مقدمة : النظام الدولي الجديد له تعريفات متباينة ولكن لا تخرج عن سياق مضامين و توجهات ومصطلحات الليبرالية والديمقراطية والليبرالية الجديدة والتي تصُب بصورة مباشرة في مناحي الدول العظمي وتشكيلاتها. ولكن الشاهد في الامر ان التغيير ظل سيد الموقف وهو الثابت الوحيد كما يقال. فالتغييرات التي تمت بعد الالفية الثانية أظهرت وبصورة جلية مدي التشابك والتداخل بين دول العالم من ناحية ومدي سيطرة ونفوذ الشركات العابرة للقارات و التي غيرت كثيراً من التوجهات الدولية التي لم تستقر اصلاً علي شكل من الاشكال. ومن أهم المعالم الكبري التي ساهمت وبشكل مباشر في إعادة تشكيل طبيعة العلاقات الدولية في نهاية القرن المنصرم هو إضمحلال جمهوريات الاتحاد السوفيتي والتي كانت تمثل قيادة القطب الشرقي الشيوعي في عالم الثنائية القطبية. فالاتحاد السوفيتي كان يمثل قيادة حلف وارسو ودول المعسكر الشرقي بينما مثلت الولاياتالمتحدة قيادة حلف الناتو المعسكر الغربي وحلفاؤها. ولكن الشاهد في الامر انه لم تتم دراسة إنهيار الاتحاد السوفيتي بصورة عميقة، وعن مدي التداعيات والاثار الناجمة عن سقوطه واضمحلاله بالصورة المفترض ان تليق بثقله وقوته وحجمه. فالخلل الذي اصاب " الثائية القطبية" و علي كل المستويات ( افقياً وراسياً) وابعاد الاثار التي خلفها سقوطه " الجيوسياسية، الاقتصادية، الاجتماعية و الثقافية". فأهمال الامر بقصد أو دون قصد و خاصة من جانب المعسكرين الغربي وحتي الشرقي معاً، وكأنما الأمر لا يستحق الأهمية والعناء!!؟ يبدو انه تم تناول الموضوع من زاوية المكاسب السياسية والاقتصادية ( غنيمة) ولكن للامر ما بعده من تاثيرات عظيمة لم يفق العالم من اثارها بعد!؟ فاستخلاص الدروس المستفادة والعبر، ومدي تاثيراتها علي كل المستويات يساعد علي حل كثير من المشاكل والقضايا الحالية ويقرب الهوة بين مختلف اللاعبين الدوليين وشرائح وطبقات المجتمعات. ولكن القوي الكبري حاولت ان تصور الامر عادياً ولا يستحق الدراسة بصورة حقيقية و جادة، بل غيرت من كل ذلك وربطت نقطة التحول الكبري في العلاقات الدولية بحدث إرهابي عرضي أقل أهمية من حيث نتائجه الا وهو ( احداث الحادي عشر من أيلول / سبتمر2001م ) وصورته علي إنه النقطة الفاصلة في تاريخ العلاقات الدولية, ومن ثم بنت عليه خططها وبرامجها ومشاريعها علي اساس فكرة الحرب علي الارهاب!؟ الحروب المفتعلة الناتجة عن احداث هجمات سبتمبر وما خلفته من اثار اخلاقية مدمرة علي المستويين الانساني والدولي والتي لم تتوقف بعد بل ظلت تتشكل وتتطور وتتمدد في ( الزمان والمكان) ما هي إلا نتاج طبيعي لانهيار منظومة المعسكر الشرقي وعدم معرفة ودراسة الاثار والنتائج لهذا الاضمحلال. إعادة تشكيل الاستراتيجيات الكبري وآلياتها الجديدة: لم تعد القوي العالمية الكبري وباشكالها ونماذجها القديمة صاحبة السطوة والنفوذ الدولي. فالتغيرات العالمية الكبري وافتراضات العولمة بكل اشكالها ساهمت بصورة مباشرة في خلخلت بنية وهياكل القوي العالمية التقليدية، وليس الامر من زاوية العلاقات الدولية فقط بل ويتعداه ليجد البديل الانسب لدور ووظيفة الدولة الذي ارست مبادئه معاهدة وستفاليا في القرن الخامس عشر، والذي تمثل في الشركات الكبري المتعددة الجنسيات والتحالفات العابرة للقارت. ولكن الشاهد ان هناك عدم اتساق وموضوعية في النظام الدولي القائم حالياً. فبروز الشركات الكبري والشركات العابرة للحدود والقارات التي غيرت من ملامح النظام العالمي والذي لم يعد باي حال من الاحوال كما كان في السابق. هناك عدة سمات بارزة في شكل نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي الالفية الثانية من أهما الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي ومعاهدات سباق التسلح وتوازن الرعب النووي وغيرها. كلها صارت تاريخاً قديماً لم يعد كما كان!؟ لم تعد الحروب التقليدية مجدية لحسم الخلافات والسيطرة علي الموارد. فالحرب الذرية والنووية مستبعده تماماً وذلك لسهولة الردع والرد الننوي المصاحب. كما ان حروب الوكالات بين القوي العظمي لا يمكن حلها عبر طرف ثالث فبعض الخلافات الاستراتيجية الكبري لا يمكن حلها إلا بصورة مباشرة بين الاطراف ذات المصلحة المباشرة. الشاهد ان إعادة تشكيل النظام الدولي الجديد، و إعادة صياغة الاستراتيجيات الكبري، وما بعدها تتبلور الان ( نقطة البداية) وفي تقديري المتواضع يمثل فيروس كورونا المُستجد كما يعرف إختصاراً ( كوفيد -19) نقطة التحول الأولي والكبري في رسم مستقبل العلاقات الدولية الجديدة. فعالم فيروس كورونا الحالي وما سيُفضي اليه سيعيد صياغة الاولويات و الاستراتيجيات الكبري في طبيعة العلاقات الدولية. مدي القدرة علي إدارة الخوف والهلع، بجانب قدرة الدول علي مجابهة المخاطر "الفيروس" وتوظيف المخاطر والمخاوف والاستفادة منها بخلق فرص جديدة لاستثمارات جديدة، بجانب مدي درجة التماسك الداخلي في مجابهة الازمات والصعاب. وهذا التوظيف الأمثل هو الذي سيحدد وزن وقوة الدولة في عالم ما بعد ( كوفيد-19). ان حالة الرعب والخوف والهلع ليس من المجهول فحسب بل من فكرة البقاء والنجاة أقحمت البشرية في حالة من الغموض وعدم اليقين علي مصيرهم المحتوم ومما زاد الطين بله التسويق الكوني لفُوبيا الفيروس عبر مختلف وسائل الاعلام المتنوعة التي صاحبة انتشار الفيروس وبتضح ذلك جلياً علي ارض الواقع ( توقف الاسواق والحركة والنقل وممارسة الانشطة الحياتية اليومية، حالات الزحام والهلع في شراء الادوات الطبية والاقنعة، توقف الانشطة الجماعية الثقافية الدينية والرياضية وما الي ذلك). من الصعوبة بمكان استخلاص مؤشرات عامة للواقع الحالي والذي يتسم بالعتمة والضبابية هذا بجانب عدم استقرار الاوضاع فهي في حالة تصاعد مستمر ومتسارع. ولكن يمكن ان نتناول نموذجين مختلفين من الدول في طريقة التعاطي مع أزمة فيروس كورونا : النموذج الأول : يتمثل في جمهورية إيران الاسلامية فقد تعاطت مع الفيروس علي انه عملية كيد سياسي امبريالي وهو الامر الذي يوضح وبجلاء شديد مدي حالة الضبابية التي تعيش فيها الجمهورية الاسلامية ليس لكونها افترضت المؤامرة بل لعدم مجابهتها للمشكل الصحي القائم بطريقة علمية مباشرة. يبدو ان نظام الجمهورية الاسلامية الايراني ارتبط بفيروس كورونا ارتباطا موضوعيا. فعدم مجابهة الفيروس بطريقة علمية وعملية مبنية علي الشفافية وبجانب البطئ والتلكأ في اخذ التدابير و الاحتياطات الصحية الازمة ربط ورمي الدولة الاسلامية في احضان الفيروس!؟. ومن هنا يبرز التساؤل، وهو كيف ستكون الاوضاع في الجمهورية الاسلامية في ما بعد الازمة الحالية!؟ كيف ستكون درجة تماسك واستقرار النظام بعد فيروس كورونا!؟؟؟؟ ( كيف سيتم تسويق مبررات الفشل والاخفاق للشعب الايراني وخاصة ان الدولة تعاني ما تعاني من ضغوط اقتصادية وسياسية و دولية واقليمية وثورات شعبية متواصلة)!؟؟؟ النموذج الثاني : بعكس حالة النموذج الايراني تمثل جمهورية الصين في مدي قدرتها علي التصدي والانفكاك من فيروس كورونا وتسخير امكانياتها المهولة في إدراة مكافحة الفيروس، وإدراة الازمات التي ولدها الفيروس وعلي جميع القطاعات والمستويات . ويبدو ان الصين و من خلال ازمة تفشي فيروس كورونا استطاعت و بدرجة من الكفاءة، والتماسك الداخلي الصلب في مواجهة أزمة فيروس كورونا. ولكن يبقي التساؤل الذي يطرح نفسه، هل الصين جاهزة لاخذ روح المبادرة والريادة في عالم ما بعد فيروس كورونا!!؟ أم ان ثقافة المحافظة والمساومة والتقاليد ستبطئ من تقدمها علي اخذ الريادة في الواجهة الدولية!؟ ختاماً في ضوء ما ذكر آنفاً، يتضح لنا بان إدارة الازمة بكفاءة عالية ومشاركة الكل في حلها اظهر (تعاضد عالمي Global Synergy ) بجانب إشراك كل قطاعات الدولة وخاصة القطاع الصحي الخدمي وتحيداً نظام الصحة العامة " Public Health System " والمستشفيات العامة والمتخصصة هذا من ناحية ومن الناحية الثانية العمل علي وجود علاج ناجع او لقاح لفيروس كورونا المُستجد سيمثل النقطة الفاصلة في توجهات المستقبل. فالخطر الذي يمثله فيروس كورنا علي الانسان وبقائه والدعاية السوداء التي ترافقه "البروبقندا" العالمية و التي تصاغ الان بجانب الزخم الاعلامي المكثف الذي يتماشي مع المشاكل الاقتصادية التي خلفها الفيروس علي مستوي قطاعات النقل والطاقة والمال والسياحة والرياضة وحتي مزاولة الانشطة والشعائر الدينية المقدسة ( الحج والعمرة في كل الاديان السماوية ). كل ذلك يطلق إشارات طفيفة تُلمح بأن المسرح الكوني يُمهد الطريق ويفسح المجال لسياسات وبرامج وأطر جديدة تعيد بناء العلاقات الدولية تقوم اساساً علي إحترام الوجود الانساني واستحقاقاته في حياة كريمة. الساحة الدولية في الوقت الراهن وبرغم من الغتامة والسوداوية وحالات عدم اليقين تبدو الاوضاع في حالة إعادة صياغات لتوجهات جديدة. وكأن عالم قُطبية جديد ياخذ بالتشكل والتكوين!!؟ ومن ضمن هذه الصياغات والتشكيلات الجديدة وإن لم نبالغ في التحليل بأن هناك دول لن تقوي علي الصُمود و البقاء طويلاً بعد إنجلاء أزمة فيروس كورونا وعلي رأس هذه الدول الجمهورية الاسلامية في ايران!!؟؟ المقال القادم يناقش فيروس كورونا و سيناريوهات المؤامرة المحتملة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. /////////////////