سنوات غربتي الطويلة المتصلة حرمتني من التعرف إلى جعفر خضر وحالت دون تواصلي المباشر معه رغم أننا، جعفر خضر وأنا، ننتمي معا لمدينة القضارف أشد ما يكون الانتماء، ولكن شكرا لوسائل الاتصال الحديثة التي تجاوزت البعد الجغرافي واختزلت المسافات ومكنتني وأنا في مهجري من التواصل عبر فضاءات الله الواسعة مع هذا العملاق الذي يجلس على كرسي متحرك. كان يعاني منذ صغره من ضمور العضلات التي انتهت به وهو طالب في جامعة الخرطوم في منتصف سنوات التسعين إلى هذا الكرسي "المدولب" كما يصفه اللغويون. ولكن أمثال جعفر يستعصون على الهزيمة والانكسار، فمن فوق كرسيه كان جعفر ناشطا ثقافيا واجتماعيا في الجامعة، وبعد التخرج كان وراء قيام منظمة "قضارف خالية من الفساد" التي تعنى بكشف ومحاربة الممارسات الفاسدة في المال العام التي انتشرت في القضارف وجر عليه ذلك غضب الأجهزة الأمنية واعتقاله ومصادرة جهاز كمبيوتره وطابعته، وهو مراسل صحيفة "أجراس الحرية" في القضارف وهو أيضا الذي وقف وراء قيام منتدى "شروق" الثقافي في القضارف، المنتدى الذي شكل علامة فارقة في المدينة التي تشكو الجفاف الثقافي رغم أنها ذات المدينة التي أنجبت محمد الخليفة طه الريفي وعوض برير وابراهيم عوض بشير وأحمد طيفور وخليل عجب الدور وأحمد على الأزرق وعبدالكريم الكابلي وعثمان البدوي وأنجبت عبدالواحد عبدالله يوسف الذي يردد الناس كلماته الجميلة "اليوم نرفع راية استقلالنا" في كل مناسبة مجيدة. من بين العمالقة الذين جلسوا على الكراسي المتحركة الرئيس الأمريكي روزفلت وفي السودان نذكر الأديب عبدالله حامد الأمين وعالم الآثار نجم الدين محمد شريف والآن جعفر خضر ابن القضارف المرشح المستقل لمجلس تشريعي ولاية القضارف عن الدائرة الشرقية الثانية. إذا تشرف مجلس تشريعي الولاية بحضور هذا العملاق فلا شك أن المجلس سيزداد ألقا واحتراما وسيكتسب صدقية وقيمة كبيرة وتكون تلك إضاءة كبيرة ونقطة تحول في مسيرة الحياة النيابية في بلادنا. قال عنه أستاذنا عبدالله علي ابراهيم "ظل جعفر يصهل بالقضارف والوطن من كرسيه المتحرك يرسم للمدينة أفقاً غير أفق الأشرار. وذكرت عندما لقيته كلمة لعبد الله حامد الأمين، لزيم كرسي متحرك آخر. التقى ذات يوم بجمال عبد الناصر وانحنى الرئيس ليسلم عليه. فقال عبد الله" "لما انحنى العملاق نحوي وقفت". وهذه وقفة متخيلة استمدها من كبرياء الرجل وقوة أسره. وراوحت على العبارة فقلت: "لما شب جعفر ليسلم عليّ انحنيت". انحنيت إجلالاً للشجاعة تختال في ثياب معاقة. وقال أيضا ،وهو سيد العارفين، "لا أعرف بين الرجال والنساء من يستحق اياً من أصواتي الثمان مثل جعفر. لقد أكرمني الله به." وأنا ليس لي مثل حظ أستاذنا عبدالله علي ابراهيم أو حظ أي من الناخبين المسجلين في داخل الوطن ، فليس لي سوى صوت واحد أدلي به في انتخابات رئاسة الجمهورية وحدها ولكني ، بدوري، لا أعرف بين المرشحين لرئاسة الجمهورية ، وبينهم سيدة واحدة، من يستحق صوتي الواحد مثل جعفر خضر، ولكن صوتي للاسف لن يذهب إليه. (عبدالله علقم) [email protected]