فى محاولاتهم لتشخيص الكارثة التى حلت بالصحافة السودانية التى نراها ماثلة امامنا الآن على نحو صارخ، يذهب الباحثون الى تحميل الانظمة الديكتاتورية وزر هذه الكارثة وهو تشخيص صحيح، الا انه اهمل عاملا اخر لا يقل فداحة عن سابقه . هذا العامل هو دور اصحاب الصحف فى تدمير الصحافة السودانية ، وهو دور غير منكور، آخذين فى الاعتبار تحفظ الكثيرين من ابناء المهنة على مصطلح (الصحف) فهى فى رأيهم دكاكين من الظلم نسبتها للصحافة كصناعة . ولكن كيف دمر اصحاب هذه الدكاكين المهنة ؟ جرياً على عادتنا فى استسهال الامور، فان فى مقدور اى شخص ان يصدر جريدة ويقوم بتعيين عدد من المحررين، وتمضى الشهور دون ان يتسلموا مليمأ واحداً ،فيفرون الى جريدة اخرى ليلقوا المعاملة نفسها وهكذا دواليك . (اصدر شيال مع مطرب شعبى جريدة فى حجم التابلويد عقب انتفاضة 1985) اختصر هولاء السادة مفهومهم للمهنة فى تأجير بيت متواضع وقد يكون آيلاً للسقوط فى أحد أحياء الخرطوم ، وغالبآ ما يتأخر صاحب الجريدة في تسديد الايجار فيضطرمالك البيت الي طرده .. في ظل هذا الجو الطارد يضطر العديد من الصحفيين الي ان يهجروا المهنة نهائيآ فتفقد شبانا موهوبين كان من الممكن ان يطوروا الصحافة السودانية . ومن الغريب أن هذا النهج في التعامل مع الصحفيين من قبل اصحاب الصحف سائد منذ خمسينات القرن الماضي ، عدا فترات الديكتاتورية التي تؤول فيها ملكية الصحف للحكومة ، وهي – اي هذه الصحف – لاتخرج عن كونها منشورات دعائية تسوق سياسات النظام التالف . في وسط هذا المناخ الفوضوي ، كان من المحتم ان يغيب مفهوم(المؤسسة ) ، وهذا المفهوم يعني وجود شروط خدمة للمحررين ، ويعني التدريب ، ووجود اقسام للبحوث والدراسات والترجمة ، ويعني إصدار ملاحق ثقافية واجتماعية ورياضية جادة ، ويعني ارسال المحررين الي خارج البلاد لمتابعة ونقل آخرثمرات الفكر والابداع .. ومفهوم المؤسسة يعني التعاقد مع كبار الكتاب داخل وخارج البلاد لاستكتابهم يوميآ او اسبوعيآ ، ويعني إصدار طبعة أولي وثانية وثالثة من الجريدة . ويعني ايضآ فتح مكاتب في الاقاليم وفي الخارج بدلا من ( افاد مراسلنا في المدينة الفلانية ) فأين صحفنا من هذا كله ؟ ولإنهاء هذا المشهد المؤسف ،لابد أن تصدر الصحف وفق صيغة جديدة جربت في العديد من الدول وثبت نجاحها هي صيغة التعاونيات التي تقوم علي إمتلاك المحررين للأسهم في مؤسستهم الصحفية ، واشير علي نحو خاص الي تجربة ( لوموند ) الفرنسية و ( الاندبندت ) اللندنية ، بعد ان ثبت بالدليل القاطع فشل تجربة ملكية الدولة والافراد للصحف ، فاذا تنادي بعض الصحفيين ممن اكتووا بنار تجربة العمل في صحف الافراد لتنفيذ المشروع المقترح ، يمكن القول ان الصحافة السودانية بدأت اولي خطواتها علي الطريق الصحيح ،وان اسلوب الاوانطة المتبع حاليآ في إصدار الصحف بدأت شمسه تميل نحو الغروب . Moawia Gamal Eldin [[email protected]]