لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل شالوكا ونظرية (الاصطفاف)!! .. بقلم: عبدالله مكاوي
نشر في سودانيل يوم 10 - 05 - 2020


بسم الله الرحمن الرحيم

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

يبدو ان نظرية المؤامرة لها تبعات غض النظر عن الايمان بها او انكارها. اما اقرب مقاربة لتلك النظرية، في وسطنا السياسي السوداني، فهي جدلية المركز والهامش التي ترجع كل الاخفاقات التاريخية والاحتقانات الداخلية، لابعاد جغرافية وعرقية ودينية ولغوية! ولكن غير ان هذه الاطروحة اقل قامة من الاحاطة بكل الاخفاقات والاحتقانات الداخلية التي تسعي لتحليلها او تعريتها، إلا انها كذلك اكثر عجزا عندما تعرض عليها اوضاع خارجية مشابهة لظروف السودان واكثر تعقيدا منها، سواء علي مستوي التنوع او الفوارق التنموية. عكس اطروحة اخري اسهل وصفا للاحتقانات واستيعابا للاخفاقات واكثر قابلية للتعميم او هضم للتباينات بين الظروف المختلفة. وهي اطروحة الاستبداد، ايّاً كان طبيعته (انقلاب عسكري حكم شمولي او نظام ملكي) إلا انه يتحمل العبء الاكبر في فشل الدول (سوء الادارة) وعدم عبورها الي دولة الحداثة، والسودان في قلبها بالطبع، رغم تمتعه بثروات هائلة وجذور حضارية ضاربة في القدم.
اما اسوأ تداعيات اطروحة المركز والهامش، غير التعميم الذي يحشر عرقيات ومناطق جغرافية في غاية التباين والاختلافات وتضارب المصالح في سلة واحدة، ضد بعضهما البعض، إلا انها كذلك توفر بيئة خصبة للظلم والاستعداد لتبريره، بحجة رد الظلم المتوارث بين كتلتين تاريخيتين (مركز/هامش) محكومتان فقط بعلاقة الاستغلال. اما المفارقة المضحكة المبكية، ان من في رحم الغيب او من لم يبلغ الفطام صبيا، يجد نفسه إما متهم او ضحية، طالما قدره رماه في الدولة السودانية.
ما يهمنا من هذه الاطروحة، ان كل من ولد في المركز (حسب تنظيرهم بالطبع) متهم، حتي يثبت ولاءه للجدلية وانصارها او اقلاه عدم اعتراضه علي مواقف واهداف انصارها، خصوصا الحركة الشعبية شمال جناح الحلو، علي اعتبارها الاكثر كلاسكية (ارثوذوكسية) في التمسك بهذه الاطروحة. وبناءً علي هذه الفرضية، كل من يتجرأ علي الحركة الشعبية، بمجرد موقف او راي مخالف من ابناء المركز، فهو حكما متواطئ (مصطف) مع المركز، الذي يتحمل عبء الاخطاء والمظالم التاريخية. وتاليا يجوز تعريضه لكل انواع التهم والاساءات، وليس اقلاها انه يدعم مشروع الاسلامويين (الذين يجوز للحركة الشعبية الدخول معهم في مفاوضات قد تفضي لاتفاقات، اكبرها قادت لانقسام السودان)!! اما اذا صادف ان انتقد شخص من نفس الهامش هذه الحركة، فهو حكما مستلب (لان الجدلية لا تسع وضعيته او تصنيفه)! والخلاصة، ان الاحكام الجاهزة (الديباجات) معدة سلفا، وتنتظر فقط من تلصق عليه.
ويبدو ان الاخ عادل شالوكا وبناءً علي هذه الاحكام الجاهزة، تناول مقال (لماذا الهجوم علي دكتور حيدر ابراهيم؟) فاختار فقرات من المقال ناقشها من هذه الوجهة، وبعضها حملها ما لم يخطر علي البال؟ وعليه سنتناول في النقاط التالية، ما اورده الاخ عادل بغرض التوضيح:
اولا، التعميم في الحديث عن الحركات المسلحة قد يكون غير صحيح، ويظلم موقف الحركة الشعبية جناح الحلو المتقدم، سواء من خلال عدم تورطها في مهزلة المحاصصات، او موقفها الايجابي (المتاخر نسبيا) من مسالة اكمال هياكل السلطة. ولكن التعميم سببه انه لم يتم الوصول للسلام في كل الاحوال. كما ان توجيه اللوم للحركات المسلحة، ليس المقصود منه موقف سلبي مسبق، رغم وجود اختلافات حول استخدام العنف في العمل السياسي لصعوبة خروجه منه، وإلا لانضم الجميع للحركات المسلحة في العمل المعارض. ولكن لانه وطوال الفترة الماضية من تشكيل حكومة الفترة الانتقالية، كان كل النقد واللوم يوجه لهذه الحكومة، وفي كل القضايا وليس السلام وحده، ورغم التاييد المسبق لها، كاهم فرصة متاحة، للعبور للضفة الاخري من النهر.
ثانيا، الحديث عن العلمانية اتي في سياق محدد، فرض التناول بتلك الطريقة، ولكن شالوكا ترك ذلك وهو الاهم، وركز علي قضية العلمانية وهي الاقل اهمية، لانه يكاد يكون هنالك اجماع حولها (كقيمة وكدور او وظيفة) من الطرفين. والمقصود بالسياق ان الطرح كان وسيلة لحلحة عقدة التفاوض، فيما يخص قضية العلمانية (اي يمكن تشبيه السياق كدور الوسيط او المسهل). خصوصا وان الطرفين المتفاوضين اتفقا مبدئيا علي التفاوض، اي الوصول لتسوية ترضي الطرفان.
اما المقصود بانها جزء من حزمة مستحقات، اي تاتي ضمن مستحقات الحرية والديمقراطية والمؤسسية والشفافية..الخ لكي تقوم بدورها او ينعكس اثرها الايجابي علي المواطنين. لان التجربة علمتنا ان كثير من النظم الاستبدادية رغم انها علمانية إلا انها كانت وبال علي شعوبها، ولنا العبرة في نظام القذافي وبشار الاسد وغيرهم، بل حتي نظام السيسي الذي شن حرب شعواء علي الاسلاميين (وعدمهم نفاخ النار) الا انه من الناحية العملية، قدم نموذج من الدكتاتورية الكلاسكية في سيطرتها الكلية، لتنتهي لقفل كل هوامش الحرية ومنافذ الانشطة السياسية ومجالات الحركة المدنية. والاسوأ فيما يخص شاننا كسودانيين، انه دعم البشير حتي سقوطه، ومن بعده دعم البرهان مبكرا وحميدتي متاخرا، وما زال يتربص بالثورة.
اما ما سردناه حول التعاطي مع العلمانية في تلك الظروف السالفة الذكر تحديدا، فهو ما انتهي لذات النتيجة التي اعترف بها شالوكا من ان اقحام الدين في السياسة، واضاف لها (الايديولوجية الاسلاموعربية) هو ما ادي للفوارق (الاجتماعية السياسية الاقتصادية) بخلق (امتيازات) للبعض و (موانع) امام الاخرين. وشاهدنا في هذا السياق ان اقحام الدين في السياسة يشكل معضلة باتفاق الطرفان، وهذا ما يفرض سؤال في نفس اتجاه فكفكة عقدة التفاوض، اي هل العلة في اخراج الدين ام في الكيفية؟ او ماذا تريد الحركة الشعبية من العلمانية؟ وهل تلبية ما تريد يفك المعضلة للانتقال لما بعدها. وهذا ما يقودنا للتعبير عن ان العلمانية ليست وصفة سحرية، ليس المقصود منه التقليل من شانها او اهميتها او لفظها، ولكن المقصود توسيع مجال الرؤية للاحاطة بكافة الصعوبات التي تحيط بالفترة الانتقالية، اي الا تتحول العلمانية لشجرة تحجب بقية الغابة. وهل شئ قليل وقوع الفترة الانتقالية بين فكي المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع؟ وهذا ناهيك عن افتقاد حكومة الفترة الانتقالية، لمشروع يجمع شتات الجهود المتناثرة دون رؤية او اتجاه، لتقع رهينة فخ الازمة الاقتصادية، قبل ان تطرق بابها بشدة مؤخرا، سيئة الذكر كورونا؟
اما قضية عدم الاقرار بالعلمانية صراحة كعلمانية فاقع لونها تسر الناظرين، علي اعتباره احترام لمشاعر ما يمكن تسميتهم المركزيين علي حساب مشاعر الهامشيين الذي دفعوا الثمن الاغلي باسلمة قوانين الدولة. ان صح هكذا طرح فهو يعكس عيب آخر من عيوب طريقة تفسير المركز والهامش، بافتراض ان مكسب طرف يجب ان تترتب عليه خسارة طرف آخر، طالما الطرف الآخر ظالم. اي هي نظرية رهينة سجن الثنائيات، وما يترتب عليها من تصور، ان نتيجة اي صراع اما المكسب الكامل او الخسارة التامة. ومن قال ان ليس هنالك طريق ثالث يمكن ان يعوض المظلوم ويمنع ظلم الظالم، من غير ان يخلق مظالم جديدة، اذا قبلنا تفسير النظرية ابتداءً. ومن قال ان المركز كله له موقف سلبي من العلمانية او من اقرارها صراحة. ولكن الحديث كان عن وضعها كعقبة تفاوض، علما ان وفد التفاوض نفسه لا يمثل وجهة نظر المركز (الذي تتباين وجهة نظره ومواقفه علي قدر تباين مكوناته وتضارب مصالحها، أذا صحت اصلا تسمية او وصف المركز) ولكن نفوذ مجلس السيادة المتحكم به العسكر. واحتمال مع تواطؤ مكونات تقليدية في قحت ما زالت لم تتحرر من ارثها الطائفي. وهذا ما اشرنا له في المقال بتحويل الفترة الانتقالية، من فترة جني المكاسب الي فرصة لتصحيح الاخطاء والبناء علي المشتركات لكل العاملين في السياسة.
وبالرجوع لموضوع العلمانية كعقبة في طريق التفاوض، هل هنالك بدائل لتحريرها من المزايدات او الاستغلال او الاختلافات والجدل العقيم. مثلا هنالك الخيار المطروح لدولة المواطنة المحايدة تجاه الاديان والرافضة لاستغلالها. وكذلك التوافق علي ارجاءها للمؤتمر الدستوري. ويمكن اضافة خيار آخر، كعرضها في استفتاء عام، تكفل له كل سبل النزاهة، ليتاكد مدي الرضا العام بها، دون مصادرة حقوق اي طرف او فرض الوصاية علي الآخر.
اما الجزئية المقصودة من انها خيار نخبة، فهي الحرب وليست العلمانية. وما اكد ذلك قول عادل نفسه (الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد الذي تبقي للمهمشين بعد تعنت المركز وعدم الاستجابة للمطالب والحقوق ومعالجة القضايا المصيرية ورفع الظلم والتهميش.). كما ان الحرب الاهلية في السودان سابقة علي طرح او صعود العلمانية، الذي هيجه اقتحام الدين لساحة السياسة، خصوصا بعد طرح قضية الدستور الاسلامي. وعموما، محاولة استغلال الدين من جانب الاسلامويين سيستمر في كل الاحوال! والسبب بسيط، وهو ان الدين راسمالهم الذي لايملكون غيره، وإلا اصبحوا شيئا آخر غير كونهم اسلامويين! وبعد خسارتهم السلطة بانتصار الثورة، ستتحول جهودهم للكيد للثورة بذات سلاح الدين! ومن هنا شعار العلمانية نفسه سيكون احد هذه الاسلحة، بالعمل ضدها والتشويه لصورتها وسمعتها! اي بتصوير الثورة ضد الدين، وليس العكس كما تعتقد الحركة الشعبية بان الاسلاموييين هم المتضرر من طرحها في الساحة؟ بمعني آخر، هم لا يسعون للسيطرة علي السلطة آنيا، بقدر سعيهم لتخريب الفترة الانتقالية، بما يملكونه من اعلام واموال وسيطرة علي المساجد. وما يتعرض له الدكتور عمر القراي من هجوم ممنهج يصب في هذا الجانب.
اما قوله (وهذا يعضد وجهة نظرنا في النص عليها صراحة (يقصد العلمانية) لان قبولها والنص عليها باي عبارات او صياغات اخري يرجح احتمال (الاتفاق) علي عدم تطبيقها مستقبلا لتكون حبرا علي ورق كغيرها من الاتفاقات العديدة التي وقعت من قبل ولم تطبق) وكمدخل للتعليق علي هذه الجملة نورد ما سماه هو بنفسه التعميم المُخل لتحقيق مآربنا، وهو حديثنا عن الصفقات التي تعقد دون رقابة او معرفة بقية المواطنين. وهي اصلا وصف للحوارات والاتفاقات التي تعقد مع الانظمة الانقلابية! ولم اورد امثلة لانها علي قفا من يشيل، من نظام نميري وصولا للانقاذ. بل هي اصلا لو نجحت لما وصلنا لما وصلنا اليه! اي المسالة ليس لها علاقة بالتعميم حتي يكون لها مآرب، ولكن بالبديهيات المعلومة من غير ذكر (هل هنالك من يحتاج لتذكيره بالاتفاقات؟ بل الراجح هو عدم معرفة عددها من كثرتها وابتذالها). والشاهد هنا، انه بنفسه، شهد علي ان هنالك اتفاقات، بل وهي حبر علي ورق، كما ورد اعلاه؟! ولا اعتقد ان هنالك شهادة اكبر من هذه تؤكد ما ذهبنا اليه بعاليه (وصفها بالصفقات) علي طريقة وشهد شاهد من اهلها.
وكل هذا يؤكد ان الضامن الحقيقي للاتفاقيات والعهود، ليس النص عليها ولو بماء الذهب، او تقديرها ولو علقت علي استار الكعبة او سارية القصر الجمهوري، ولا حتي حمايتها بقوة السلاح. وانما باسترداد الدولة من الاستبداد، ورد الحرية والكرامة للمواطنين، ليكونوا اصحاب الحق الاصيل في بلادهم، وهو ما يصاغ في دستور متفق عليه، في دولة مؤسسات وقانون ومواطنة..الخ، تسع الجميع علي قدم المساواة. وهذا هو مدار النضال ومرجعه الذي كنا نتمني ان يكون محل اتفاق.
ثالثا، ما سماه شالوكا حديث غير مسؤول واطلاق للتهم والفرضيات والمغالطات المنطقية..الخ للرد علي سؤال مدي قدرة الحركات المسلحة علي تقديم نموذج ديمقراطي بعد وصولها السلطة؟ وهو سؤال تشكيكي بالطبع؟ لم ينطلق من فراغ، بل ليس هو راي بقدر ما هي وقائع؟ ولضرب امثلة، نبدأ بنموذج اقرب للحركة الشعبية جناح الحلو من حبل الوريد. وهو نموذج الحركة الشعبية لتحرير السودان (الام) التي آلت اليها السلطة في دولة جنوب السودان، ماذا قدمت علي مستوي تداول السلطة سلميا، واتاحة الحريات، وبناء دولة المؤسسات، وسلطة القانون؟ حسنا نتقدم قليلا وبمثال كان مصدر الهام للكثيرين، وهي حركات الكفاح المسلح التي استطاعت تحرير دولها وشعوبها من نير الاستعمار، خصوصا في الدول الافريقية والعربية بما فيها الجزائر ارض المليون شهيد، ماذا قدمت بعد جلاء الاستعمار واستيلاءها علي السلطة، لصالح بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني والتنمية الشاملة؟ الم تتحول لحكومات استبدادية متكلسة، كرست للقمع والفساد ونهب الثروات، وفتح المجال امام الحروب الاهلية ورعاية مصالح حلفاءها والاصح حماتها الخارجيين. بل حتي الثورة المهدية كحركة مسلحة، ماذا قدمت بعد انتصارها وتحولها لدولة، الم تخض حروب وحشية وعدمية ضد مواطنيها، حتي بمعايير عصرها، وكانت خاتمتها استدعاء الاحتلال. وباختصار هنالك مسافة عريضة بين ادارة الصراع المسلح وادارة الدولة، ودون القيام بعملية تحول جذرية في التفكير والادوات والاساليب والمسؤوليات والاستعدادات والتهيئة النفسية، لقطع هذه المسافة، سيكون الفشل هو الشئ الوحيد المنتظر في آخر الطريق، لانتصار اي حركة مسلحة.
سادسا، اما الموقف من الحركات المسلحة، فهنالك فقرات او جزء منها، لو ذكرها الكاتب لكفانا شر التعرض لها، منها جزئية تتحدث عن مصادرة الدولة تبرر رفع السلاح غض النظر عن الموقف من العنف! وفقرة اخري تحدثت بوضوح ان الانقلابات تغيب العمل السياسي وهو ما يتيح المجال لبروز العمل المسلح، وهذا بدوره يزيد من عسكرة الانقلاب وعنفه؟ فماذا يفهم من هذا، اليس ان اس المشلكة هي الانقلابات؟ ولكنه يعني ايضا ان مواجهة العنف بعنف آخر، يضاعف العنف ويرفع كلفته البشرية قبل المادية، ولكن اليست هذه وقائع مشاهدة، غض النظر عن عدالة القضية نفسها. وبمنطق آخر، مواجهة العدو بالسلاح الذي يجيده، يجعل حسم المعركة لصالح الحركات المسلحة شبه مستحيل، رغم الاكلاف الباهظة، وتاريخ حروبنا الاهلية يؤكد ذلك؟ ولكن هذا لا يمنع الاتفاق مع عادل ان درجة التهميش والاحساس بالغبن تزيد من قابلية استخدام العنف. ولكن السؤال الذي يطرح دائما حول نجاعته في انجاز الاهداف بالتوازي مع تكلفته الباهظة؟ خصوصا مع تعرجات الصراعات ودخول عوامل كثيرة لم تكن في الحسبان وقت اختيار الخيار المسلح. وصحيح ان هنالك كثير من المحاولات السلمية للحلول باءت بالفشل، ليس في الهامش فقط، ولكن قبلها في المركز وتعرض اصحابها ايضا للتنكيل. ولكن استخدام الوسائل السلمية بصورة مثابرة وخلق اجماعات حولها، غالبا ما يؤدي لنتائج جيدة (ثورات سلمية). ولكن ذلك ايضا من غير توافر اي ضمانات، اوعدم تعرضه لنكسات، لم تكن في الحسبان. ولكن الفارق الحاسم بين العمل السلمي والحربي، ان الحروب تصلب النفوس وتجعل ما يعقبها من اتفاقات اكثر هشاشة ومعالجات اكثر صعوبة وثقة اكثر ضعضعة، رغم كثرة ضماناتها. اي تصبح اكثر قابيلة للانتكاسة ومن ثم تضاعف درجات العنف. بعكس الاتفاقات السلمية رغم افتقادها للانياب وقوعها تحت رحمة الانقلاب عليها، إلا انها قادرة علي مراكمة المكاسب تدريجيا وتوفير بيئة عمل سياسية هي من صلب مطالب بناء الدولة الديمقراطية.
وكل هذا يؤكد ان المقصود ليس كما صوره عادل، انه يجب عليكم ان تقبلوا بظلم المركز حتي لا تجلبوا لنا المشاكل وتعطوا مبرر لاستمرار (المصادرة) التهميش. (مع ان الكلام كان واضح انه لا يخص التهميش ولكن مصادرة السلطة بواسطة الانقلاب) وبناء علي هذا التاؤيل الخاطئ بني عادل استنتاجاته واحكامه. وهي احكام من القسوة بمكان لدرجة مساواتها بين اهل المركز والمتجارة او التربح من معاناة المهمشين. واخشي ما اخشاه ان يكون العكس هو الصحيح؟!
اما الجزئية التي بني عليها عادل حكم التناقض فهي (الحركات وجدت تاييد بسبب تصديها لنظام حكم عدمي) والفقرة الكاملة (والحركات المسلحة وبغض النظر عن الموقف من العنف وجدت تاييد بسبب تصديها لنظام عنف عدمي، ولكن موقفها بعد الثورة اثار كثير من التساؤلات، حول مدي وفاء هذه الحركات لاطروحاتها، خاصة المتقاطعة مع شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة.) ومؤكد ان تعبير (وبغض النظر عن الموقف من العنف) يحمل راي حول العنف. اما سبب التاييد للحركات المسلحة فهو ان هنالك نظام غير شرعي اغتصب السلطة، وهنالك جبهة عريضة تعارضه بعضها يتبني العنف وبعضها لا يتبناه، ولكن الجميع متفق ضد النظام الغير شرعي. بمعني، هنالك اختلاف حول وسائل المواجهة، ولكن المواجهة نفسها مصدر اتفاق، وهذا هو سبب التاييد. وللتدليل علي ذلك يمكن عكس السؤال للحركات المسلحة، هل كانت تؤيد موقف القوي السلمية المعارضة للنظام؟ وهل هذا التاييد المؤكد حرمها او ناقض شرعية مواجهتها المسلحة التي تؤمن بها؟
وعموما، من الوقائع وتجربة الحركة الشعبية الام نفسها، قاد العنف لاتفاق بين الاقوياء علي تقاسم السلطة، وليس الالتزام بالشعارات المرفوعة او الانتصار لعدالة القضية. وكان ممن تضرر من الاتفاق هي الحركة شعبية شمال نفسها، وضررها تناسب مع درجة قوتها او مساهمتها في الصراع (اتفاق المنطقتين) الذي لم يكن اكثر من تحييدهما لتمرير الاتفاق الاصل.
سابعا، اما قصة السؤال مفترض يقدم لحكومة الفترة الانتقالية، وهل هي فعلا تريد السلام؟ فهو يؤكد ان الكاتب لم يلتقط ما نقصده من هشاشة الفترة الانتقالية. لانه لو كانت الامور في يد الثوار او كان انتصار الثورة حاسما، وتاليا في يد حكومة حمدوك كل السلطات. لما كنا اصلا في حاجة للحوار، لان محل الحركات هو قلب السلطة كجزء اصيل من المعارضة. بل لو كانت الامور تسير علي ما يرام، حتي استنادا علي اتفاقية الفترة الانتقالية، لكان ملف السلام في يد مفوضية السلام التابعة لمجلس الوزراء، ولم تتحول عنوة ليد مجلس السيادة وتحت رحمة مكونه العسكري. وما يحير حقا ان جزء من مطالب التعجيل بالوصول للسلام، هو تخفيف الضغط علي حكومة حمدوك التي تحاصرها الضغوط من كل اتجاه. اي لو كان هنالك امكانية في يد حكومة حمدوك لما تاخرت! خصوصا وان معادلة توازن القوي تقول، ان اي تقوية في طرف حكومة حمدوك يقابلها ضعف للمكون العسكري، والعكس صحيح! ومعلوم ان جزء اساس من اغراض السلام، هو سحب الدعم المالي المهول الذي يذهب للانشطة الدفاعية والامنية، وتوجيهه للتنمية، وعلي راس اولوياتها تنمية مناطق الحروب وتعويض ضحاياها. اما اذا كان هنالك امكانية كما يري الكاتب، لاجراء تعديل علي الفترة الانتقالية باشراك حركات الكفاح المسلح، بل وتعديل كل الاتفاقية لتلبية شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، من يرفض ذلك؟ بل ما ظللنا ننادي به وهو موثق، ان تضع الحركات المسلحة يدها في يد المكون المدني، لاعادة التوازن للاتفاقية، او اقلاه قطع الطريق علي تغول المكون العسكري، الذي يمارس نفوذه وكانه صحاب الحق والآخرون ضيوف.
ثامنا، تحدث الكاتب عن تناقضات وفي ذات الوقت تحدث عن كيفية تفكيك هياكل الانقاذ والتخلص من اعداء الثورة ومحاسبة الذين اجرموا في حق الثورة؟ اليس هذا التساؤل شبيه بقصة البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة؟ والسؤال الذي يفرض نفسه والحال هذه ما هو الغرض من كل هذه (الهيلامنة)؟ اليس واحدة من اهداف التعجيل بقضية السلام، هي اكمال هياكل السلطة الانتقالية المعطلة بسبب عدم الوصول لاتفاق سلام؟ واليس علي راس هذه المطلوبات تعيين ولاء مدنيين بدلا عن عساكر البشير الذين فرضهم علي الولايات في عز ازمة سلطته؟ وكانوا عند حسن ظنه لدرجة ان الولايات حتي الآن لم تغشاها رياح الثورة وامواج التغيير؟ وكذلك تعيين المجلس التشريعي الذي ينوط به تنزيل شعارات الثورة وترتيب اوضاع البلاد القادمة؟ وعلي راس اهداف الثورة ازالة اثار الانقاذ واسترداد ما نهوبه؟ فالنتخيل لو تم السلام منذ ايام الاتفاقية الاولي، اين كنا سنكون الآن؟ سواء علي مستوي انزال شعارات الثورة او محاسبة الفاسدين؟
تاسعا، التغيير المطلوب خلال الفترة الانتقالية والوفاء لشعارات الثورة، يتعدي شؤون السلطة واعادة ترتيب توازناتها، الي اجراء مراجعة داخلية لكل الفاعلين في الساحة السياسية، لضبط انشطتهم واهدافهم وتوجهاتهم علي ايقاع شعارات الثورة. وبما اننا في وارد الحديث عن الحركات المسلحة هذه المرة بصفة عامة، فهذا يتطلب منها الخروج من قوقعة (التابو) الذي يحرم ويجرم تناولها بما لا يرضيها، والانفتاح علي الحياة السياسية بكل مستحقاتها. اي ما نحتاجه شئ شبيه بعلمنة الحركات المسلحة بدلا عن تقديسها. وذلك من خلال اجراء قطيعة مع التفكير المناطقي والانشغال بالهموم الذاتية، ومن ثمَّ الانفتاح علي نظرة قومية وهموم وطنية. اي ما نحتاجه باختصار قومنة او موطنة الحركات المسلحة.
عاشرا، اما ما يخص اسئلة الكاتب، فالرد عليها يكمن في الفرضية التي ندور في فلكها، وهي ان الاستبداد هو اس البلاء، ومعالجته كفيلة ليس بالاجابة علي هذه الاسئلة، ولكن معالجة كل ادواء تاريخنا البائس، وغير المشرف علي كافة الاصعدة. ومعلوم انه تاريخ تسلط العسكر علي مصيرنا، وهذا ما جعلنا نكره السلاح ونرفض العنف. ولكن هذا لا يمنع الرد علي اسئلتك بشئ من التفصيل؟
1/ بالنسبة للسؤال الاول فمخاطبة جذور الازمة لا نعتقد انها تتاسس علي رؤية صراع المركز والهامش، ولكن كما اسلفنا جذور الازمة ترجع للاستبداد. والدليل علي ذلك حتي الدولة الدينية التي سببت كل هذه الكوارث، اعتمدت علي رافعة الاستبداد العسكري لتنزيلها علي ارض الواقع، وليس علي كتاب الله او سنة رسوله؟! وتاليا السلام يتحقق في بسط دولة القانون والمؤسسية المبنية علي دستور التراضي الوطني. اي السلام الاصل هو سلام كافة الوطن، بتحريره من اسباب الحروب.
2/ لم نقل سبب الفشل هو الحركة الشعبية او العلمانية، ولكن الحركة الشعبية في يدها مساعدة الفترة الانتقالية علي المضي بسلاسة، وذلك اعتمادا علي درجة مرونتها في التعاطي مع العقبات، ومدي حساسيتها تجاه هشاشة الفترة الانتقالية، وهذا بالطبع ينطبق علي كافة المكونات. اما بخصوص فشل ثورتي اكتوبر وابريل، هنالك اسباب عديدة تضاف لما ذكرته، ومن ضمنها استمرار الحرب الاهلية، وما تسببه من ضغوطات علي مراحل الانتقال/الديمقراطية الوليدة التي تتميز بالهشاشة.
3/ نفس السؤال عن معاناة النازحين ..الخ من باب اولي ان يجاوب عليه الكاتب نفسه، خصوصا بعد ان غاب عن المشهد من تولي كبر الدولة الدينية؟؟ ولكن للاسف المشكلة ليست في السؤال، ولكن في عقيدة (مركز/هامش) قائمة علي التمييز يتبناها الكاتب. والسؤال (4) اعتقد انه لا معني له، طالما الكلام نفسه عن السياق وليس عن العلمانية كما سبقت الاشارة.
5/ بخصوص السلام تم التطرق لرؤيته في (1)، اما اذا كان المقصود بالاستحقاق الموقف من العلمانية، فاعتقد انه سؤال يثير الرثاء، لان المقال الذي اغضب عادل، هو اصلا استفزاه ما حسبه تجني، علي من له فضل في تقديم اضاءات وتوضحيات وازلة عتمة وسوء فهم عن العلمانية، في فترات كان مجرد الاشارة لها يكلف الكثير، بجلبه اللعنات والتشهير. ولكن ننتهز الفرصة لنؤكد مرة ثانية لعادل ان الدفاع عن دكتور حيدر اصلا كان بسبب كونه كاتب مستنير وتعلمنا منه الكثير ومن ضمن ما تعلمناه الشغف بالعلمانية، وليس بسبب مركزيته او دفاع عن مصالح متوارثة، او غيرها من الظنون الفاسدة، التي تعشش في وعي نظرية، تنظر من ثقب الجغرافيا والاعراق والدين واللغة. اما مسالة نجاح الفترة الانتقالية فهي مسؤولية الجميع. لسبب بسيط، وهو ان فشلها نفسه ستكون عاقبته كارثية علي الجميع.
واخير، يمكن القول ان اسوأ ما في جدلية المركز والهامش، انها بشكل او بآخر، تمثل وجه آخر للاسلاموية ولكن بقناع علماني، وذلك علي مستوي الارتكاز علي المظلومية، واقصاء الآخر (المركز)، والانغلاق علي التصورات الذاتية، ومحاولة فرضها او اسقاطها قسريا علي الواقع. ومن هذه الوجهة، يصبح انسان ما يسمي في ادبياتهم المركز، ضحية المراوحة بين الظلم والظلامية. ويا لها من محنة سيزيفية، تدفعنا للقول ان ما يسمي جدلية المركز والهمش، وما يكتنفها من شكوك وظنون وغبن واحكام مسبقة، هي حالة نفسية اكثر من كونها اطروحة سياسية. وعليه، يصبح افضل مكان لوضعها هي منضدة تشريح بروف علي بلدو ليفتي في امرها. ودمتم في رعاية الله، ووطن معافي من تقسيمات وتوصيفات غير عقلانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.