منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    وزارة الصحة تلتقي الشركة المصرية السودانية لترتيب مشروعات صحية مشتركة    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    شاهد بالصور.. ما هي حقيقة ظهور المذيعة تسابيح خاطر في أحضان إعلامي الدعم السريع "ود ملاح".. تعرف على القصة كاملة!!    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعونا .... نراهن على النجاح .. بقلم: عبد السلام سيدأحمد
نشر في سودانيل يوم 23 - 04 - 2020

ونحن نحتفى بالذكرى الاولى السادس والحادي عشر من ابريل ونستحضر الذكرى العطرة لأيام الاعتصام النضرات، دعونا نراهن على النجاح. ونحن نجابه تحديات الفترة الانتقالية وتصارع فى الأزمات الاقتصادية ومعاش الناس وقضايا السلام والأمن، ونجابه جائحة كورونا سودانياً وعالمياً، دعونا نراهن على النجاح. لنعمل بعزائم الرجال والنساء، وبإصرار الشباب الثوار والثائرات من اجل إنجاح هذه المرحلة الانتقالية لنضع بلادنا على اعتاب النهوض الوطنى.
وكما هو معلوم للقاصى والدانى، هنالك من يتوقع فشل الفترة الانتقالية، وهنالك من لا يحسن الظن بمن تسلموا مقاليد الأمور بعد الثورة وفى جل وزراء حكومة حمدوك؛ وبالطبع هنالك من يسعى بتصميم ومثابرة لإفشال هذه الحكومة الانتقالية توطئة للانقضاض عليها وطي صفحتها كما طويت صفحات حقب مشابهة فى تاريخ السودان القريب. هكذا تصوب السهام من كل جانب على حكومة الثورة، وليس فقط من معسكر الأعداء! فهنالك من "يبشر" بانقلاب عسكري وشيك، وهنالك من يتحدث عن ضرورة الانخراط فى "ثورة جذرية تصحيحية لإعادة الأمور الى نصابها" او ما يصطلح عليه أحياناً ب " تسقط تالت"؛ وهنالك من يتحدث تصريحاً او تلميحاً عن انتخابات مبكرة، حتى ينفتح المجال للقوى "ذات الثقل والتاريخ" لتحتل موقعها فى إدارة البلاد. وكأن لم تكفنا مكائد الأعداء حتى يأتى بعض المحسوبون على الثورة لينشروا الشكوك ويعملوا على تثبيط العزائم وزراعة اليأس، وقد تواتر هذا النهج منذ بدايات المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة حمدوك. لقد أصبح حالنا اشبه بما وصفه المتنبي حين قال:
وكأنا لم يرض فينا بريب الدهر حتى أعانه من اعانا
كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء فى القناة سنانا
بالطبع هذا لايعنى ان العمل على انجاز مطلوبات المرحلة الانتقالية يسير على ما يرام، وان اداء الحكومة الانتقالية فوق النقد والتقويم. على اننا لسنا هنا بصدد الحديث عن الإخفاقات وتشريح اسبابها والوقوف عند تبدياتها فقد أهرق فى هذا الباب مداد كثير؛ دعوتنا هى بالأحرى للرهان على النجاح والإنجاح. على ان الرهان على النجاح لا يكون عبر رمية زهر، او كمن يلقى بشباكه فى البحر على امل ان يصيب صيداً. الرهان على النجاح هنا معركة لابد ان تقتحمها قوى الثورة - بكافة مكوناتها، تعد العدة لها وتخوضها بكل طاقتها وبنفس التصميم والإصرار والصبر الذى واكب مسيرة الثورة منذ ديسمبر 2018 وحتى الاطاحة برأس ورموز النظام البائد فى ابريل 2019.
فيما يلى نحاول استعراض بعض من القضايا والإشكاليات التى تجابه السلطات الانتقالية وقوى الحرية والتغيير ومناقشة بعض الأفكار والخطوات التى تم الاعلان عنها للتعاطى مع هذه القضايا. تتمحور بعض هذه القضايا تحت مظلة الشأن السياسي، بينما تندرج الأخرى تحت الشأن الاقتصادي؛ هذا فضلاً عن قضايا السلام والعدالة. تتطلب قضايا السلام والعدالة معالجة منفصلة وأكثر تركيزًا لأهميتها البالغة وتشعبها، ونأمل ان نتمكن من تفحصها فى مقال اخر. وعليه سأكتفي هنا بالإشارة الى أن ملف السلام يحتاج لمراجعة شاملة سوى ان تم اتفاق مع الجبهة الثورية او بعض مكوناتها بحلول التاسع من مايو أو لم يتم، اما ملف العدالة فهنالك ضرورة للشروع فى تأسيس إطار شامل للعدالة الانتقالية التى لم تعد تحتمل أي تأخير.
وعليه فان ما تبقى من هذا المقال سيكرس للنظر فى بعض متعلقات الشؤون السياسية والاقتصادية.
فى الشأن السياسى: هنالك ضرورة ملحة فى ان تحزم قوى الحرية والتغيير امرها وتتوافق على تمتين العمل المشترك فيما بينها وفق مواثيق الحرية والتغيير ومطلوبات المرحلة الانتقالية ووثيقتها الدستورية، وان تعمل يداً بيد مع الحكومة الانتقالية كحاضنة سياسية حقيقية لها. الى ذلك يجب ان تقدم قيادات ق ح ت على المستويات المحلية النصح والمشورة والرؤى الى لجان المقاومة دون المساس باستقلالية الاخيرة؛ لقد ظلت لجان المقاومة تمثل استمرارية الشارع الثورى وحيويته فى المدن والبوادي، برغم الشطط الذى قد يبدر من حين لآخر من هذه اللجنة او تلك.
لابد ان تراجع ق ح ت، خاصة مكوناتها الحزبية، الموقف وتقدره التقدير الصحيح (وامل ان يكون قد حدث هذا بالفعل بمناسبة الذكرى الاولى لسقوط البشير)، وان تقوم بجردة حساب شاملة للنجاحات والإخفاقات خلال العام الماضى، وان تطوى صفحة خلافاتها (فكرية كانت ام منهجية)، وتصوب أنظارها نحو الهدف الرئيس وهو كيفية إنجاح المرحلة الانتقالية وتنفيذ مطلوباتها حتى تعبر بالبلاد الى مرحلة المؤتمر الدستورى والانتخابات العامة. الى ذلك من الضرورى ان تكون هنالك اجتماعات راتبة بين رئيس الوزراء وطاقمه والمجلس المركزي للحرية والتغيير وان يتم التوافق بين الطرفين على رؤية وبرنامج ضمن مدى زمني محدد تتم مراجعته بصورة دورية للوقوف على ما تم انجازه والمتبقى العمل عليه.
فى هذا الصدد لابد من الترحيب بالتوافق الذى تم مؤخراً بين ق ح ت، ومجلسي الوزراء والسيادة على مصفوفة لإنجاز بعض المطلوبات العاجلة للوثيقة الدستورية وذلك ضمن مسؤوليات محددة للمكونات الثلاث، كل حسب اختصاصه، ووفق آجال زمنية محددة. هذا وقت حوت المصفوفة على مجموعة مهام تفصيلية شملت الشراكة (بين المكونات الثلاث)، السلام، الأزمة الاقتصادية، العدالة، تفكيك التمكين، وإصلاح الأجهزة الأمنية العسكرية. أما الآجال الزمنية التي نصت عليها المصفوفة لإنجاز هذه المهام فهى تقع ضمن الفترة من أبريل الى أغسطس 2020. يظل التحدى الاكبر هو التنفيذ والمراجعة الدقيقة والدورية للواجبات المدرجة فى المصفوفة والتقيد بآجالها الزمنية. ومن النقاط الإيجابية للمصفوفة هو اشتمالها على موجهات للتنفيذ والمتابعة نصت على تشكيل الية ثلاثية مصغرة للمتابعة اليومية، وأن يعقد اجتماع للآلية الثلاثية كل أسبوعين لمتابعة تنفيذ المصفوفة.
فيما يتعلق بمهام المصفوفة، نتوقف عند اثنتان على قدر من الأهمية: الاولى تكوين المجلس التشريعى؛ والثانية تعيين الولاة المدنيين. لا جدال فى ان وقتاً ثميناً قد أهدر بعدم استيفاء هذه الاستحقاقات فى مواقيتها وحسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية. لقد ادى غياب المجلس التشريعى الى تعطيل احدى مؤسسات الحكم الانتقالى والتى يناط بها إصدار التشريعات والقيام بالدور الرقابي لأداء السلطة التنفيذية الانتقالية بما فى ذلك استجواب الوزراء ومناقشة كافة القضايا المتعلقة بتحديات الفترة الانتقالية. اما تعطيل تعيين الولاة المدنيين، بالإضافة الى عدم مراجعة اجهزة الحكم المحلى حتى هذه اللحظة، فقد نتج عنه ترك الاوضاع على ما هى عليه: الولايات فى أيدي الولاة العسكريين، واجهزة الحكم المحلى ظلت كما هى دون تغيير، الامر الذى جعل المواطن فى كافة بقاع السودان يشعر بانه لايزال يعيش واقعاً ممضاً وتحت نفس الإدارات المحلية الموروثة عن النظام السابق، ويتلفت باحثاً عن السلطة المدنية التى نادى بها أيام الثورة.
حسب المصفوفة يفترض تعيين ولاة مدنيين مكلفين يوم السبت 18 ابريل،( لم يحدث هذا بعد، لكن ثمة ارهاصات)؛ بينما حدد موعد التاسع من مايو لتكوين المجلس التشريعى، نامل ان يتم انجاز هذه المهام فى المواعيد المعلن عنها، او قبل عيد الفطر كحد أقصى.
فيما يتعلق بالحكم المحلى، فبالإضافة لتعيين ولاة مدنيين لابد من اعادة النظر فى هيكلية نظام الولايات والمحليات وذلك بقصد تخفيض التكلفة المالية والحد من الترهل الإداري الذى ورثناه من النظام البائد. وكما هو معلوم لم يتمخض الهيكل الفدرالي الذى اعتمده النظام السابق عن "تقصير الظل الإداري" كما يقال دائماً او تقديم الخدمات للمواطنين، وإنما استخدم من قبل المجموعة الحاكمة في بناء شبكة من المنتفعين على طول البلاد وعرضها وتوزيع الغنائم على نخب الحزب الحاكم فى المركز والولايات بالإضافة الى من يتم استقطابهم عبر انقسامات فى صفوف احزاب المعارضة او الحركات المسلحة. بالطبع ربما يكون النظام الفدرالي مطلوباً فى بلد مثل السودان، ولكن هل هنالك ضرورة لثمانية عشر ولاية؟ عموماً لا بد من التداول فى هذا الامر والوصول لصيغة تجمع بين الفعالية الإدارية، المشاركة الشعبية وضبط الإنفاق العام.
واستطراداً نقول أن هنالك ضرورة لإعادة النظر فى هياكل السلطة المركزية خاصة المجالس المتخصصة والإدارات المستقلة التى كانت تتبع سابقاً لرئيس الجمهورية وأصبحت تتبع الان لرئيس الوزراء، وإن نفس النهج الذى حتم تقليص عدد الوزارات الى عشرين، يتطلب اعادة النظر فى إمكانية دمج هذه المجالس العديدة تحت الإدارات المناسبة بمختلف الوزارات. يمكن إيكال هذا الواجب لمفوضية الخدمة المدنية المزمع إنشائها قريباً وتوسيع صلاحياتها بحيث لا تقتصر فقط على مراجعة آليات التعيين، وإنما مراجعة هياكل الحكومة المركزية.
فى الشأن الاقتصادي هنالك قضيتان رئيسيتان: تتمثل الاولى فى الأزمات الراهنة فى معاش الناس من ارتفاع جنونى للأسعار والندرة المتواترة فى بعض السلع الاستراتيجية مثل الخبز والوقود؛ اما القضية الثانية فهى قضية إصلاح الاقتصاد الكلى ووضع البلاد على اعتاب النهوض الاقتصادي.
فيما يتعلق بالأزمات الراهنة فقد كنت ولازلت أتمنى ان تتعاطى السلطة الانتقالية مع هذه القضية التعاطى المطلوب لمجابهة كارثة انسانية تتطلب استنفاراً قومياً وحشد كل الموارد لإيجاد الحلول على المدى القصير والمتوسط. واهم من ذلك دراسة الموضوع من كافة جوانبه لمعرفة أين تكمن الأزمة بالضبط. هل تكمن الأزمة فى نقص الواردات من هذه السلع بسبب نقص الموارد المالية لدى الخزينة العامة، ام تكمن الأزمة فى التوزيع، ام غياب الرقابة ام التهريب، ام كل هذه الأسباب مجتمعة؟ امل ان تكون الأشهر الماضية قد وفرت فرصة كافية لدراسة الأزمة بجوانبها المختلفة واستعراض الحلول المناسبة، وكيفية وضعها موضع التنفيذ.
نصت المصفوفة على تشكيل " لجنة طوارئ مشتركة لمجابهة الأزمة مع تحديد مهامها وصلاحياتها بصورة تنظم علاقاتها مع الجهاز التنفيذي". من المطلوب ان تقوم هذه اللجنة بعمل اللازم لمعالجة الازمة وإيجاد الحلول لها. وكما جاء فى تصريحات صحفية، عقدت اللجنة اول اجتماع لها يوم الأربعاء (15 أبريل الجارى) اتفقت فيه على تشكيل ثمانية لجان فرعية فى مختلف المجالات برئاسة من عضوية اللجنة وعضوية مختصين فى موضوعات اللجان الفرعية. هذه بداية جيدة، وان كانت الخشية ان تبطئ تركيبة اللجنة ولجانها الفرعية العديدة وتيرة عملها. ومهما يكن، فان المنتظر ان ترتب لجنة الطوارئ أولوياتها وان تباشر اللجان الفرعية أعمالها فور تشكيلها (الذى يفترض ان ينجز خلال 72 ساعة بعد اجتماع اللجنة الاول). ولكي تنجح لجنة الطوارئ فى مهمتها لا بد ان تضع نصب أعينها البحث عن حلول عملية وناجزة لكافة جوانب الازمة وان تجد هذه الحلول طريقها للتنفيذ الفورى.
اما قضية إصلاح الوضع الاقتصادي وتصويب اختلالاته البنيوية فقد كُتب الكثير فى هذا الباب من ضرورة احكام ولاية وزارة المالية على كافة مكونات المال العام، تقنين حركة الصادر والوارد بما يخدم احتياجات البلاد الاستراتيجية، وايلاء الاهتمام الكافى لقطاع الذهب من التعدين الى التصدير. والمشترك في معظم المقترحات هو ضرورة إتخاذ الحكومة للتدابير اللازمة – من سياسات وتشريعات – الرامية الى تصحيح الاختلالات، حماية الموارد الطبيعية ومضاعفة الإنتاج، إغلاق أبواب الفساد والتهريب ...الخ. وأن تجد سلع السودان النقدية طريقها للأسواق العالمية تحت إشراف الحكومة وضمن النظم واللوائح التي تضعها، وذلك حتى تستفيد البلاد وخزينتها العامة من عائدات الصادر. الى ذلك اود ان أتوقف هنا عند قضية أخرى لكن وثيقة الصلة بموضوعنا هذا، وهى قضية إسهامات سودانيي المهجر، والذين تقدر أعدادهم بحوالي خمس ملايين، فى النهوض باقتصاديات البلاد. تشير الاحصاءات - منذ ثمانينات القرن الماضى- الى ان تحويلات السودانيين فى الخارج لا تقل عن ثلاثة بلايين دولار سنوياً، يتم معظمها خارج القنوات الرسمية، وسرعان ما تجد هذه الأموال طريقها مرة أحرى الى خارج البلاد لتغذى رأس المال الهارب. الان، وفى الظرف الاقتصادي الحرج الذى تمر به البلاد، لابد أن تعطى مسالة تحويلات السودانيين بالخارج واستثماراتهم الأولوية المناسبة في أجندة الحكومة؛ وان تعكف الجهات المعنية من الحكومة على وضع السياسات الملائمة حتى يتسنى للبلاد الاستفادة المرجوة من هذا المورد الهام. وكما هو معلوم، هنالك على الأقل ثلاثة قضايا ظلت تراوح مكانها منذ عقود، وقد تجدد النقاش حولها بعيد تشكيل الحكومة الانتقالية الراهنة:
تيسير تحويلات المغتربين الراتبة لذويهم ولأغراض إنفاقهم الخاص في داخل السودان لتتم عبر القنوات المصرفية الرسمية؛
تيسير افتتاح حسابات بالعملات الأجنبية وودائع استثمارية للسودانيين بالخارج لدى البنوك السودانية؛
ايجاد بيئة ملائمة وجاذبة لاستثمارات السودانيين بالخارج - على مستوى الأفراد او الشركات - فى شتى المجالات.
بالطبع هنالك عوائق تعرقل الوصول الى حلول ناجزة فى هذه المطلوبات وأول هذه العوائق بقاء السودان على القائمة الاميركية للدول الراعية للإرهاب. وعلى الرغم من الرفع الجزئي لبعض القيود بواسطة إدارة اوباما عام 2017، لكن ظلت مسالة التحويلات المصرفية مستعصية بسبب استمرار احجام البنوك الأجنبية قاطبة عن التعامل مع السودان حتى هذه اللحظة. والأمر كذلك، لابد ان تبحث الحكومة الانتقالية عن حلول مؤقتة لهذه المعضلة (الى ان تحل اشكالية قائمة الإرهاب). هذا الامر يتطلب ان يوجه رئيس الوزراء الخارجية بتشكيل فريق عمل متفرغ (وبإسناد من بنك السودان ووزارة المالية) ليباشر العمل التفاوضي مع حكومات بعض الدول لانتزاع استثناءات او توجيهات من مصارفها المركزية تسمح بتسهيل التحويلات المالية مع السوادان وعبر القنوات المصرفية الرسمية، ويأتى فى نفس السياق السعى لدى بعض البنوك الأجنبية لافتتاح فروع لها فى السودان. اذا تم حل هذه الاشكالات ستلعب تحويلات المغتربين دوراً هاماً في دعم أرصدة النقد الأجنبي في الخزينة المركزية، وبالتالي رفع مقدرة البلاد على استيراد السلع الاستراتيجية ومدخلات الإنتاج (وذلك عوضاً عن تغذية رأس المال الهارب كما ظل الوضع لعقود). وإذا تمكنت السلطات من اجتذاب مدخرات السودانيين بالخارج واستثماراتهم، فان هذا سيقدم دعماً كبيراً لاقتصاد البلاد على أكثر من صعيد.
وبالعودة لمصفوفة مهام المرحلة الانتقالية التى تم التوافق عليها مؤخراً بين ثلاثي ق ح ت ومجلسي الوزراء والسيادة، نخلص الى القول بان هذه المصفوفة تجترح نهجاً جديدًا فى التعاطى مع مطلوبات المرحلة الانتقالية. وإذا أحسن إدارة هذه المصفوفة وابتكار الآليات الفعالة لتنفيذ المهام المدرجة ضمن المصفوفة، فإننا بالفعل سنضع اقدامنا على عتبة إنجاح المرحلة الانتقالية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.