على الرغم من تعالي الأصوات المنادية بحل جهاز الأمن والمخابرات وتسريح عضويته الموصومة بالولاء الكامل للنظام البائد ، إلا أن جهاز الأمن بقيادته الجديدة المعيِّنة من قبل العسكريين بمجلس السيادة يمضي قدما في تنفيذ القرار الذي اتفق عليه المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية والقاضي بإعادة هيكلة الجهاز . قرار إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات الذي أقره العسكريون مؤخرا وصادق عليه المكوِّن المدني بالحكومة الانتقالية في إطار الشراكة بين الطرفين ينطوي على غفلة كبيرة من قبل الحكومة المدنية بطبيعة عمل هذا الجهاز وينبئ عن مخاطر وتهديدات أمنية خطيرة تنتظر البلاد خلال الفترة الإنتقالية . فإلى جانب العقيدة الأيديولوجية المنتمية إلى فكر الاسلامويين التي تميز الغالبية العظمى من عضوية الجهاز فقد إتجهت القيادة الجديدة للجهاز إلى تعيين مدراء إدارات جدد ينتمون إلى هيئة الاستخبارات العسكرية التي تعتبر إحدى أكبر بؤر التمكين داخل المؤسسة العسكرية والتي لم تخضع حتى الآن لأي إجراءات لتفكيك التمكين إستنادا إلى القانون الذي تمت إجازته موخرا لتفكيك التمكين في كافة المؤسسات العسكرية والمدنية . ليس ذلك فحسب ، بل الأخطر من ذلك أن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي عضو مجلس السيادة تتطلع هي الأخرى إلى نيل نصيبها من (كيكة) جهاز الأمن وتُخطط لتعيين عدد مقدر من عضويتها ضمن مكونات جهاز الأمن الأمر الذي يجعل من الجهاز حاضنة لكل المكونات الايدولوجية والعسكرية والقبلية والجهوية التي وفرت الحماية للنظام البائد ولا زالت تقوم بذات الدور بعناية فائقة خلال الفترة الإنتقالية . وعلى الرغم من أهمية المكوِّن الشرطي بجهاز المخابرات ودوره المعلوم تاريخيا في أنشطة أجهزة الأمن فقد نأت وزارة الداخلية بنفسها عن هذا الأمر ولم تبادر مثل المكونات العسكرية الأخرى لرفد الجهاز بممثلين للشرطة من ذوي الخبرات الامنية المعتبرة من ضباط الشرطة المتقاعدين أو ممن لا زالوا في خدمة الشرطة وفضلت الصمت التام حيال هذا الأمر مكتفية بإطلاق الوعود المتكررة عن قرب تأسيس جهاز للأمن الداخلي تحت مظلة الوزارة ، ويُرجع البعض هذا الصمت لعدم رغبة الوزارة ورئاسة الشرطة في إعادة الضباط المفصولين تعسفيا من الدُفع الشرطية السابقة لدفعة الوزير والمدير العام للشرطة ممن يمتلكون خبرات رفيعة في مجال العمل الشرطي والأمني إلى الخدمة الشرطية من خلال اللجنة الوزارية التي شكلت لمعالجة أوضاع الضباط المفصولين تعسفيا . ويبدو أن القيادات الحالية في وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة متخوفة من إعادة كل من تنطبق عليه شروط العودة إلى الخدمة من الضباط المتقاعدين وبما يستوجب إجراء تعديلات جذرية في هيكل قيادة الشرطة مما سيقود بالضرورة إلى استبعاد القيادات الشرطية الحالية من سدة القيادة وافساح المجال أمام عودة قيادات جديدة ممن أبعدهم النظام البائد من الخدمة لأسباب تتعلق في مجملها بعدم الولاء لذلك النظام أو عدم الانتماء لعقيدته الفكرية ، مثل هذا التفكير إن صح فهو يمثل تجسيدا صارخاً لتغليب المصالح الشخصية الضيقة لفئة معينه على حساب المصلحة العامة ، ويكفي أن هيئة قيادة الشرطة لا زالت تتجاهل بل وتُعرقل المطالب الثورية المشروعة المتمثلة في تطهير قوات الشرطة من أتباع النظام البائد وتفكيك التمكين الذي يعتبر بكل المقاييس من أهم الأسباب التي قادت العمل الشرطي للوصول إلى أدنى مستوياته المهنية . يجب على حكومة حمدوك أن تعلم أن التباطؤ في إعلان قيام جهاز للأمن الداخلي تحت مظلة وزارة الداخلية ، وتجاهل الوزارة ورئاسة الشرطة لاعادة الضباط المفصولين أو المتقاعدين من أصحاب الخبرات يعتبر خطأً جسيماً وتراجعا بائنا عن الخطوات والتوصيات التي أقرها البرنامج الاسعافي للفترة الانتقالية في المجال الأمني ، والتي يتوجب الإسراع في تنفيذها لإصلاح القطاع الأمني ولبناء جبهة داخلية آمنة وقوية ومتماسكة للوقاية من التهديدات والأخطار المتعاظمة التي تخيِّم على سماء البلاد . ويجب على الحكومة ألا تعوِّل كثيرا على الاجراءات الشكلية التي إتخذها جهاز الأمن تنفيذاً لقرار إعادة هيكلته في غياب أي تمثيل أو دور للجهاز التنفيذي في مراقبة تنفيذ ذلك القرار ، وعلى الجميع أهمية إدراك أن الجهاز المذكور لا زال بقضه وقضيضه يمثل المُهدد الأكبر لسلامة البلاد وأمنها واستقرارها . مقدم شرطة م /حسن دفع الله عبد القادر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.