لكل متطلع علي الواقع الراهن فإنه لن يجد أدني صعوبة للقول بأن من أكبر المشكلات التي تواجه المرحلة الإنتقالية هي غياب الرؤية الموحدة للتعاطي مع كل الملفات والمهام التي يجب أن يتم إنجازها بنجاح خلال الفترة الإنتقالية والعبور بالبلد إلي مرحلة الإنتخابات والنظام الديمُقراطي .. فالصراع السياسي والكيد والتربص و الإتهامات والتخوين و(الملاواة) و ( الحفِر ) هي للأسف الأدوات التي يتم إستخدامها من بين القوي السياسية المؤثرة أو ممن يعملون في منظومة التحالف الثوري أو يتصدون لمهام المرحلة الإنتقالية سواء الظاهرين منهم أو المختفين .. وليس أدل علي ذلك هو أنه ورغم مرور 6 أشهر علي بداية الفترة الإنتقالية فإنه لم يتم حتي الآن إكمال هيكلة السُلطة الإنتقالية ( التشريعي والولاة المدنين ) وهم ركيزتان أساسيتان للسُلطة وتصريف أعمالها بالشكل المطلوب .. كما أنه قد أُستُنفذ الحد الأعلي لفترة التوقيع علي السلام الشامل وإيقاف الحرب حسب الوثيقة الدستورية ، ولازالت جولات المفاوضات تتجدد دون سقف زمني ودون مُشاركة فاعلة لكل الأطراف والحركات ، هذا غير الذي يحدث في الملف الإقتصادي والذي ينتظر قيام مؤتمر هو الآخر والحال يسوء مع كل المؤامرات التي يقف وراءها ( الكيزان ) والثورة المضادة والإنقلابيون داخل الحكومة وخارجها ! .. فليس سراً أن هنالك قوي عديدة تعمل ضد الثورة وتسعي لإفشال الفترة الإنتقالية لبدء سيناريوهات مُعدة سلفاً لإنقضاض القوي اليمينية والعساكر علي الحُكم وبالتالي جر البلاد سنوات أُخري إلي الخلف دون إحداث التغيير الذي جاءت من أجله الثورة وظل حُلماً للملايين من السودانين خاصة من بين شريحة الشباب وهم من قدموا كل تلك التضحيات لأجل ذلك ! .. إذا أصرت كل قوي سياسية علي إنتهاج خطها ومحاولة فرض رؤيتها وحدها دونما إتفاق علي رؤية موحدة وجماعية وحيوية ومحسوبة الخطوات فلن يحدث أي تقدم حقيقي علي أرض الواقع ، وسينفرط الوقت دون الوصول لنتائج ، فالتمكين الكيزاني العسكري لايزال موجوداً والأوضاع المعيشية تزداد سوءاً ، يجب أن يتوقف الصراع السياسي داخل قوي الحرية والتغيير ، فالتحالف لن يسير علي خطوط متوازية ، إتفاق حزبا الأمة والشيوعي مهم جداً ، لا يعني وجودهم فقط داخل التحالف وكُلاً منهم يعمل بإتجاه وأهداف مُغايرة عن الآخر ، فذلك ليس كافياً لإنجاح الحكومة ومرحلتنا الإنتقالية ، لا بُدّ من جلوس السيد الصادق والخطيب ومعهم مُمثلين لحزبيهما والتعامل بكل تجرد في هذا والتوصل لنقاط إتفاق وهذا ليس أمراً عسيراً فإن لهم تاريخ من التحالف الوطني والسياسي المشترك ، و كذلك من الضروري جداً جلوس قيادة الحزب الشيوعي مع مجموعة الشفيع دونما التوقف عند تداعيات ماقبل وأثناء المُؤتمر السادس للحزب الشيوعي وكانت نتيجته فصلهم من الحزب ، من المعلوم أن الشفيع ومن معه لايزالون في المسرح السياسي وضمن من يرسمون ملامح الفترة الإنتقالية سواء من خلف رئيس مجلس الوزراء أو من خلال مكونات الحرية والتغيير نفسها سراً وجهراً !! .. التفاهمات بين الشيوعي ودكتور الشفيع خضر ومن معه يجب أن لا تُرهن للمتعصبين وضيقي الأفق في الجانبين ، وهم بلا شك موجودون ، لأنهم ببساطة لن يروا بعيداً ويضلون عن مصلحة الوطن العُليا لصالح مصالح ضيقة ! .. هذا الأمر أهميته كذلك في أنه يُمهد لوحدة اليسار السوداني وأشواق الشارع الثوري السوداني ، ومقدمة ضرورية للتوصل لبرنامج الدولة المدنية الحديثة والتي خلفها كل السودانيون الذين يؤمنون بالديمُقراطية والدولة المدنية ودولة العدالة الإجتماعية و الحريات والحقوق المتساوية والمواطنة و التي لاشك يأتي اليسار في مقدمتها ومتماشياً مع برنامجها ، ولعل ذلك يكون مُهماً ويُسرِّع بدخول الحركة الشعبية جناح الحلو وحركة عبدالواحد في إتفاق السلام الشامل بإعتبار أنهم في مقدمة الداعين والداعمين لهذا المشروع الوطني للدولة السودانية الحديثة .. الإتفاق والتفاهم بين القوي السياسية وداخل منظومة الثورة والتحالف مهم جداً وحيوي وضروري لإنجاح الحكومة والمرحلة الإنتقالية وإجتياز تحدياتها .. دعونا إذاً نذهب خطوات عملية وبعزيمة وإرادة وطنية وسياسية في هذا الإتجاه ! .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.