——————————- الواقع الراهن بتعقيداته نتيجة منطقية للشراكة القائمة بين المدنيين والعسكريين والمعروفة عند الجميع بأنها ناتجة عن توازن القوة/الضعف بينهما .. قوى الحرية والتغيير بمختلف مكوناتها هي قيادة الثورة التي فوضها الشعب ولجان المقاومة في الأحياء والمدن ، والطرف العسكري هو قيادات اللجنة الأمنية للنظام الساقط وقوات الدعم السريع (الجنجويد) .. وإذا كانت الأزمة الاقتصادية والضائقة المعاشية الناجمة عنها هي التحدي الأبرز أمام الحكومة ، فإن ذلك التحالف الحكومي (المدني العسكري) قد توصل إلى تشكيل لجنة أزمة لدراستها ووضع الحلول لها برئاسة حميدتي ود. مريم الصادق مقررةً لها ..هذه اللجنة وبهذا الشكل تعبير حقيقي عن اتجاهات الصراع بين طرفي التحالف الحكومي ، ويبدو أن نجاح هذه اللجنة في مهامها قد تم إقراره مسبقاً ليكون نتاج ذلك النجاح هو : أولاً أن الجانب الأجدر بالحكم والمؤهل له هو الجانب العسكري ، وثانياً أن الانتخابات المبكرة هي المخرج لبقية أزمات البلاد ؛ حميدتي يمثل المكون العسكري ود. مريم الصادق ومن ورائها قيادة حزب الأمة هي الممثلة لخط الانتخابات المبكرة في المكون السياسي المدني ، بينما لجنة الأزمة الاقتصادية نفسها مكونة من كل أطراف القوى المدنية والعسكرية : الحكومة ، قوى الحرية والتغيير ، مجلس السيادة ، لتضفي شرعيةً على تلك النتائج الموضوعة مسبقاً.. هذا هو المشهد ونتائجه المتوقعة ، وتلك هي أطراف التحالف الحاكم ولجنة الأزمة الاقتصادية ، فما هي القوى أو الأسلحة التي تقف خلف كل طرف منهما ؟ : ** العسكري : خلفه النظام البائد بركائزه الاقتصادية والسياسية ؛ الاقتصادية هي كل القدرات السودانية الممثلة في المؤسسات الاقتصادية العملاقة التي لا تزال تابعة للقوات النظامية والأمنية المختلفة بعيداً عن ولاية الحكومة ووزارة المالية والاقتصاد ، وتختص بكل شيء.. والسياسية ممثلة في القوى التي تدعو لانتخابات مبكرة ومعها أنظمة الجوار الإقليمي التي يسوؤها/لا يرضيها/بل تخاف من نجاح ثورة شعبية في المنطقة تقود تحولاً ديمقراطياً تزدهر تحت ظلاله الحريات والعدالة والمساواة والعزة الوطنية ، فلمثل هذا النجاح عدوى "فيروسية" تخشى منها على انظمتها ، مصالحها وعروشها ، وهي تلتقي مع الدعوة لانتخابات مبكرة (بالنتيجة على الأقل) لأنها - الانتخابات المبكرة - لا تقود إلا إلى إعادة إنتاج نظام القهر والاستبداد ولو بألبسة مدنية .. ** المدني : (ق ح ت) ، خلفها الثورة وجموعها الشعبية وعلى رأسها لجان المقاومة ، أي "الشرعية الثورية" ، وهي السلاح الذي لم تستعمله القيادات السياسية التي أسلمها الشعب مقاليد الثورة حتى الآن .. من مخاطر هذا السلاح أنه يحتاج لتضحيات إضافية ولكنها ضرورية ولا مهرب منها لإعادة الثورة إلى مجراها التاريخي الصاعد نحو أهدافها بعزم وتخطيط عبقري ، ومن أهدافها الرئيسية تفكيك أجهزة وأسس وتنظيمات النظام الساقط وتصفيتها لمصلحة الشعب والوطن ، ثم انتزاع كافة المؤسسات الاقتصادية التابعة للقوات النظامية والأمنية ومليشيات الدعم السريع (الجنجويد) والتي تحرس النظام الساقط وحلفاءه ، وإعادتها كلها تحت سيطرة الشعب والثورة ممثلةً في حكومتها ووزاراتها المختصة ، وذلك بوسائل أكثر ثوريةً وحسماً من اللجان والأساليب المترددة التي تعمل بها لجان التفكيك الحالية ، فالتفكيك لا بد أن تصاحبه إجراءات عنيفة أو خشنة ولكن بتشريعات استثنائية ومؤقتة ، الشئ الذي يحدث في كل التجارب الانسانية .. والشرعية الثورية ليست عنفاً كلها ولا ممارسةً للقوة المادية البحتة للشعب ، انها الإرادة والمواقف المسنودة بالشارع ، بالشعب وطلائعه المليونية التي تحاصر كإطار ، وعقوله السياسية المفكرة التي تباشر قيادة الدولة وروح الثورة في داخلها .. والواجب الرئيسي عند ممارسة الشرعية الثورية - فيما أرى - هو : التعجيل بتكوين الحكومات الإقليمية ورؤسائها من المدنيين (من صفوف قحت) ، والمجلس التشريعي الذي يتكون من ممثلين للجان المقاومة وقيادات من الأحزاب السياسية والنساء من مختلف الاتجاهات والتنظيمات ، مجلس تشريعي بسلطات كاملة بما فيها سلطة : إعادة النظر في الوثيقة الدستورية ، طول الفترة الانتقالية ، إعادة النظر في الحكومة وتشكيلها رئيساً وأعضاء ، والرقابة التامة عليها اداءاً وإنجازاً .. فالثورة في جوهرها تصفية ركائز النظام الساقط الاقتصادية والسياسية والأمنية وإعادة التأسيس ، الهيكلة ، والتأهيل على أسس وطنية بحتة ، بعيداً عن العصبيات السياسية والقبلية والعنصرية والمهنية أو الوظيفية ، فمثلاً اللجان الخاصة بتطهير وإعادة ترتيب وهيكلة وزارة الخارجية مثلاً ، ليست بالضرورة أن تكون فقط من دبلوماسيين وعاملين عليها ولا المختصة بإعادة تأهيل وتنظيم القوى العسكرية والأمنية أن يكون أعضاؤها كلهم من العسكريين ، ولا العملية التعليمية كلها معلمين وتربويين ، ولا العدلية كلها من القضاة والقانونيين ..الخ بل أيضاً من خبراء من السياسيين والمثقفين والمفكرين .. الشعب الذي فجر الثورة وقدم ق ح ت وحمدوك لن يتراجع بل إن سقوط نظام القهر والاستبداد الاسلاموي ضاعف أشواقه لحياة عصرية وكريمة وزوده بقوة ساحرة تمنعه من التراجع عن بلوغ تلك الأهداف ، هذا الشعب جاهز بمليونياته المخيفة ولجان مقاومته الجسورة ، وأمام الحكومة وحاضنتها السياسية في ق ح ت استعمال هذا السلاح لتمضي الثورة إلى غاياتها المؤجلة ، فهي لا تعرف الفراغ .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ////////////////