كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    إلى متى يستمر هذا الوضع (الشاذ)..؟!    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبحث حول خطاب (الاسلاميين) السودانيين خارج السلطة وداخلها: النسق الهابط والتفكيك الذاتي للخطاب .. بقلم: أحمد محمود أحمد
نشر في سودانيل يوم 17 - 05 - 2020

* تدني خطاب (الاسلاميين) من الإسلام هو الحل إلى (لحس الكوع) و(أمسح واكسح)..
*دخل (الإسلاميون) للسلطة بمسميات الإسلام وخرجوا من السلطة بمسميات الوطنى والشعبي..
*كشفت السلطة عن فجوات الخطاب وأدت لتفكيكه..
اشارة: هذا مبحث يسعى لأختبار خطاب (الإسلاميين) في السودان قبل استلامهم للسلطة وبعد استلامها في عام 1989، ويحاول كشف النسق الهابط في هذا الخطاب، ومن ثم البحث حول التفكيك الذاتي للخطاب، أي تشرذمه عبر تجربة الحكم.
هذا المبحث لن يكون مكتملا إلا إذا اشتغل النقاد والكتاب ومن مختلف الانتماءات على قاعدة كشف هذا الخطاب، حتى لا يتكرر ما حدث عبر العقود الماضية.. وأن تؤدي تجربة حكم (الإسلاميين) في السودان لاستعادة قراءة كافة الخطابات التي تعتمل داخل الساحة السودانية، وبالذات الدينية منها.. ومن ثم اخضاعها للرصد والتحليل، من أجل تجنب ما احدثته هذه التجربة في الحكم من قبل (الإسلاميين).
فرضيات أولية:
الفرضية الأولى: قوة أي خطاب تتأتى من قوة الفكرة، وصلابة الفكر.
الفرضية الثانية: تحولات مسميات تنظيم (الإسلاميين) السودانيين عكست طبيعة الخطاب وأدت لعدم تماسكه.
الفرضية الثالثة: خطاب (الاسلاميين) يعتبر خطابا ديماغوجيا، لأنه يستخدم مخاوف الآخرين وأفكارهم المسبقة.
الفرضية الرابعة: كلما كان (الاسلاميون) خارج السلطة اشتغل خطابهم وفق نسق صاعد نسبيا.
تقديم:
يمكن تعريف الخطاب في اللغة بكونه (ناتج الفعل الثلاثي خطب، أي تكلم وتحدث للملأ، أي لمجموعة من الناس عن أمر ما، أو ألقى كلاما..
اما تعريف الخطاب اصطلاحا فهنالك الكثير من التعريفات المتعارف عليها للدلالة علي الخطاب ومنها إن الخطاب مجموعة متناسقة من الجمل، أو النصوص والأقوال، أو أن الخطاب هو منهج في البحث في المواد المشكلة من عناصر متميزة ومترابطة سواء أكانت لغة أم شيئاً شبيها باللغة(1)..
وللخطاب عناصر ترتبط بالمؤلف والمتلقي، والرسالة المطلوب ايصالها، ووسيلة الايصال(2)..
ولقد ارتبط الخطاب في الأصل باللسانيات، وهذا ليس من أهداف هذا المبحث للخوض فيه، بقدر ما يركز هذا البحث في كشف الحجاب عن الخطاب الدينى والسياسي المستخدم في مرحلة الحكم في السودان، ومن قبل (الاسلاميين) وما قبلها، وأسباب تبدل الخطاب، ولماذا اتسم بالنسق الهابط، مستخدمين مفهوم كون أن الخطاب هو مجموعة متناسقة من الجمل أو النصوص أو الاقوال، التي تصدر من تنظيم أو مجموعة ما، و لماذا تبدلت الأقوال والنصوص عبر تجربة السلطة والحكم..؟
توصيف الإسلاميين تاريخيا:
ظاهرة نشوء (الإسلاميين) في المنطقة العربية، اقترنت بظاهرة الفراغ الحضاري، والذي نتج عن سقوط الحضارة العربية الإسلامية، ومن ثم بروز الظاهرة الاستعمارية، والتي شكلت تحديا لدى المجتمعات العربية والإسلامية.. ولقد ظهرت عبر هذه الحقبة، أي الحقبة الاستعمارية تيارات أخرى، ماركسية وقومية ووطنية.. ولقد ارتأت التيارات الدينية إن مواجهة واقع الانحطاط بظاهرته الاستعمارية والمرتبطة بالتخلف لا يمكن حلها إلا بالعودة إلى الماضي، وبعث التراث الدينى، وهذه الرؤية قد شكلت القاعدة الأولى لرفض فكرة الارتباط بالحاضر، والتنظير له وفق منهج جديد يدرك المتغيرات التي حدثت في تاريخ المسلمين، ويستطيع فهم التراث ضمن مفهوم المعاصرة، والوعي بالأسس التي جعلت الغرب أن يستعمر البلدان الإسلامية، أي فهم ظاهرة التخلف ضمن أطر اقتصادية وسياسسة واجتماعية، دون نزع أو انتزاع المرحلة عن سياقها التاريخى.. ولقد تباينت هذه التيارات بين تيارات متطرفة ووسطية ومعتدلة.. وبالرغم من التفاوت في درجة الخطاب بين هذه التيارات إلا أنها تلتقي في هذه النقاط كما يقول بذلك دكتور حامد نصر أبو زيد (3):
◾التوحيد بين الفكر والدين وإلغاء المسافة بين الذات والموضوع.
◾تفسير الظواهر كلها بردها جميعا إلى مبدا أو علة، تستوي في ذلك الظواهر الاجتماعية أو الطبيعية..
◾الإعتماد على سلطة السلف، أو التراث، وذلك بعد تحويل النصوص التراثية إلى نصوص أولية تتمتع بقدر هائل من القداسة لا تقل في كثير من الأحوال عن النصوص الأصلية..
◾اليقين الذهني والحسم الفكري القطعي ورفض أي خلاف فكري..
نتجت هذه المشتركات لدى هذه التيارات نتيجة لظاهرة الهروب إلى الماضي، وعدم القدرة على مواجهة الواقع، وفق المنظور الذي يعلي من قيمة العقل، وتأكيد دوره في فهم تناقضات الواقع المعين وحلها..
هذا هو التراث الذي حكم هذه التيارات وأسس لخطابها، وهو الخطاب الديني، والذي اصبح مسيطرا عبر القرن المنصرم، وأدى إلى تعميق ظاهرة التخلف لأنه أصبح خطاب إعاقة، بدلا أن يتحول إلى خطاب حلول..
على ضوء هذه الافكار يمكن وضع (الاسلاميين) السودانيين ضمن هذا التصنيف، ومن ثم قراءة طبيعة الخطاب في الواقع السوداني واكتشاف نسقه الهابط..
الفكرة والخطاب:
الخطاب هو انعكاس للفكرة، فكلما كانت الفكرة قوية ومتجذرة في الواقع، عكست قوة الخطاب وتأثيره على المتلقي.. وبالنظر إلى الفكرة التي تأسست عليها الحركة الإسلامية السودانية، فأننا نجد انعدام التنظير للواقع، وفق تناقضاته، بل نستطيع أن نقول بأنه قد تم استلاف الفكرة من الماضي، أو من آخرين، ولم يتعب (الاسلاميون) السودانيون في طريقة إعمال العقل لتحليل الواقع، وفهم اشكالاته، بل استخدموا تاريخ الأسلاف لتوصيل خطابهم، وهذا قد ساعد كثيرا في طريقة الكسب للتنظيم، إذ لعبت الخلفية الدينية ولغالبية الشعب السوداني، والمرتبطة بالإسلام دورا في أن يكسب تنظيم (الاسلاميين) للكثيرين، دون مساءلة خطابه عند البعض، بكونه يرتبط بالدين وبالذات في واقع تراجعت فيه الاستنارة، وتخلف فيه التعليم كثيرا، مرتبطا كل ذلك بحالة الفقر الاقتصادي، وبالذات عبر مرحلة السبعينيات وما تلاها.. وهي الفترة التي توسع فيها التنظيم، وبالذات عندما تصالح مع نظام مايو، وبالتالي الاستفادة من السلطة في توسيع دائرته الحزبية..
الجدير بالملاحظة فإن تنظيم (الاسلاميين) في السودان قد غير من اسمه كثيرا حتي يتماشى مع الواقع، وهذا يعكس سطحية الفكرة، ونمطها الانتهازي في التعبير عن متطلبات الواقع.. فقد كان الاسم الأول هو حركة التحرير الإسلامي في العام 1949، وهي مرحلة التحرر الوطني، وبعد العام 1955، ظهر اسم الإخوان المسلمين، كتحدي لضرب الاخوان المسلمين في مصر من قبل نظام جمال عبد الناصر، ولتأكيد حضور الفكرة.. ولقد تم تغيير الاسم مرة أخرى، ليصبح جبهة الميثاق الإسلامي، بعد ثورة اكتوبر، بما يعنيه الميثاق من ضرورة في زمن ديمقراطي يتطلب الميثاق بين القوى السياسية، وبعدها الإخوان المسلمون، أو الاتجاه الإسلامى في حقبة النميري، وتحول التنظيم إلى الجبهة الإسلامية القومية في العهد الديمقراطى، لينتهي بالمؤتمر الوطنى والشعبي، دون الصاق كلمة إسلامي به، بعد أن فقدت الكلمة بريقها وبدت الوطنية والشعبية أكثر قبولاً..
هذا التحول قد أثر على الخطاب في مجمله وجعله خطابا متشرذما،. والشيء الوحيد الذي أعطى الخطاب تماسكه، وقبل الوصول للسلطة هو الدين، والاطروحات المرتبطة به في وسط بيئة، وكما قلنا سابقا، تساعد في ذلك، ولكن تشرذم هذا الخطاب تماماً عندما وصل (الاسلاميين) للسلطة، كيف؟
خطاب ما قبل السلطة وما بعدها: نستطيع القول إن (الاسلاميين) السودانيين قد استثمروا التاريخ الديني لتوصيل خطابهم، ولهذا فأفضل توصيف لهذا الخطاب هو الديماغوجية.. ويمكن توصيف الخطاب الديماغوجي بكونه (يستخدم مخاوف الآخرين وافكارهم المسبقة لإقناعهم)، وهو خطاب سياسي للحصول على السلطة وكسب القوة السياسية من خلال مناشدة التحيزات الشعبية، بالاعتماد على مخاوف الجماهير وتوقعاتها (4).. وهذا الخطاب هو الذي حكم تجربة (الاسلاميين) السودانيين، إذ تم توظيف الدين بشكل متصل من اجل الكسب السياسي، وكما يقول حسن مكى، وهو من الإسلاميين: (ظل خطاب الحركة الإسلامية مبسطا قائما على أدبيات الحركات الإسلامية، ومركزا على شعار الإسلام دين، ودولة، وتحكيم الشريعة والمطالبة بالدستور الإسلامي (5).. ولهذا نطلق عليه الخطاب الديماغوجي، لأنه لا يعبر عن الواقع وفق رؤية موضوعية، ويتماهى مع الشعار الديني، دون الالتزام بهذا الشعار، إذ هو خاضع لتبدلات المرحلة وطبيعتها، كما سنلاحظ ذلك لاحقا.. ولكن ومن ناحية أخرى فقد انشغل هذا الخطاب كثيراً بقوى اليسار، وأصبحت هذه القوى أهم من الواقع في تصنيف هذا الخطاب نتيجة لانشغال الاسلاميين بها، وبالذات الحزب الشيوعي السوداني.. ولهذا يؤكد حسن مكي إن الحركة الإسلامية عملت على (مجابهة مجمل خطاب الحركة اليسارية حول الهوية، والوجهة الثقافية، وقضية الانتماء، والسلوك) (6).. وكما يقول حسن مكي وفي ذات السياق فقد (تمثل الخطر الداخلي على الطرح الإسلامي في الصوت اليساري وأعطى الاسلاميون أولوية لاسكات الصوت اليساري على غيره من القضايا (7).. وهذا ما حكم تطور هذا الخطاب عبر مراحله المختلفة، إذ اشتغل هذا الخطاب على مستويين: المستوى الأول، وهو توظيف الدين من أجل الكسب الحزبي: أما المستوى الثاني فهو توظيف هذا الخطاب ضد قوى اليسار، مما أدى ذلك إلى اهمال التنظير للواقع وايجاد الحلول للمتغيرات التي تحدث فيه، وكمثال على ذلك، فبدلاً من أن ينشغل (الاسلاميون) السودانيون في تثبيت أركان النظام الديمقراطي بعد ثورة أكتوبر، انشغلوا بمواجهة الحزب الشيوعي، حتي توصلوا لحله وطرد نوابه من البرلمان، وهو ما أدى إلى التعثرات اللاحقة التي صاحبت النظام الديمقراطي، حتى أتى العسكر لاستلام السلطة..
الجدير بالاشارة هنا أن هذا الخطاب يشتغل بفاعلية و(الاسلاميون) خارج السلطة، ويتم توظيفه بشكل واسع.. نلحظ ذلك عبر التجربة الديمقراطية الثالثة.. حيث تم توظيف هذا الخطاب بشكل وصل إلى حد إرهاب الخصوم، وبالذات فيما يتعلق بالمساس بقوانين سبتمبر، وكذلك توظيف هذا الخطاب في قضية حرب الجنوب وحشد التظاهرات، مثل مظاهرة أمان السودان، لمغازلة القوات المسلحة من جهة، وقطع الطريق أمام مساعي السلام عبر تلك المرحلة، ولكن من خلال صعود (الاسلاميين) للسلطة تساقط هذا الخطاب وهذا ما اطلقنا عليه النسق الهابط.
خطاب السلطة والواقع الأقوى:
يمكن القول بأن (الاسلاميين) وعلى مستوى القيادة يعلمون بأن المشروع الدينى والذي يتم تسويقه عبر الخطاب اليومي، لا يمكن تحقيقه، لكنه يبدو ضروريا من أجل الوصول للسلطة، ومن جهة مقابلة فإن قاعدة وجماهير (الاسلاميين) ونتيجة لضعف الوعي قد تتماهى مع الخطاب، وقد تعتقد إن اقامة الدولة المسلمة ممكنة، وذلك نتيجة لمحدودية الرؤية، ونتيجة للجدل الذي يمارسه الخطاب، وهنا فقط تكمن قوة الخطاب، إذ يطرح قضايا مثل الإسلام هو الحل، والحفاظ على الدين، أو تطبيق الشريعة الإسلامية، وهذه شعارات يمكن أن تستقطب البعض، والذي لا يدري ما هو الكامن وراء هذه الشعارات، ولا استحالة انزالها في أرض الواقع.. وبعد صعود (الإسلاميين) للسلطة فإن هذا الخطاب قد واصل ذات النسق في بدايات استلام السلطة، ولهذا ظهرت شعارات نحن للدين فداء، والحرب المقدسة في الجنوب، وعرس الشهيد، وساحات الفداء، وغيرها من المسميات.. ولكن من خلال الاصطدام بالواقع الذي تنتجه السلطة، والتي هي غاية في عرف الاسلاميين، فقد بدأ الخطاب الديني يخبو قليلا ويتلاشى تدريجيا.. فما الذي ادي ذلك؟ من أهم الأسباب في ذلك يرتبط بالتالي:
أولاً: اعتمد الخطاب على أنساق ثلاثة متداخلة، وهي النسق الثقافي، والشخصي، والنظام الداخلي للتتظيم..
لقد تفكك النسق الشخصي من خلال بعض الممارسات التي قام بها بعض (الاسلاميين) في السلطة، وبالذات فيما يتصل بالسلوك العام، وخط الاستقامة، وهذا ما أدى لسقوط النسق الشخصي، والذي أدى بدوره إلى سقوط النسق الثقافي العام، وهذا انعكس على نسق التنظيم ككل، والذي تفتت نتيجة لهبوط تلك الانساق.
ثانياً: التصميم الأوًلي للمشروع يقوم على مرتكزات خطأ، تفتقد القدرة على التنظير المسبق للواقع، وبالتالي تجريد الفكرة من معادلها الموضوعي، والانجرار خلف الشعار، والخطاب الاجوف.
ثالثاً: تبدو السلطة وكأنها غاية لدى الاسلاميين، فقد كان حضورهم عبر الديمقراطية كبيرا، وكان من الممكن الوصول إليها عبر صندوق الانتخاب، وبالتالي كسب الشرعية الديمقراطية لانفاذ المشروع، هذا إذا كان هنالك اصلا مشروع يرتبط بقضايا الناس وتطلعاتهم. ولهذا فقد كانت وسائل الوصول للسلطة مرتبطة بالمؤامرة والكذب على الناس، وهذا ما حكم فترة حكمهم للسودان.
رابعاً: الاسلاميون لا يعترفون بالخطأ، لأن الفكرة لا تقوم على التجريب الذي يقبل الخطأ والصواب، إنما تقوم على الاستنباط من الواقع الدينى الكلي، وهذا ما ينفي الاستقراء والذي يرتبط بفهم جزيئات الواقع، ثم تعميهما على الكل، إذ يعمل الاستنباط على تعميم الكل على الجزء، وهنا يكمن خطا الإسلاميين.
خامساً: في فترة السلطة غاب منهج التثقيف، والتربية الداخلية، والبناء الذي كان يشكل ملمحا لمرحلة ما قبل استلام السلطة، وتحول التنظيم إلى تنظيم سلطوي، وبدون بوصلة فكرية..
لقد أدت كل تلك العوامل إلى هبوط خطاب (الإسلاميين) عبر تجربة الحكم وتشرزمه.. ويمكن القول، وعند منتصف التسعينيات، وبعد فشل المشروع الديني تماما، فقد ظهر خطاب آخر متشنج، نلحظ ملامحه من أقوال مثل (أمريكا تحت جزمتي)، ولاحقا (لحس الكوع)، ثم (أمسح، اكسح... الخ) وتراجع الخطاب الديني، إلا في بعض المناسبات.. وحتى المهرجانات الجماهيرية، فقد حل فيها غناء الحماسة السوداني، بديلا للانشاد الديني، والرقص بديلاً عن أناشيد ساحات الفداء، وشعارات الحرب الجهادية.. وبهذا نستطيع القول إن الخطاب الدينى، قد سقط مما كان مؤشرا لسقوط المشروع الديني كله، وهذا قد عكس المأزق الذي دخل فيه (الاسلاميون) بعد أن ثارت عليهم الجماهير الشعبية، وتم اسقاطهم من السلطة..
الملمح الأساسي في كل هذا فإن الإسلاميين السودانيين قد صعدوا للسلطة عبر الخطاب، وهو الخطاب الديني الذي برروا به صعودهم للسلطة، ولكنهم خرجوا منها بلا خطاب، لأنه قد حدث التدمير الذاتي للخطاب، فهل من الممكن أن يعيدوا استنساخ ذلك الخطاب مرة أخرى؟ من المؤكد نعم، ولكن السؤال الأهم، هل ستتجاوب معهم الجماهير الشعبية؟ هذا يعتمد على الطريقة التي ستدار بها الدولة السودانية، وبالتالي تجفيف منابع (الإسلاميين) وضرب مرتكزاتهم..
خاتمة: هذا المبحث اشتغل على قاعدة بحث الأنساق في تجرية خطاب (الاسلاميين) السودانيين، وذلك من أجل دراسة هذا الخطاب وفق أسس موضوعية.. وقد تجلى عبر هذا المبحث بأن سمة هذا الخطاب هي السمة الدينية، وهذه السمة تعبر عن تجريدات قد لا تكون لديها صلة بحركة التاريخ المتجددة، و لهذا فإن هذا الخطاب يصدر من عقل مغترب، لا يلامس الواقع ولا ينتبه لتعقيداته، وعند اختبار هذا الخطاب وعبر تجربة الحكم فقد سقطت عناصر قوته وتشرذم.. يطرح هذا الامر قضية جوهرية حول جدوى الخطاب الدينى نفسه، وهذا يؤدي إلى طرح جدوى وجود تنظيم ديني عبر هذا العصر الذي أصبح عصر العقلانية، والتصورات الواقعية بعيدا عن حلم الدولة الدينية التي قد قبرها تاريخ البشرية الساعي نحو التجديد و الحداثة.
مصادر:
1- رانيا سنجق- تعريف الخطاب- موقع موضوع.. بحث غوغل..
2- المصدر السابق..
3- نصر حامد أبو زيد - نقد الخطاب الديني - مكتبة مدبولي - القاهرة 1995
4- لبابة حسن - تعريف الخطاب وأنواعه .. بحث غوغل..
5- حسن مكي محمد أحمد - تجربة الحركة الإسلامية في السودان بمناسبة مرور ستين عاما على تأسيسها.. بحث غوغل..
6- المصدر السابق.
7- المصدر السابق.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.