مهما كانت الأسباب والمبررات لاستدعاء قوات حفظ السلام الأممية للبلاد, يظل هذا الاستدعاء وهذه المطالبة التي ابتدرها رئيس وزراء حكومتنا الانتقالية بمثابة الدعوة الصريحة لعودة الاستعمار بوجهه الحديث, وإعادة لتاريخ غزو الخرطوم بواسطة اللورد كتشنر اللذي قضى على الدولة المهدية في نهاية القرن الثامن عشر, وتكرار لصراع أهل البادية مع سكان الحضر حول السلطة و النفوذ, ذات الصراع اللذي نشب بين خليفة المهدي وسكان حواضر نهر النيل, اللذين أتوا مع الغازي على ظهر السفينة القادمة من مصر لإخراج الناس (القباح والشينين) من خدر حسنائهم المصون, إذ ما يزال سكان الريف السوداني يمثلون الوقود الحيوي لرفد المؤسسات العسكرية و الاقتصادية, بالشباب الخشن صاحب اللياقة الذهنية و البدنية التي لم يلوثها دخان المدن الصناعية. لقد وضحت معالم الصراع النخبوي العسكري بعد انقشاع سحابة الانقاذ, فدخلت النخبة السودانية ممثلة في جسمها الجديد (قحت) في فوبيا أخرى تسمى حركات الكفاح المسلح و قوات الدعم السريع فتصببت عرقاً, خوفاً من مآلات مشروع سلام جوبا اللذي سيدخل كيانات سياسية وعسكرية قوية في شراكة حقيقية في مؤسسات الحكم الانتقالي اللتي سوف تؤسس لملامح مستقبل البلاد, الشيء اللذي لا يتفق و وجدان هذه النخبة السودانية الصفوية والنرجسية, فهي بطبعها لا تطيق أي شراكة حقيقية في مؤسسات الحكم المركزي مع النخب الريفية المهمشة, و دائماً ما تفضل رهن تراب الوطن للغازي الاجنبي على رؤيتها ومشاهدتها لأهل البادية (الأجلاف) يتنسمون عبق السلطة, ويمشون مرفوعي الرأس في أسواق الافرنجي و سعد قشرة يأكلون البيتزا كأكلهم للعصيدة كما وصفهم أحد الناشطين المركزيين . اللذي توصل اليه حمدوك هو الافلاس السياسي بكل المعايير والمعاني والتفسيرات والمقاييس, فقد أثبت أنه مجرد موظف أممي ليس إلا وأنه رجل بلا رؤية سياسية, تماماً مثل الدكتاتور اللذي كان يتبنى سياسة (رزق اليوم باليوم), فهذه الخطوة اللتي اتخذها ربما تؤدي الى الانقلاب العسكري السريع و الخاطف, واللذي سياتي بقيادة مدنية ربما تضم في صفوفها عدد من كوادر حزبي المؤتمر الشعبي و الإصلاح الآن, فالمبادرة اللتي قام بها حمدوك مكايدة في لقاء (البرهان/نتنياهو) تعتبر حماقة في عالم ساس يسوس, وذلك لأن حمدوك لا يملك غير تفويض الوثيقة الدستورية التي اصبحت حبراً على ورق, بينما هو جالس بين فكي كماشة (البرهان وحميدتي), وبالتالي سيلعب هؤلاء العسكر لعبتهم المحببة اللتي بدأها عبود وعبد الله خليل بك. أخطر ما ستنتجه هذه الحماقة الحمدوكية هو انفراج اسارير رموز الاسلام السياسي, اللذين سوف يستغلون ارهاصات هذه الخطيئة في الانقضاض على حكومة (قحت) المترنحة, ولكن ليس اعتماداً على كادر حزبهم البائد والمغضوب عليه, وإنما اعتماداً على اتباع علي الحاج و غازي صلاح الدين اللذي شوهد مؤخراً برفقة حمدوك, فواحدة من انتكاسات دولة رئيس الوزراء هي المجاملات الساذجة في التعاطي مع ملف الاسلام السياسي, ما بعد الثورة وبعد أن قدمت قناة العربية ملف موثق لجرائم رموز هذا الاسلام السياسي. لقد رفع هذا الحدث سقف الاستقطاب والاستقطاب المضاد, بين المكون العسكري و رصيفه المدني إلى أعلى درجات التأهب والاستعداد, فدخول الجنود اصحاب القبعات الزرقاء بتفويض الفصلين السادس و السابع من ميثاق الأممالمتحدة, يعني مطاردة حملة السلاح من جيشي الحكومة و شرطتها و جيوش حركات الكفاح المسلح, و هذا بربي سيحدث الفوضى العارمة اللتي ستتفوق على الاضطرابات الأمنية التي يعيشها العراق, واللتي اصبحت خطراً يهدد سلامة المواطن العادي وحياته اليومية, ذلك لأن النساء السودانيات و الرجال السودانيين لا يقبلون (الحقارة), تخيل معي وجود الآلآف المؤلفة من جنود الأممالمتحدة من جميع مكونات سكان العالم (نيجريا, الكاميرون, اثيوبيا, الهند, باكستان, افغانستان, وهلمجرا) في مدن السودان, تصور أن هؤلاء سيحلون محل الشرطة و الجيش والأمن, ويكونون على احتكاك مباشر و يومي مع المواطن في سوقه و متجره و مكتبه!!! ما أقدم عليه حمدوك فضيحة و عار في جبين حكومة الثورة, كان عليه أن يستقيل اذا وجد نفسه عاجزاً عن إدارة دولاب الحكم, فالشعب السوداني خاض حروباً أهلية استمرت نحو نصف قرن من الزمن, أزهقت فيها ملايين الأنفس في الجنوب و دارفور وكردفان و النيل الازرق, و ما يزال مستعد لتقديم التضحيات في طريق تحقيق أهداف ثورة التحرير الوطني الشاملة دون الارتهان الى الأجنبي. إسماعيل عبد الله عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.