وعد الوزير عباس مدني الناس قاطبة وعلى رؤوس الاشهاد وبحضور رئيس الوزراء نفسه ، أن يحل أزمة الخبز في غضون ثلاثة أسابيع لا نزيد ساعة واحدة وبدلا عن الحل الموعود إذ بالأزمة تتصاعد ، ويكاد الخبز ينعدم من الأفران ، والصفوف تتطاول ، ويزيد الطين بلة صف آخر أطول من ليل العاشقين وهو صف البنزين ، بجانب صف قائم من زمان وهو صف الديزل . لم يضرب أحد على يد الوزير حتى يقطع على نفسه وعدا لا قدرة له عليه ، وهو وعد يفهمه الناس كل على قدر ما وهبه الله من الفهم والكياسة . ولكن الفهم الغالب – الذي يغذيه تيار كيزاني معتبر – أن الوزير قد فشل وأنه ليس أهلا للمنصب بعد هذا . والبعض يرى أن الوزير يسير على تهج الكيزان في تخدير الناس بالوعود الكاذبة ، شراءا للوقت وانتظارا لمعجزة ما على غرار الشيخ فرح ود تكتوك ( إما في الوزير أو البعير أو الفقير ) ولكن لم زمن المعجزات قد فات والثلاثة أسابيع ليس كافية لينفذ القدر في الوزير أو البعير أو الفقير ولم يدرك أن الشيخ فرح طلب خمس سنوات حسوما ولم يطلب ثلاثة أسابيع . فلما انقضت المدة وحدث ما حدث . خرج علينا الوزير – ولا أعرف من نصحه بذاك – ليعتذر للناس عن( وعد النوار ) وما نحن ناس طيبين غلطاتك عندنا مغفورة . المشكلة أن الناس لا تأكل الاعتذارات ، ولا تتغذى بالوعود . وأن ما أخرج الناس يوم أن خرجوا إلا لتحسين وضعهم المعيشي . وأقولها صراحة لو ارتاح الناس من ضنك المعيشة وعرفوا الرخاء في عهد الكيزان اللئام ما كان الوزير مدني سيحلم مجرد حلم بدخول هذه الوزارة ولو موظفا . وأردف الوزير اعتذاره بعرض نفس الأسباب التي تتسبب في الأزمة ، الكلام معاد ومكرر ونعرفه بل نحفظه عن ظهر قلب . الوكلاء ومشاكلهم والتهريب وتسعيرة الخبز والجديد - القديم ، الكيزان ودورهم في الأزمة وهي اسطوانة شبعنا منها . فمن هو المسؤول عن تصفيتهم وتنظيف دولاب الدولة منهم ؟ أليس هي الحكومة التي تشتكي منهم ؟ على كل وزير يريد أن يضع اللوم على كيزان السوء أن يقول لنا من هو المسؤول عن كبح جماحهم وكنسهم من الدولة ؟ وكل وزير يتعلل بالمفسدين وتمكنهم من مفاصل الدولة عليه أن يقول لنا ماذا فعلوا في مجلس الوزراء لمحاسبة هؤلاء ؟ ماذا يفعل الوزير مدني وهو جالس يهدد الكيزان والمفسدين ويتوعدهم بالمحاسبة ثم لا نرى لا محاسبة ولا عقاب والازمات تخنق المواطن . إن كان هؤلاء الوزراء عاجزين عن ردع المفسدين وضرب اوكارهم فلم هم مستمرون في مناصبهم ؟ ولماذا جاءت بهم الثورة ؟ ألم تأت بهم لضرب المفسدين ومحاكمتهم ؟ الواقع يقول وبكل أسف أن معظم إن لم يكن كل الوزراء أقل بكثير من قامة الثورة . وأنهم أشد عجزا من أن يحققوا مطالبها . بل حتى أن بعضهم لا يعرف حدود صلاحياته ولا اختصاصاته كالوزير فيصل ، الرجل الطيب المدجن ، الذي وجد نفسه من صحفي لوزير الإعلام وهو لا يعرف أبعد من رأس قلمه . المصيبة الكبرى أن هؤلاء الوزراء لا يفقهون شيئا عن ثقافة الاستقالة ، فهم يتحدثون عن الديمقراطية وسيادة القانون والدولة المدنية ، حديث العارف المتشرب بأهدافها ، وعندما يتطلب الأمر أن يتنحى الواحد منهم لعجزه عن تأدية مهمته ، ينسى تماما كل هذه الشعارات ويتمسك بالكرسي الذي يظن أنه ورثة شرعية له . فالمفروض أن يكون ذاك المؤتمر الصحفي آخر لقاء لنا بوزير أخلف وعده وأن يتقدم بشجاعة للشعب السوداني باستقالته مشكورا ويذهب إلى بيته معززا مكرما ، فيخط أول مبدأ في الشفافية ومحاسبة النفس . ولو لم يفعل فقد كان على رئيس الوزراء أن يدفعه للاستقالة أو يقيله إن رفض خاصة وأن وعد الوزير كان أمامه وعلى الملأ . لا إعرف لماذا يحتفظ السيد رئيس الوزراء بمثل هذا الوزير الذي أثبت عدم قدرته على حل أي أزمة من الازمات ؟ أقول ذلك وأنا كنت من أوائل من دافعوا عن تعيين هذا الوزير باعتبار خلفيته الثورية وأنه جاء من قلب الشارع والحقيقة أني فجعت فيه كما فجعت في الوزير فيصل . واصابني الخزلان من أداء هذا الوزير وقوة عينه في تقديم الاعتذار وبينه وبين الاستقالة أو الاقالة شعرة يأبي حمدوك أن يقطعها . مخطئ من يظن أن للناس صبر أيوب وأنهم راضون قانعون بما هم فيه ؟ هذه القناعة بدأت تتبدد بسبب أداء هؤلاء الوزراء ، فلو كان العجز بسبب معقول أو مبرر لهان الأمر ولكن الازمات تتطاول والحياة أصبحت مشلولة والوزير يعتذر . لن ينصلح الحال إلا بأمرين : أن يخرج فورا وإلى غير رجعة أي وزير أو مسؤول ثبت عجزه وعدم قدرته على التعامل مع الواقع المتأزم الذي تمر به البلاد . أن يعين وزراء أصحاب كفاءة حقيقية وليس كالذين خبرناهم من نوع فيصل ومدني . وليت الوزير مدني يراجع نفسه ويستقيل اليوم قبل الغد وفي ركابه الوزير فيصل وبعض الوزراء الذين لم أسمع لهم صوتا ولم نر لهم عملا كوزير التربية ووزير الزراعة ووزير الرى . واقسم أني لا اعلم هل عندنا وزير للرى ووزير للثروة الحيوانية أم لا ؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.