حين تقع على هذه الكلمة أكون في القضارف نصيراً للأستاذ جعفر خضر المرشح المستقل لمجلس تشريعي ولاية القضارف عن الدائرة الشرقية الثانية. وسفرتي هذه بمثابة رد للجميل الذي طوقني به جعفر وأسرته خلال رحلتي القاصرة لأكون رئيساً للجمهورية. فحين عرَّفوه بمهمتي فتح لي بشجاعة منبر "الشروق" الذي يديره. ولم تبادر بذلك منظمات قليل في النائبات انتميت إليها. وطلبني مرة أخرى وأنا في طريقي من كسلا لأتحدث للقضارفيين. ثم تولى عني عبء جمع توقيعات المزكين في القضارف وأعانني أخوه الرؤوف رامي باستكمال توقيعات المزكين بكسلا. حين عرفت جعفر عن كثب عرفت لماذا تجشم ما تجشم. فهو يصدر عن ثقافة بينما يصدر أكثرنا عن هرج. فلمن لا يعرفه فجعفر جليس كرسي منذ أخريات عهده بجامعة الخرطوم في منتصف التسعينات. وأقعده عليه ضمور العضل الذي أصابه منذ نهاية المدرسة الأولية. ومع أن جده كان زميلنا الشيوعي اللامع أحمد جبريل إلا انه اختار أن يكون ضمن حركة المحايدين القوية في أوائل التسعينات. وكان شاعرها. وتشرب إنسانية المعاق وطلاقته من علاقته بالبروفسير محمد هاشم عوض. فخلال ملابسات يطول ذكرها جمع البروفسير معاقي الجامعة في 1995 ليمثلوا مسرحية من تأليفه وإخراجه عنوانها "مأساة تاجوج". وقدمت فرقة المعاقين 13 عرضاً منها. واقترب جعفر من البروفسير خلال البروفات التي جرت بداره وانعقدت بينهما العلاقة التي وصفها جعفر ب"الأبوة الروحية". سألت نفسي لماذ تبناني جعفر وأدار آخرون لي الكتوف الشيبونية الباردة. فجعفر مثلي مناهض للإنقاذ لا مجرد مقاوم لها. فهو لا "يقاوم" الشرور كيفما اتفق بل "يستنهض" المدينة لتفضٌل فتكتب فاضلة بين المدن. فالنضال ضد الإنقاذ صار عندنا عمومياً أو من فوق أسطح الكي بورد (الكمبيوتر). أما نضال جعفر فيتجذر بين الناس وله عنوان: قضروف سعد. فلما زرته أول مرة كان قد قضي يومين بجهاز الأمن لدوره في توزيع منشورات تكشف سفه المال العام بالولاية باسم "القضارف ضد الفساد". وصادر الأمن منه حاسوبه وطابعته. وهو لايخشى إن يسبغ على الإنقاذ شرعية الحكم إذا ما اتصل بها بوجه من الوجه. وهذا الاتصال ما يحذرنا أئمة النضال المعارض. فمتى أراد للناس الوقوف على شأن ما لم يتردد في دعوة مختص حكومي ليدلي بدلوه ضمن دلاء أخرى. فقد دعا مختصاً في الإحصاء من الدولة في السمنار الذي عقده لمناقشة نواقض الإحصاء في المدينة. ولم يفعل هذا دهاقين المعارضة الذين "كفروا" التعداد بفتاو مرتجلة. بل قبل بسليقة حرة ليكون في مجلس مستشفى القضارف لأنه يعرف أنه أصبح لا مهرب من رأيه المعارض النهضوي القوي. وقرأت له نص ورقة سيشارك بها في مؤتمر التعليم القادم عن تعليم الإسلام من زاوية فلسفة التعليم. عجيب. فجعفر لا يعف من الرأي الآخر مهما اشتط. إنه إنسان طليق يعتقد أن الحقيقة ستسفر عن وجها بين سحب الضلال. ظل جعفر يصهل بالقضارف والوطن من كرسيه المتحرك يرسم للمدينة أفقاً غير أفق الأشرار. وذكرت عندما لقيته كلمة لعبد الله حامد الأمين، لزيم كرسي متحرك آخر. التقى ذات يوم بجمال عبد الناصر وانحنى الرئيس ليسلم عليه. فقال عبد الله" "لما انحنى العملاق نحوي وقفت". وهذه وقفة متخيلة استمدها من كبرياء الرجل وقوة أسره. وراوحت على العبارة فقلت: "لما شب جعفر ليسلم عليّ انحنيت". انحنيت إجلالاً للشجاعة تختال في ثياب معاقة لا أعرف بين الرجال والنساء من يستحق اياً من أصواتي الثمان مثل جعفر. لقد أكرمني الله به.