شكراً السيدة مني على تلك الرسالة المكتظة بعبارات ممزوجة بالأسي لحدثٍ شرير، والتي نضحت وفاءاً لرفيق درب طويل وأب أتي ممتطياً راحلة شعب اختاره ليكون نزيلا مقيماً للفترة الانتقالية، ولم يأتِ مهرولاً يطلب الركوب عنوة أو مزاحمة، تلك الرسالة قدمت لنا دكتورة مني فيها خلاصة عن رئيس وزرائنا للكثيرين ممن لا يعرفونه. كشفت لنا عبرها بساطته وانسانيته التي أهّلته ليكون قائداً للأسطول السوداني الذي أُسترد لتوِّه من براثن قراصنة الإنقاذ الذين استولوا عليه في ليلٍ بهيم، ولم تحدثنا السيدة عن مؤهلاته العلمية التي أكسبته ثقة المؤسسة الدولية أو تلك التي اختارته ليكون رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، تلك الحكومة التي أُريد لها أن تكون حكومة كفاءات فابتدأت بدكتور حمدوك وحينها ما وجدت حاضنتها، من مهنيين وقحت، اعتراضاً أو ملامة أو امتعاض، ولا اتهاماً بقصر النظر كما اعتدنا في مثل هذه الأحوال، وفي ما تلي من نِزال لا نَزال نعترك في خضم الترشيحات والتعيينات التي تقنّعت بلبوس المحاصصة الحزبية والشلليّة والنخبوية. ذلك الرجل الذي سعت بعض الأقلام مكابرةً، وهي ليست بالقدر اليسير، الي الطعن في كفاءته وايداعه بصندوق الإنقاذ لمجرد أن الرجل كان نصب أعين الإنقاذ في أُخريات أيامهم وفشل سعيهم لضمه الي سفينتهم أملاً في ان يكون مفكاً يحلحل مسامير نعش سلطانهم فترد اليه بعض حياة وتنقذه من الغرق. نذكر جميعاً في تلك الأيام كيف هاج الناس وماجوا، خاصة خُلصاء د. حمدوك، مستنكرين على الإنقاذ توجهه لتلطيخ يد الرجل وليسوا بمتشككين بنوايا الرجل وحسن تدبيره لطلب الإنقاذ. كان يمكن لحمدوك مساومة الإنقاذ في مبلغ ما يدفع له وما كان لحكومة الإنقاذ أن ترفض لأن مجرد وجود الرجل في بطانتهم سيصبغ عليهم دلائل حسن النية بالشعب وجدية المسعي نحو الإصلاح الاقتصادي والتحول من مرحلة الافتراس الحيواني الي الاستدراك الإنساني والوعي السليم. ولكنه رد سعيهم بهدوء دون ضجيج فتنفس المهتمون بالشأن السوداني والأصدقاء والأقربون الصعداء ولسان حالهم يقول بأن "الرائد لا يكذب أهله." فلو كان به هشاشة ما لَقَبِلَ بالمنصب وقتها واغتني كما فعل الكثيرون الذين باعوا ضمائرهم بتراب الدولار وسلّموا قيادهم لجوقة الإنقاذ ثمّ أرسلوا الشعب الي البحر ليشرب منه أو يغرق لا يهم. أضاف حمدوك برفضه لعرض وطلب الإنقاذ أزمةً اخري الي عدّاد أزمات حكم الاسلاميين المستفحلة وعجّل بدحره والإجهاز عليه. لم يحاول الآثمون وقتها اغتيال حمدوك لأن القضية كانت ستكون شخصية، ولكنهم يحاولون الآن لأن القضية شعبية، فحمدوك لم يقصد في شخصه ولكن في رمزيته للثورة وشعبها وقيم الحرية والسلام والعدالة - قيم الوطن وأمل انطلاقته! بعض ما استخلصته عن رئيس الوزراء كما وصفته حرمه الفضلي، فهو رزين هادئ الطباع، ذي نظرات ثاقبة فاحصة متأنية لا يستعجل الحديث ولا يغوث فيه دون معرفة ويجبرك علي الاستماع اليه، تماماً كما رأيته نحو سبعة أعوام خلت أثناء زيارتهم الي مانشستر مهد دراساتهم العليا ومقر بعض الأعزاء فيما وراء البحار. ما خطته السيدة الدكتورة مني حرم رئيس الوزراء في حق الزوج والأب هي بادرة لم تقع عليها أعيينا في أحداث مماثلة – عبارات الوفاء مشوبَةً بحزنٍ ثوري وملامة باطنة لمن أرادوا لقائد اسطولنا الموت ولأسرته الأذى والحرمان، أولئك الذين لم يروا في رئيس وزرائنا الاّ عدواً وفي شعب السودان الذي فارق الملايين منهم الحياة بفعل الإنقاذ، منهم من دفنته شيعته الأنفس ودفته الأيادي في المقابر حزناً، وجلهم دفنتهم رمال الصحراء إشفاقاً أو هالت عليهم بلدوزرات الإنقاذ الرمل في قبور جماعية. لم يرَ الإنقاذ في مواطنيه إلاّ طرائداً يحق عليهم إسالة دمائها بسهام بطشهم ومن ثمّ الدوس والمشي عليها وهم يتندرون ويقهقهون! فلم يقدم الإنقاذ الي شعب حكَمه زهاء الثلاثين عاماً الاّ الحزن والوجع والكآبة، فرأينا خيام العزاء تُنَصّب في كل شارع، وتمددت مساحات المقابر في كل مدينة وقرية. تشرّد الآلاف بسبب فقدان الوالدين وقُتل الآلاف داخل بيوت الأشباح ومعاقل التعذيب. صار الموت في عهد الإنقاذ مدعاة للفرح والابتهاج والغناء لعرابته ومنسوبيه – وكلنا يتذكر تلك البدعة الخبيثة البشعة التي يقشعر منها الأبدان، بدعة عرس الشهيد التي أجبروا فيها الأمهات والأخوات والزوجات وفلذات الأكباد علي الزغاريد، وهن مترعات بالألم والمعاناة يعتصر قلوبهن، علي جنائز موتاهم وهي لا تزال مسجّاة في نعوشها في انتظار كلمة وداع بدعاء كريم ودمعة حرّي من الأقربين، فإذا بالزغاريد تصك آذانهم فتزيدها ألماً فوق الموت. فأي قهر وسلب للكرامة الإنسانية أكثر من ارغام الأحباب على الزغاريد والغناء والرقص لموت حبيبهم!؟ لم تبز الإنقاذ القائلين والفاعلين الاّ في لغة الموت والقبور وإشاعة الأحزان حتى أقعد الحزن والعناء الشعب بأسره، وقاسوا الويل لأجل الفكاك منه واسترداد قوّتهم وطلب حريّتهم وحياتهم الي ان استجاب القدر فأضاء ليلهم وكسر قيدهم. فكما رسمت مني، فحمدوك ليس الاّ موجةً في بحر تهدر أمواجه بالثوريين والخيريين، وتلتقي فيه أجيال وصناع البطولات والتضحيات أمواجاً تتكسر على ضفاف وطن مغمور في الكرامة والإباء. تلك هي الإنقاذ التي وضعت على رقابنا أطواقاً من جهنم، وعلى أُنوفنا كمامات ليست لحمايتنا من فيروس كورونا، ولكن لتحديد حركتنا ومنعنا من التنفس خارج ما سمحت لنا من حدود، فكانوا هم أنفسهم فيروس كورونا السوداني القاتل المميت الي أن ألجمتهم الثورة وخنقتهم ولا يزال يجتهد ويمني النفس وينتظر يوم يحشرون في مقارهم الأخيرة لملاقاة صديقهم ابليس التعيس. فهنيئاً لشعب بلادي الصبور في قوة ولو طال أمد حداده، هنيئاً له حضور وعيه ولو ظن المفسدين وقصدوا اغراقه في هروين وكوكايين وأفيون الخوف والاستلاب والضياع. ونقول شكراً للذين قاموا بتلك المحاولة الشريرة لاغتيال رئيس الوزراء، لأنهم تطوعوا بكشف قناع أزمتهم ونزعتهم واصرارهم على سفك دماء الأبرياء من أجل الحكم، كذلك رسالتهم بأنهم سيظلون للثورة بالمرصاد ما داموا على قيد الحياة. وهذه غلطتهم الكبرى زماناً ومكاناً، فالشعب الآن بأكمله لهم بالمرصاد ومتأهبين لحماية ثورتهم وصد المنافذ لأماني الإنفاذيين السابقين والناظرين وكل رعاع الإسلاميين ولو تطلبت التضحية أرواح الشعب بأكمله استحقاقاً لبناء وطنٍ كريم واستهلالاً لرحلة الحرية والسلام والعدالة - رحلة الانعتاق والبناء والمجد والقوة. فشكرا أيتها السيدة الفاضلة دكتورة مني حرم رئيس وزراء ثورة السودان، فمصابك مصابنا باختلاف نوعه ومقداره، وحفظكم الله وحفظ الله السودان بأهله. المجد والخلود للشهداء الأبرار والشفاء للجرحى والمصابين د. سعاد مصطفي الحاج موسي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.