى كافة القضايا المطروحة و أن يصل معها الى حلول وسط تجنب البلاد والعباد ما يمكن أن يسفر عنه التشدد الحالى من مخاطر لا يتمناها أحد ، سيما وأن النماذج الأنتخابية الأفريقية التى رفض فيها الرؤساء وقبائلهم أن يتنحوا عن الحكم ما زالت ماثلة من حولنا .... ومع ايماننا بأننا شعب أشتهر بالتسامح ألا أن أجراء الأنتخابات تحت ظل حكم شمولى لا يزال يفكر بعقلية القرن الماضى ويأبى أن يستوفى استحقاقات الأنتخابات ويصر أن يأتى مجدداً بقضه وقضيضه مهما كلفه ذلك ، أنما يغلق الباب أمام الأعتراف بنزاهة الأنتخابات ويفتحه واسعاً أمام الأحتمالات الأخرى التى لا يريدها الشعب السودانى.... salih shafie [[email protected]]