عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. (1) كنت وغيري كثر نتوقع أن تقوم الثورة المباركة بوضع أسس جديدة للنهضة السودانية وخصوصا بعد تلك الدماء التي سالت علي النيل الأزرق حتي غيرت لونه إلي أحمر قاني. ولكن لم تشفي غليلنا في القضاء علي البنية الإقتصادية والسياسية والفلسفية ألتي أنتجت ومازالت الفساد والاستبداد وأكل أموال الضعفاء والمهمشين بالباطل. ولكي لي لا يكون الحديث معمما دعونا نري بعض ما يمكن أن تفعله الثورة في هدم البنية الإقتصادية للنظام القديم والتي أنتجت طبقة شبعانة حتي البطر وذلك عن طريق ارتباطها بجهاز الدولة والتصاقها به كما يلتصق "القرف" علي أنف الطفل في أيام الشتاء والبرد. القرب من جهاز الدولة أتاح لتلك الطبقة إمتيازات ( Privileges) ما لم تكن تحلم به في أكثر أحلامها جموحا، فمن خلال جهاز الدولة المسخر بالكامل لأفراد التنظيم تم ابتلاع أراضِ ومدن باكملها كما في حالة هند وزوجها- الفريق شرطة محمد نجيب- المكلف بحماية القانون والسهر علي حماية المواطن وامنه ولكن أتضح أن حاميها حراميها كما في المثل. ولم تقف عند الأراضي وحدها وإنما امتدت لتشمل "الكومشنات" في شراء حتي سلاح الجيش من قبل أفراد لا صلة بجيش الهناء. وخلاصة القول فيما يخص قضية الإقتصاد، أن الطبقة الجديدة التي ولدت وتخلقت في مناخ الفساد والإفساد الذي خلقته الإمبراطورية الاسلاموية صارت لها مولاتها ، وصالاتها التي تقام فيها المناسبات من عيد الميلاد وحتي الختان ويتم فيه صرف الملايين في ليلة واحدة كما شاهدنا في "السوشيال الميديا" وكأننا نعيش ألف ليلة وليلة من جديد. تلك الطبقة قال عنها الفاجومي أحمد فؤاد نجم في مصر قصيدة ذائعة الصيت، يقول في مطلعها: هم مين ونحن مين،،،،هم الأمراء والسلاطين،،،،هم بياكلو فراخ ونحن الفول دوخنا وداخ،،،،هم بيلبسو بالموضة،،،ونحن بنسكن سبعة في أوضة،،،هم فصيلة ونحن فصيلة. وعليه لابد من توزيع عادل للدخل القومي لكي يلغي الفوارق الطبقية بين المجتمع ومن أجل التساكن الإجتماعي والسلام. ولو غابت فريضة العدالة الإجتماعية كواحدة من أهم ركائز الثورة والذي تجسد في شعارها: حرية سلام وعدالة. فأذن العدالة في إنتاج وتوزيع الثورة هو مطلب جماهيري لا يمكن تغييبه ومع سبق الإصرار والترصد. والطبقة الاسلاموية طريقة نهبها للموارد في باطن الأرض وخارجها خلقت شروط إقتصادية مجحفة وجعلت 90 في المائة من الشعب السوداني يرزح تحت خط الفقر. وللخروج من هذا النفق المظلم علي قوي الحرية والتغيير إيجاد بدائل جديدة للنهضة بالاقتصاد وعدم الاتكال علي الهبات (grants) سواء من البنك الدولي أو دول الخليج أو السعودية. وإصلاح الإقتصاد يمر عبر تحقيق السلام الشامل وعدم تركيز التنمية الإقتصادية فيما عرف بمثلث حمدي. وعلي وزير الإقتصاد الدكتور إبراهيم البدوي وقوي الحرية والتغيير وضع برنامج اقتصادي وبمشاركة جميع قوي الثورة لانتشال الاكثرية من جماهير شعبنا التي عانت الامرين وتم افقارها وتهميشها حتي صار الحصول علي اللقمة الحلال كالحصول على الدم من الحجر كما في المثل الانجليزي، ( Getting money from him is like getting blood from the stone.) والذي يقال للانسان البخيل. ولا يفوتنا أن نقول أن توضع كل مؤسسات الإقتصاد وشركاته تحت إدارة وزارة المالية كما في حالة الشركات التي تتبع إلي الجيش كما الحال في تصدير اللحوم وهو باب يفتح عشرات الأبواب للفساد وعدم الرقابة علي المال العام ومراقبته (checks& balances). (2) الفريضة الغائبة الاخري هي قضية الحرب والسلام، وبالطبع الحرب تعتبر مفسدة كبري ودعاة الحرب كالحرب تماما وأولياء السلم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الثورة المباركة وجماهيرها التي رسمت التغيير بدمائها التي لم تجف بعد نادت بالسلام في شعارها الأسر: حرية سلام وعدالة. وجماهير وقادة ما يعرف بمناطق الهامش في فلسفة السودان الجديد شاركت وقدمت تضحيات جسام ضد نظام الإسلام السياسي وكانت حاضرة في ثورة سبتمر عبر التوقيع علي إعلان الحرية والتغيير ومن داخل نداء السودان. وعليه لابد من الإسراع في إنجاز ملف السلام ومخاطبة جذور الحرب سواء تلك التي تتصل بالسلطة والثروة وتوزيعها توزيعا عادلا أو إجراء إصلاحات عميقة في بينة الدولة الكولونيالية التي قامت علي احادية الثقافة واحتكار السلطة والثروة وحتي أدوات العنف الممثلة في أجهزة الجيش، والشرطة، والامن وحسنا فعلت قيادة الحركة الشعبية قيادة مالك عقار من خلال مطالبتها بإعادة هيكلة تلك الأجهزة لتعبر وتحمي جميع السودانيين غض النظر عن المنبت الإجتماعي والموقع الطبقي، والخلفية الدينية والثقافية. وأعظم هدية يمكن أن تقدمها الثورة وقواها الحية والوضاءة هي القضاء علي أسباب ومسببات وجذور الحرب. فالحرب في السودان قضت علي الحرث والنسل والأخضر واليابس ولم يسلم منها حتي الطير والحجر ولم تنتج سوي الخيبات والأمهات الثكلي والدمع والدموع. (3) الأمر الآخر هو قضايا الصحة والتعليم، والسكن الذي يليق بكرامة الإنسان. تمنيت لو إن قوي الحرية والتغيير وهي منشغلة بتوزيع الغنائم والاسلاب أن تلتفت الي قضية وسياسات السكن الذي يليق بكرامة الإنسان أو ما يعرف في بعض الدول ب (Decent housing policies) . فكيف نبني مجتمع متمدن ومتحضر والعاصمة الخرطوم لا يوجد بها صرف صحي!!! ولكن الأهم هو إيجاد سكن للفقراء والمستضعفين يليق بكرامة الإنسان، وتجربة الدولة الإخوانية في ما يعرف ب"الاسكان الشعبي" كانت من أجل الاستحواذ علي اراضي الغير وتفتقر إلي التوزيع العادل للمنازل ويجب مراجعتها وإعطاء كل ذي حق حقه. ولماذا لا نلجأ إلي البناء الراسي والاستفادة من تجارب الدولة الناجحة. ومازالت الأكثرية من الشعب السوداني تستخدم دورات المياه التقليدية، يجب علي أهل الحل والعقد الجدد إيجاد سكن يليق بكرامة الإنسان وكلنا نعرف الإيجارات في الخرطوم وما تسببه من عنت ومشقة للبسطاء من أبناء وبنات شعبنا. التعليم يمثل العامل والشرط الاساسي لقيام نهضة وسودان جديد وقضاياه متشعبة ومتفرعة وقد كتبت فيه مقالات مفصلة وهي مبذولة في الفضاء "السبراني" ولا أريد أن أعيد الحديث عنها، ولكن طبقية التعليم تظل هي القضية الكبيرة. فالاخوان المسلمون المبذرون عملوا علي تسليع التعليم (Commercialization) أي صار سلعة لأصحاب الصولجان الجدد ومستجدي النعمة، وعليه لابد من الصرف علي التعليم وتحديدا في مرحلة الأساس وجعله مجانا وإرجاع السلم التعليمي القديم. وأيضا الإهتمام باللغات الاخري وتدريسها أو ما يعرف ب ( Vernaculars) والتي تعد وجها من اوجه التعددية الثقافية واللغوية. فيما يخص قضية الصحة فالكل يدرك حجم الكارثة في هذا القطاع الحيوي، وعليه لابد من اقامة مستشفيات جديدة وتحديدا في المناطق التي شهدت حروبات ونزاع مسلح. ففي بعض المناطق البعيدة لا توجد حتي قابلة!!! ما الذي يمنع من عودة الشفخانات التي كانت توجد في القري؟ من المهم جدا تأهيل المستشفيات التي دمرها مأمون حميدة وغيره من سدنة المشروع الحضارة جداااا الإهتمام بالكادر الطبي والصرف علي الصحة. خلاصة القول، لا يمكن بناء مجتمع ودولة جديدة بدون وضع قضية العدالة الاجتماعية في مقدمة أجندة وبرامج الثورة، فالقضاء علي الفقر وإزالة الفوارق الطبقية وإعادة البهجة للطبقة الوسطي هو مفتاح التقدم والنهضة الذي يمر عبر مخاطبة جذور الحرب التي خلقت تشوهات حفرت عميقا في المجتمع والإقتصاد والسياسية. والصرف علي الصحة والتعليم ينبغي أن يعطي الأولوية في برامج الثورة والدولة.