داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم وعاد أولهم ينعي على الثاني وسارق النار لم يبرح كعادته يسابق الريح من حانٍ الى حانِ ولم تزل لعنة الأباء تتبعه وتحجب الأرض عن مصباحه القاني ولم تزل في السجون السود رائحة وفي الملاجئ من تاريخه العاني مشاعل كلما الطاغوت اطفأها عادت تضيء على أشلاء انسان عصر البطولات قد ولى وهانذا اعود من عالم الموتى بخذلان وحدي احترقت انا! وحدي وكم عبرت بي الشموس ولم تحفل باحزاني اني غفرت لهم اني رثيت لهم اني تركت لهم يا رب اكفاني فلتلعب الصدفة العمياء لعبتها فقد بصقت على قيدي و سجاني وما علي اذا عادوا بخيبتهم وعاد اولهم ينعي على الثاني لكي نستجلي غموض هذه القصيدة و نسبر غور معانيها يجب أن ننتبه لبعض الكلمات المفتاحية مثل الشمس- الشموس- – الطاغوت- سارق النار- والملاحظ ان القصيدة على قصرها حشدت الكثير من المفاهيم و الرموز الثقافية و كذلك وظفت اسطورة سارق النار من الميثولوجيا الأغريقية , تبدأ القصيدة وتنتهي بقصة شخصين داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم القصيدة تبدأ وتنتهي برؤية تشاؤمية ومن البديهي أن الشمس جزء من الطبيعة الكونية البعيدة عن متناول الانسان وهي، بخلاف الطبيعة الأرضية و الطبيعة العضوية و غير العضوية التي سيطر عليها الاتسان و سخرها لخدمة اهدافه و مآربه، تؤثر و لا يستطيع احد ان يؤثر عليها وليس ببعيد عن الأذهان قصة الذي جادل إبراهيم في ربه كما وردت في القرآن الكريم لكنها وردت هنا بمعنى الهدف المستحيل غير القابل للتحقيق محاولة الشخص الاول و الشخص الثانى التعامل مع الشمس امر عبثي لا طائل وراءه اسطورة برومثيوس سارق النار تشير الى صفة الانسان كمغامر طموح بل هناك من يقول ان طموحات الانسان الذي سرق النار من آلهة الاغريق لا تحدها الحدود. كان الشاعر عبد الوهاب البياتي وآخرون يستخدمون الميثولوجيا الاغريقية و يوظفونها شعرياً ولعله و على سبيل الاستطراد أن نشير الى ان الاستخدام المكثف للميثولوجيا الاغريقية في الشعر العربي المعاصر ربما يعتبر التلاقي الثاني بين الثقافة الاغريقية و الثقافة العربية كان اللقاء الاول حينما أنشأ الخليفة المامون دار الحكمة في بغداد وترجمت أمهات كتب التراث الفلسفي الإغريقي للغة العربية ثم وصل هذا التلاقي او التلاقح الثقافي ذروته حينما تعرفت اوروبا على التراث الاغريقي من خلال كتابات علماء و فلاسفة الأندلس الشمس واردة في هذه القصيدة أيضاً بمعنى القوة القاهرة- force majeure التي لا يستطيع الناس التعامل معها هناك اشارة للطاغوت و يشكل أيضاً قوة قاهرة على مستوى المجتمع الانساني القصيدة توحي بان هناك صراع ما حدث بين سارق النار أي الانسان وبين الطاغوت الذي يمثل طاقة سلبية في الكون وقوة ظلامية فاستخدم الأخير أساليبه المعهودة في السجن و النفي. هذه هي أسلحة الطاغوت المعهودة في مواجهة الانسان الحر ونزعته لتأكيد انسانيته، لكي يكسر عزيمة الانسان لكن الطاغوت يعجز عن اخمادة جذوة التنوير وربما التغيير. ونقف هنا ونلاحظ أن الشاعر إستخدم مفردة الطاغوت و هي مفردة من مفردات الفكر الديني ونعبر عن الدهشة لأن الشاعر عبد الوهاب البياتي لا يحفل كثيراً بمفردات و رموز الفكر الديني و قد سمى ديوانه الأول " أباريق مهشمة" وهو القائل "ولتفتح الابواب للشمس الوضيئة و الربيع وتكتسح السيول هذه الأباريق القبيحة و الطبول" وربما يحتج قائل بأنه إستخدمها لضرورة الوزن والقافية إذ ان مترادفة الطاغية لا تستجيب لذلك، ربما مشاعل كلما الطاغوت اطفأها عادت تضيء على اشلاء انسان هذه بارقة الامل الوحيدة التي تشع في ثنايا هذه القصيدة انها بشارة بأن الطاغوت مهما أوتي من قوة لا يستطيع اخماد جذوة التنوير يتحدث الشاعر عن عالم الموتى و يقصد به عالم الأحياء الذين لم تكتمل بعد شروط انسانيتهم أو انهم في طور تحقيقها لأن الموتى لا ينصرون أحد و لا يخذلون أحد يتحدث الشاعر عن تجربة مريرة مع عالم الموتى جعلته يفقد إيمانه بجدوى العمل او الفعل الانساني ويركن الى عامل الصدفة العمياء عاد الشاعر من تجربته محبطاً حزيناً كانت تجربة مخيبة للآمال جعلته يرجع من عالم الموتى حزيناً مستسلماً لعنصر المصادفة وهي عامل ميتافيزيقي يستلزم أن تحدث الاشياء دون سابق تخطيط وعشوائياً او ان تحدث من تلقاء نفسها دون فعل فاعل او دون تدخل إنساني هذا هو رد فعل الشاعر لخذلان عالم الموتى له أنه من جانب الشاعر خذلان من نوع آخر جعله يتوقف عن العمل وأثناء هذه التجربة المريرة التي عاشها الشاعر يقول وكم عبرت بي الشموس و لم تحفل بأحزاني في هذه المرة يستخدم الشاعر تعبير الشمس او الشموس ولكن بمغزى مختلف عن الأول حيث ظهرت الشمس في البيت الاول كقوة غالبة قاهرة لكن تظهر الشمس في هذا البيت الأخير بوصفها تلك الطبيعة الكونية غير المكترثة لمعاناة الانسانية و غير المتجاوبة عاطفياً مع البشر و آلامهم وأحزانهم و أفراحهم, كان الفيلسوف البريطاني الراحل برتراند راسل هو ضمن من عبروا عن هذه الفكرة ( التي لا تخلو من شاعرية) بأن الطبيعة غير مكترثة لمعاناة الانسانية وليس هذا مقام مناقشة هذه الفكرة ولعل القصيدة تقدم وصفاً لصراع الانسان في مواجهة التحديات التي تشكلها القوى الغالبة في الطبيعة و المجتمع و مآلات ذلك الصراع من حيث النجاح و الفشل الانتصار و الهزيمة الأمل و اليأس وما يتجاذب ذلك الصراع من مد الحياة و جذرها القصيدة تأخذ منحى السهل الممتنع و يتنقل فيها الشاعر من فكرة الى فكرة و من معنى لآخر بسلاسة تكشف عن قدراته كشاعر متمكن و بطريقة لا تخل بالوحدة العضوية للقصيدة القصيدة جميلة وبها كثير من الصور المعبرة و التعبيرات المؤثرة التي ما تلبث أن تستقر في المخيلة و الوجدان و تشبه ما يسمى بالعصف الذهني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.