الثورة السودانية منذ اندلاعها وحتي الآن، تشابه في كثير من خطواتها "معنوياً"، مراحل خروج بني إسرائيل و تحررهم من ظلم مصر الفرعونية، و تُطابق ثورتنا في شخصياتها أيضاً، شخصيات قِصة خروج بني إسرائيل من دَرَك عبودية الحاكم المُتفرعِن هناك. هيئة علماء السودان وعبد الحي يوسف كانوا بمثابة كهنة فِرُعون للبشير، وحَجَّار وجمال الوالي ووجدي ميرغني وغيرهم من رجال الأعمال الفاسدين بمثابة قارون، وحسين خوجلي والطاهر التوم وضياء بلال والهندي وغيرهم من الإعلاميين المُطبلين، كانوا يقوموا بدور السَحَرة للبشير، يجملوا له الباطل ويغبشوا من أجله الرأي العام، ويسحروا عقول وعيون السودانيين عبر الشاشات والصُحف ووسائل الإعلام الحديثة المختلفة. ثم جاءت الروح الثورية العالية "موسي" Moses Consciousness لتحرر السودانيين من الظلم والإضطهاد والفقر وعبودية الإسلام السياسي الفاسد، وترتقي بهم الي رحاب الحرية والسلام والعدالة وغيرها من القِيم الإنسانية الرفيعة النبيلة. لكن كما تعثرت رحلة بني إسرائيل الأوائل، فقد تعثرت أيضاً رحلة أحفادهم السودانيون ومرت بمنعطفات كثيرة، نتيجة لضعف النفس البشرية أمام حظوظها، والإمتحانات، وإبتلاءات الطريق الثوري المُعبد بالأشواك والممتلئ بالطامعين المتربصين. عندما سقط نظام الفرعون البشير، وتحقق خروج السودانيون المعنوي من مصر نظام الإنقاذ Exile أصبح الشعب السوداني كله معنوياً في منزلة "إكزايل" بين منزلتين، و هي منزلة الخروج من أرض الظلم و الباطل الفاسدة، و عدم دخول أرض الحق و العدل المقدسة. أولي المنعطفات الكبيرة التي مرت بها الثورة السودانية في مسيرتها نحو أرض العدل و تحقيق نظامها السياسي الديمقراطي الراشد، كان بسبب مجموعة الهبوط الناعم، التي لم تصبر علي طعام شظف الثورة الواحد رغم حلاوته، حتي النهاية، وطالب عمر الدقير والصادق المهدي ومجموعتهم أن تُخرج لهم الأرض السياسية مما تنبت من سنابل ومناصب ومحاصصات، فكانت العدالة الربانية هي "أن لكم ما سألتم". إهبطوا ناعماً فإن لكم ما سألتم، وضُربت عليهم الزلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الثوار... عندما قال روح الثورة "موسي" لقوي الحرية والتغيير: إذهبوا لإستلام السلطة من المجلس العسكري، قالوا: إن فيه قوماً جبارين، و لا طاقة لنا بالبرهان و حميدتي و الكباشي و من معهم، و بذلك حُرمت عليهم السلطة المدنية علي مر الفترة الإنتقالية. لما نست الجماهير السودانية الروح الثورية العالية "موسي" عندما غادرتهم للقاء ربها، قام الصادق المهدي "السامري" بإضلال السودانيين بميثاق الخلاص الوطني، و أخرج لهم بمعاونة ساطع الحاج و إبتسام سنهوري و زينة القوم، وثيقة دستورية جوفاء "عجل له خوار"، و وقال الإمام الصادق المهدي للناس: هذا إله ثورتكم الذي نسيتموه. صديق يوسف و بقية الحزب الشيوعي، كانوا بمثابة هارون الذي لم يستطع منع السودانيين من عبادة عجل الوثيقة الدستورية الجوفاء، و أن يردوهم الي جوهر الروح الثورية العالية الأولي، خوفاً من شق الصف الوطني و التفريق بين السودانيين. عندما أمرت الروح الثورية العالية "موسي" الأحزاب السودانية بتحقيق أهداف الثورة و إستكمالها، و الذي هو بمثابة دخول معنوي لأرض العدل المقدسة، و أن يدخلوا باب القصر الجمهوري عند التفاوض سُجَدَا متجردين و يقولوا تسقط بس "حطة" عند الدخول، بَدَّل الدقير و خالد سلك و مريم و الأصم و الذين معهم غير القول الذي قيل لهم، و باءوا بغضب من رب الثورة، و حُرِمت عليهم السلطة، و أصبح بعد ذلك الشعب السوداني مثل اليهود التائه سياسياً في إنتظار من يقوده نحو تحقيق الحرية و السلام و العدالة. بعد ذلك جاءت مرحلة التعلق الجماهيري بقشة حمدوك "طالوت"، و الذي أوتي سعة من العلم و بسطة في الجسم ك "تكنوقراط"، و ذلك من أجل ترتيب صفوف السودانيين المبعثرة و من ثم دخول أرض العدل المقدسة و تحقيق شعارات الثورة و تجسيد نظامها السياسي العلماني الديمقراطي الراشد. ثم إبتلي الله جُند حمدوك و "شُلة المزرعة" بِنهر مناصب الخدمة المدنية و فتنتها، فشربوا منهوا إلا نفر قليل، و قالت القِلة المتبقية التي لم تشرب من نهر المناصب: أنه لا طاقة لهم اليوم بجالوت المُكوِّن العسكري من برهان و حميدتي و كباشي و ياسر العطا. لكن في المعركة الفاصلة النهائية، سَيُظهِر الله، جندي من بين الجماهير السودانية الثائرة و لجان مقاومتها القاعدية، يكون بمثابة "داؤود سوداني" يقوم بقتل جالوت "المكون العسكري" و لو معنوياً، مما يؤدي الي إنتصار الثورة السودانية و دخول أرض العدل المُقدسة بقيادته، و تحقيق شعارات الثورة من حرية و سلام و عدالة عملياً و تجسيد السلطة المدنية الكاملة في الدولة السودان. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.