ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنتخابات 2016 الامريكية مشهد تقاطع جميع الهويات .. بقلم: الفاضل الهاشمي
نشر في سودانيل يوم 21 - 11 - 2016

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
"يالها من غفلة فادح وساذجة معاً توقع طريق ملكي معبّد وخطّي نحو إنجاز مشروع ال تحرر"
[1]
فرضية وتوطئة:
ينطلق هذا النص من فرضية أساسية قوامها الاحتراس من الإحتكام للعرف التقليدي الذي يتعامل مع جهاز الدولة كقوي عظمي فاعلة مهيمنة. هذا المستوي التجريدي ، حسب نعوم شومسكي، يضللنا عن حقيقة موضوعية هي ان الدولة،أي دولة، ذات بنيات داخلية معقدة وان خيارات وقرارات قيادتها السياسية محكومة بتركيز مكثّف لسلكات وقوي داخلية طبقية (امبراطوريات ومؤسسات مالية وتجارية ضخمة محدودة العدد) تتسيّد وتهندس سياسة الدولة الديمقراطية حيث تهمّش اغلبية الجماهير. ونقصد هنا أولويات وسياسات محورية كالاتفاقيات والشراكات التجارية الكبري تحت مسمي اسم دلع اتفاقيات التجارة "الحرة". وكلمة الحرة هنا تضمر المحتوي الطبقي لبرنامج اللبرالية الجديدة الذي تطرحه الديمقراطية البرجوازية المعاصرة الذي يقوّضها تركيز الثروة والسلطة بأيدٍ محدودة. المحتوي الطبقي لهذ البرنامج يفضح ويعرّي خيبات قادة العمل السياسي في الدولة المعاصرة إزاء سطوة الأسواق ومؤسساتها. ضمن هذا السياق والفرضية يتناول النص التفاكر حول تفاصيل معركة الانتخابات الامريكية التي بعثت مافي قبور حزازات وبغضاء هويات العنصرية والباطرياركية الحقيرة كما انبعث أشقاها "زينوفوبيا - رهاب الاجانب".
الخطاب الذي تجلّي في معركة إنتخابات 2016 الامريكية عينة ممتازة لفوضي وازمة سوء توزيع الثروات والموارد ونهبها وتهميش شرائح الطبقة العاملة (طبقة وسطي متوسطة وعليا) ضحية مايسمي بالحلم الامريكي الضائع ( اميريكان دريم) كحالة نفسية وظيفية سوّغتها وسوّقتها ايدلوجيا عزة النفس الامريكية الطالعة من رفاهية راسمالية القرن التاسع عشر. نموذج خطاب انتخابات 2016 الامريكية ، في ذاتها ولذاتها، عينة ممتازة لازمة وفوضي الراسمالية المعاصرة في حصنها الحصين ويجسّد خفة وبؤس سلوك النخب السياسي وبؤس ادارتها للازمة كونها تسعي لعلاج ظاهر الازمة وتجاهل باطنها وهو تفاوت توزيع الثروات والدخول ونهبها محلياً في امريكا وعالمياً. هذه الظاهرة ساهمت ،في زعمي، في إعادة تفكيك قيمة شعار "المساواة" كشعار ذي قيمة عالية لدي الراسمالية إبان صعودها الزاهي وترفيع سقفه الي شعار "القسط" (اكويتي) التاريخاني كونه يسائل ويتحري الشروط التي انتجت الظلم الاجتماعي. حسب هذا الزعم والمنطق يصبح فوز رونالد ترمب ،في نهاية التحليل، تعميق للازمة الراسمالية المعاصرة وهشاشة كوادرها وهي أزمة تشغيل الراسمالية من حيث تمركز الاحتكارات العملاقة وتحكمها في الثروات والموارد العالمية واحتكارها لمصلحة ملاك تلك الاحتكارات دون مواطني دول العالم الاول الراسمالي ومواطنيه كما كان قبل عقد من الزمان في دولة الرفاه. هذه الازمة لم تنحصر بالطبع علي العالم الاول وحده وتعولمت عواقبها لتصبح أزمة اخلاقية تلطٌخ وجه هذه المرحلة من الحضارة الانسانية. نحن اذن ازاء تحدي بنيوي وهيكلي ،وليس ظرفي عارض، لشروط استمرار واستقرار التراكم الراسمالي وديمومته وتهميشه الفاضح لشرائح طبقات كانت تعيش مرفهة نسبياً. تحت هذه الشروط البنيوية لن تُجدِ فهلوة دونالد ترمب او نخبوية هيلاري كلينتون في تلطيف المشهد. نحن اذن بصدد جذوة أزمة أعلي من خراطيم استراتيجيات وآليات وتكتيكات النخب السياسية الامريكية والاصوب البحث عن تدبير مآلاتها في إطار مشروع تحرري طويل الأجل لا علاقة له بخطاب وأيدلوجية "الاستهلاكية" والوجبة السريعة السائد.
[2]
خطاب الكراهية الجديد: بغضاء التفاوت الطبقي والذكورية والعنصرية وبؤس رهاب الأجانب
معركة الانتخابات الامريكية ايضاً عينة ممتازة لتقاطعات جميع الهويات الطبقية والدينية والذكورية والعرقية (الهوية الاخيرة تبدو او لا تبدو في ذهاب إرث اوباما الوشيك في برنامج الصحة). دينياً وعرقنة تعكس المعركة نزوع نخب اللبرالية الجديدة لاحتضان وتبنّي نعرات ونزعات خطاب كراهية اليمين النصراني المتطرف ضد المهاجرين. خطاب الكراهية العنصري ضد المهاجرين اخترعته نخب الراسمالية السياسية ليسوّغ ولوجها السلطة ضد خطاب القوي الحاكمة السائدة التقليدية (الملأ الاعلي) . ذات اليمين الجديد اتي بذرائع عطالة الشباب الامريكي بسبب هجرة اللاجئين والمهاجرين لإعادة الحلم الامريكي الضائع عبر اعادة الوظائف الضائعة بعد هجرة رؤوس الاموال من امريكا منذ مرحلة الراسمالية الصناعية التي هاجرت حيث العمالة الرخيصة (الي حين) في اسيا وافريقيا.
وتتجلي تجربة الانتخابات اجتماعياً (أقرأ طبقياً) كظل لتبعات حركة راس المال المعولم من اسواق أسلحة تغذي حروب ونزاعات شاملة تعبّر عن نفسها دينيا او إثنياً وهي في جوهرها محكومة بحركة وأنشطة اقتصادية وأسواق مخدرات وبيع أعضاء وعقود أسلحة وانتزاع أراضي ونهب موارد دول بذريعة نشر الديمقراطية والسلام او محاربة الارهاب والداعشية. أما أمريكياً فقد خسر اكثر من خمسة ملايين منهم بيوتهم خلال ازمة 2008/2009 إثر فقاعة انهيار سوق العقارات وتعطّلت عمالة أكثر من خمسة عشرة مليون.
هذه الحقائق والأولويات الملحة اجبرت الأمريكي المنتمي للطبقة الوسطي ان يعيد مراجعة حسابات دقيقة وأولويات ضمنها الحلم الأمركي وتفاصيل العطالة وديون خريجي الجامعات (ديون منشأها وسدرة منتهاها البنوك) والتهديد بفقد العقار.
استثمر دونالد ترمب بإنتقائية طفيلية واقع الازمة فتفجرت في شعارات بذيئة من عطن الزينوفوبيا (رهاب الأجانب) والعنصرية والذكورية لم يعبأ بضحالتها الناخب وغفلت عنها نخب الاعلام المهيمنة.
[3]
مشاهد تقاطع الهويات علي هامش فوز ترمب:
* حسم الحزب الديمقراطي الامريكي صراعاته الداخلية حول توجهه الفكري والسياسي والطبقي باقصاء ممثل يساره ساندرز فقدم هيلاري كلينتون كممثلة ليمين الوسط في الحزب الديمقراطي. أفلحت فهلوة ترمب في استلاف نقد ساندرز لهيلاري واعادة إنتاجه إنتقائياً لخدمة حملته.
* تعوّل جميع القراءآت علي دور الشريحة البيضاء من الطبقة العاملة (أقرأ الطبقة الوسطي) الامريكية المهمشة في ترجيح كفة ترمب في الأصوات كونها عانت من عزل اقتصادي واجتماعي (أقرأ طبقي) طويل من الطبقات الحاكمة. في حين صوّتت النخب المتعلمة لهيلاري كلينتون كونها فازت في ولايتي كلورادو وفرجينيا وهما ذات نسبة عالية من خيرة المتعلمين (خيار خيار الطبقة الوسطي الامريكية المتعلمة) . الطبقة العاملة في بنسلفانيا وأوهايو ومدن بحيرة ايري الصناعية فوّزت ترمب ؛ كما كسب ترمب ريف شمال أمريكا (ايوا ، ويسكونسن ، ميتشغان ، نيوانغلاند ومين) بذريعة اوهام مخاوفهم من المهاجرين المسلمين والمكسيك.
* عكست نتائج الانتخابات مخاوف طبقية واستقطاب سياسي عميق مع انحسار مكاسب دولة الرفاهية وسيادة السياسات اللبرالية الجديدة (رغم برنامج اوباما للرعاية الصحية) وانعكس ذلك في الولاء السياسي في امريكا حيث تحصّل ترمب علي اغلبية أصوات البيض الذين لم يتحصلو علي شهادات جامعية وهزت الحسابات التقليدية الخطيّة التي تضع الفقراء وذوي الدخل المنخفض كمناصرين للحزب الديمقراطي والأثرياء كمناصرين للحزب الجمهوري. تراخي انحياز الزنوج الأمريكان واللاتينيين والآسيويين الأمريكان الي الحزب الديمقراطي وحملة هيلري التي تعاملت مع هذه الشرائح كأمر مفروغ منه. استثمر ترمب مخاوف رهاب الإهاب (الزينوفوبيا) لدي محافظي المجتمع الامريكي، كما لم يهزمه خطابه المحتقر للمرأة. نبحث عن فوزه اجتماعياً (طبقياً) حيث تبخّر الحلم الامريكي وافتقد المجتمع الي وظائف كانت دعامة ذلك الحلم العصي.
[4]
غفلة بيوت الخبرة وصناعة الاستشارات والنقاد ونظم استطلاعات الرأي السائدة (جوغة الملأ الاعلي):
تعامل الإعلام الامريكي مع أكاذيب دونالد ترمب وعدم حساسياته (عنصرية، ذكوريّة ، رهاب الأجانب الخ) بحيادية وتهاون وتجنب نقد السائد الحزبي الديمقراطي والجمهوري. لذلك نجحت حملة ترمب في استثمار غفلة الاستابليشمنت والوسائط الاجتماعية (إعلام تلفزيون وصحف الكترونية وغيرها). تجلّت هذه الغفلة في كون النتيجة كانت مفاجئة لافندية ال سي ان ان ذوي الحظوات والنعم الذين تحلقو حول شاشات التقنية الذكية وفورميولا الانتخابات باللمس السريع. باع ترمب لشرائح مغبونة كانت يحلم بوظيفة بعد التخرج فوجدت وظيفتين مؤقتتين منهكتين ، شرائح غرقت في ديون التعليم الجامعي حتي أذنيها وتوقعت تجنّب الشقاء ومسغبة بنوك الغذاء ومعلباتها الصدئة. وعد ترمب تلك الجموع ببناء حائط عنصري عظيم وبغيض يبعد عنهم عمالة المكسيك المهاجرة وهمج المسلمين الإرهابيين تماماً كما صعد اليمين الاوروبي المعاصر عبر خروج بريطانيا من المجموعة الاوروبية.
بذلت بيوت الخبرة وإستطلاعات الرأي في الوسائط الاجتماعية بلايين البكاسل الضوئية مؤكدة علي فوز هيلاري كلينتون من برنستون كونسيرتيوم الانتخابي وهفينغتون بوست لغاية فايف ثيرتي ايت ونيويورك تايمز ابشوط. ضاعت سدي كل الفرضيات والخيارات المنهجية لمدارس العلوم السياسية البرجوازية وادعاء صواب نماذجها التنبؤية العلمية الصارمة. لست هنا بصدد تحقير العلم والعلماء بل قصدت ان أنوّه الي تسليع هذه الصناعات للعلاقة الوطيدة بين معرفة الحقائق الديموغرافية ومحصلة التنبؤ التي غفلت عن غزارة وثراء المعلومات التي بحوزتها ؛ كون معرفة اين تعيش وعمرك ودينك وعرقك ولغتك المفضلة ونوعك وتحصيلك الاكاديمي وحالتك الزوجية وتوجهك الجنسي كفيل بالاشارة المحددة الي من ستصوّت. وهذا مبحث طبقي بليغ خارج سياق هذه العجالة. علّق بعض النقاد ان مكتب حملة ترمب التنفيذية تناولت قاعدة المعلومات وعالجتها بجدية وليس بحْرفية، أما جوغة الاعلام السائد تناولتها بحْرفية وليس بجدية.
[5]
تحالف الثالوث المقدس : رؤوس الاموال ، الاسواق وجهاز الدولة:
حتمية القاعدة الراسمالية الذهبية تقول أن رؤوس الاموال واسواقها لن تتخلي وتستغني عن مؤسسات الدولة والسلطة كحليف مقدّس ، ولا مفر من هذا التحالف المقدس تاريخياً. تعمل الشريحة التنفيذية العليا الممسكة بخيوط ميكانيزمات عقود الاسواق المالية والتجارية والصناعية والخدمية علي ضمان ولائها لاجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والتقرب لها ومعها ومع رؤوس الاموال الكبري كونها ذات حساسية عالية في الحرص علي استقرار المنظومة الاقتصادية السياسية الاجتماعية كشروط وجودية لاستمرار عملية تراكم راس المال ودوام الحال. هم هذه الشرائح المقدس هو مباركة النظام الجديد دورياً ما لم يهدد وجودها المباشر. لذلك رحبت مؤشرات اسواقها المالية ،خاصة الامريكية، عملياً صبيحة فوز رونالد ترمب وهلّلت لمقدمه. أما أسواق آسيا فقد فاقت الي رشدها ،هنا والآن، من صدمة ساعات الفوز الاولي فارتفع مؤشر نيككي 6 ٪ ، وارتفعت مؤشرات اسواق هونج كونغ وشنغهاي رغم التخوف من تصريحات ترمب اثناء الحملة باتهامه الصين بتخفيض عملتها لتشجيع الصادرات ووعد مهدداً بزيادة الجمارك ب 45٪ ازاء صادراتها. وقد بلع رؤساء دول العالم الكبري تصريحاتهم الاولي اثناء الحملة الانتخابية (نموذج الرئيس الكندي جستين ترودو) معلنين استعدادهم للتعاون مع امريكا العزيزة الجبارة المهيمنة حتي الآن. اما الاسواق المالية الامريكية صحت متفائلة حامدة شاكرة وارتفع مؤشر داوجونز ونازداك (مؤشر اس اند بي/تي اس اكس) اكثر من مائة نقطة. ترمبونوميكس في التحليل النهائي تخفيض معدلات ضريبة الدخول العليا للشركات والافراد وعوائد رؤوس الاموال المستثمرة مما سيخفض عائدات الضرائب الفدرالية سنوياً بمايعادل 4% من الدخل القومي (قراءة مركز السياسة الضريبية كبيت خبرة) ، كما ينوي زيادة الاستهلاك الحكومي ب 500 مليار كاستثمار في البني التحتية كما ذكر موقع جماعته. هذه وصفة ريغانية خاسرة تستهدف زيادة النمو الامريكي عبر التضخم ولكن لا طائل من ورائها لمن صوّت له من الطبقة الوسطي السكان البيض الأصليين الجدد. اما الاسواق ليس هناك مايضيرها علي كل حال كونها تنتفع بالصرف الحكومي ولها ازماتها بقيادة راس المال المالي.
اما الاقتصاد العالمي فلا أمل له من شعار وقائي ضد سلاسة توسع راس المال المالي الفلكي حيث تضاءل الوطن (الدولة القطرية) وتمكّنت حفنة من الشركات الكبري من احتكار جميع الصناعات والسيطرة عليها ولكنها أدمنت حب الاسواق المالية وبورصاتها مقابل الاسواق الصناعية.
[6]
خميرة الديكتاتورية والفاشية في نهايات اللبرالية الجديدة:
انتخابات 2016 الامريكية انعكاس حقيقي لازمة المنظومة الراسمالية المعاصرة-نسخة شمال امريكا من حيث هوان أعز شعارات الراسمالية الاولي من حرية وعدالة اجتماعية جسّدتها مآلات دولة الرفاه من وجهة النظر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية كون الراسمالية المعاصرة مسئولة مادياً ورمزياً من المآل الكوكبي الدموي البشع وتفاوت الثروات والدخول المخزي وحظوظ البيئة وصحة العباد والامراض من الملاريا والسل الرئوي لغاية السرطانات في عصر التقنية.
لكم هو وديع مشروع الديكتاتور في مرحلة رضاعته لكونه يستجدي السلطة ويتوسّل اليها بذرائع إعادة الرفاه والمجد والعدل والحلم الضائع. وضمن ضوضاء زخم الاعلام والتطبيل الديماجوجي تمر تلك الوعود دون دراسات او بحوث علمية بل تستقبلها الضحايا بالورود. راجع جميع شعارات قادة الفاشيات والديكتاتوريات وبيانات العساكر الانقلابيين الاولي في أفريقيا وآسيا ودونهما وقارنها بوعود عقلية دونالد ترمب المقامر كونه لم يستح ان يستلف جميع الخطابات والخطابة والشعارات التي تضمن فوزه من الترويج لإعادة تتويج الانسان الابيض كانسان أصلي ممتاز لغاية بلاغة اليسار وترسانته ليعيد انتاج مسخ غريب يوعد ضمنه الذاهبين والذاهبات الي صناديق الاقتراع إعادة وظائف العصر الصناعي ومصانعه التي هاجرت قبل بضعة عقود نحو العمالة الرخيصة ويملأ قلب المدن البائس خبزا بعد ان ملئت مخدرات وجرائم وسجون ويرفع عبء الديون عن فقراء السود واللاتينيين خريجي الجامعات بالتوسل المضحك الي الجامعات والكليات بتخفيف تكاليف الدراسة. تأمّل سطحية وخفة وقلة حيلة رئيس دولة راسمالية قائدة حين سُئل عن مصطلح "الاحتباس الحراري" الذي يقض ،بل يقد، مضجع الانسان المعاصر ازاء ازمة التغيير المناخي ؛ والذي هو من صنع وعواقب التراكم الراسمالي الجائر الذي ألهاه التراكم حتي زار المقابر؛ حين سُئل عن موقفه من الاحتباس الحراري قال انها حالة المناخ الطبيعية ، حيث كان بارداً وأرتفعت حرارته وسيبرد لاحقاً !!! أي والله كانت تلك اجابته ... هذا مدعاة للأسف والشفقة والرأفة عليه وعلى الراسمالية ومآلات شعوب امريكا والكوكب الأرضي قاطبة كون مفهوم كارزما المعاصر وهو خارج من رحم ديمقراطيتها أنتج خالي ذهن لا يعرف معني مصطلح الاحتباس الحراري الذي ظل يؤرق النخب التقدمية ويهدد الوجود الانساني قاطبة. فوز ترمب تجسيد لموت الكاريزما ومؤشر الي ضعف نخب الراسمالية المعاصرة وأزمتها ونهاية تاريخها.
[7]
الراسمالية المعاصرة: حالة انعطاف أم تفسّخ؟
لاجدال حول مكاسب وحظوات وامتيازات الدولة الراسمالية المهيمنة القائدة طبيعيا ومجانياً كونها قائدة كإجماع وفرضية ومسلمة مفروغ منها؛ ومنها مثلاً استخدام عملتها "الدولار الامريكي" كعملة موثوق بها وعليها طلب عالمي يعلي من قيمتها كعملة تعادل بها الدول جميعها عملتها وتحفظ عبرها احتياطيها وتستبدل بها الصادرات والواردات. يتساءل البعض عن مغبة نزوع دونالد ترمب للانسحاب من هذه الحظوة كونه يطلب اعفاء امريكا من مستحقاتها في الأحلاف العسكرية والتجارية. رغبة ترمب اللاعقلانية في رفض مبادئ التجارة الحرة والأسواق المنفتحة وإعادة العملية الانتاجية والاقتصاد الامريكي الي عهد الراسمالية الصناعية وزهده في قيادة الراسمالية المعاصرة يعبّر عن انعطاف وتراجع عن مسلمات وثوابت راسخة في منهج وآليات الراسمالية كوكبياً ؛ اما أمريكياً هو اعلان إنسحاب امريكا ذات العماد صراحة من تكلفة استحقاقات الدولة المهيمنة كالصرف علي الأحلاف والاتفاقيات التجارية والعسكرية والسياسية بمباركة الناخب الامريكي.
ياله من مشهد لاعقلاني دراماتيكي ورسالة مضللة تلك التي تبثها نخب الراسمالية ،هنا والآن عبر خطاب دونالد ترمب ، فحواها الفكري والبراغماتي انها تزهد في شروط التراكم الراسمالي ووتنفي قلبه وشرايينه ولحمته وسداه وهو التوسّع والانتشار والهيمنة !!! ويسعي ذات الخطاب ،تحت هذيان ما، الي العزلة والوقائية والقطرية لإنقاذ الشعب الامريكي المختار وإعادة الحلم الامريكي العظيم.
تراجع متوسط دخول الأمريكان منذ السبعينات اصبح من المخاوف التي خاطبها ترمب متثمراً قناعة الامريكي بان نخبه الحاكمة تخون مصالحه لمصلحة احتكارات عالمية ومكنيزمات نقلت الصناعات خارج امريكا حيث العمل الرخيص وصادرت الحلم الامريكي النبيل. نحن ازاء شرائح أمريكية عريضة تشك وتتبرأ من النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية الامريكية المهيمنة (ملأ أعلي من حزبين حاكمين يتبادلان السطوة والامتياز واعلام إلكتروني افتراضي وصحفي وفضائيات.. الخ) تمقتها ولا تثق فيها وتتهمها بالتآمر ضد مصالحها والاستهانة بهمومها وتركل حلمها الأعظم.
اعتمد الاقتصاد العالمي المعولم المعاصر علي منطق ثنائية التجارة الحرة (اقرأ الانفتاح) والوقائية معاً علي تناقضهما ، وحافظ الاقتصاد السياسي الامريكي علي امتياز الدولة المهيمنة والسائدة الذي غطي حسابياً علي حقيقته القلقة انه تحول منذ سبعينات القرن الماضي الي اقتصاد استهلاكي يعتمد علي واردات رخيصة (اذا استثنينا مجمع الأسلحة) وأتي عليه حين من الدهر فرضت براغماتية ومنطق تراكم الارباح ان يتخلي عن مصانعه الكبيرة ويهاجر حيث العمالة الرخيصة فلكياً. اذن نحن بصدد رئيس أمريكي منتخب راهن بعبثية علي التنازل عن هيمنة امريكا اقتصادياً وسياسياً وأمنياً كمجازفة وضربة في الظلام ضد قوانين وشروط الهيمنة ومنها (رفض الاتفاقيات التجارية والمالية ذات مؤسسات راسمالية عالمية وصندوق النقد والبنك الدولي واتفاقيات باريس واتفاقية شمال امريكا التجارية الخ) .
لسان حال الشرائح السائدة الحاكمة هو ان فوز ترمب ،في التحليل النهائي، توبيخ وتعنيف تاريخي لامزيد عليه لنواميس الديمقراطية اللبرالية وقواعد وشروط بنيتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كما عبّرت عن ذلك جميع بيوتات الخبرة وصناعة الاعلام السائدة ومنها جريدة الإكونوميست وال سي ان ان وفورين بوليسي ونيويورك تايمز وول استريت الخ. جميعها عبّرت عنها بوضوح وهي تدق ناقوس الخطر علي ارم ذات الانفتاح والأسواق وهي تنبّه محذرة من اندياح تجربة خروج بريطانيا من المجتمع الاقتصادي الاوروبي (بريطانيا اكزيت المشهورة بالاختصار بريكسيت) كترسيخ لخطيئة القومية وتعصبها التي علت عليها انفتاحية الاسواق بذريعة تسويغ وحدة الإنسانية في تنوع الاسواق كون خطاب رونالد ترمب في الانتخابات الامريكية هروب للأمام من حتمية او قل حلم نهاية التاريخ الراسمالي.
ضمن هذا المشهد المسرحي الواقعي تتخوّف الاسواق العالمية ، الى حين إشعار آخر، وتتردد ازاء زعزعة هذا الإجماع الراسمالي المقدّس التي تترسّم خطاه وتتخلّق ضمن سياقه ومنطقه الارضي العتيد، إجماع واشنطون. وهل نحن ازاء ترسم خطي نهاية التاريخ الراسمالي واليوتوبيا قبل بزوغ الانهيار البيئي الذي يجهله تاجر العصر الحديث دونالد ترمب؟ ام ان امريكا عبره ستتنازل عن قيادة الراسمالية وتعاف جيفة سوءة توزيع الثروات والدخول المعولمة وتتركها الي نازيين وفاشيين محتملين جُدد شعارهم استعمار جديد أو مشروع تحرّر ينمو تحت طين وطحالب التفسّخ!!
هذا من ناحية المنظور الاقتصادي اما من مننظور سياسي/ثقافي هو خطورة التمكين لهوية عصبية جديدة قوامها امتياز البيض كسكان أصليين جدد من جهة الهوية التي تضمر نهاية تاريخ المعطي اللبرالي بتوسعه وانفتاحه علي جميع الهويات التي تضامنت علي قيم المواطنة.
هوامش
أزمة راس المال المالي الاحتكاري ومآلاتها:
تغيرت طبيعة العملية التراكمية لراس المال حيث اصبح راس المال الاحتكاري السائد يميل نحو التمويل (التأمين والعقارات) وتميل البنوك نحو التسليف واستخدام الديون كآليات لامتصاص الفائض والهروب من مخاطر الانتاج الصناعي الي المضاربة في الاصول المالية مقابل الاستثمار في القطاع الصناعي والزراعي. هذه الاستثمارات لا تذهب الي الناتج القومي الوطني الذي تقصده سياسات الدولة. اذا كانت ديون امريكا اكثر من ثلاثة أضعاف ناتجها القومي في 2005 فماذا تجدي سياساتها الآنية!! تتهرّب الشركات العظمي من مخاطر الانتاج الحقيقي وتبعاته وبضائعه وقيمته وتفضّل المضاربة بإستخدام الاسواق المالية وبورصاتها التي اخترعت بضاعتها الخاصة بها من صناديق تحوّط ومشتقات وعقود آجلة. خلقت هذه البنية المتناقضة بين الانتاج الحقيقي والمالي فقاعات في الاسواق المالية (ازمات 1987 و 2000 و2008 ) . من مظاهر هذه الازمة البنيوية هو تصاعد ديون امريكا كنسبة من الانتاج القومي وتصاعد ديون المستهلك في أسواق العقارات الذي أدي الي فقاعة 2008/9 في امريكا التي انداحت نحو الاسواق العالمية ذات الحبك وكأكبر اقتصاد مدين ومديون مما يعني وجود افراط في استخدام عملتها (الدولار). لاحظ ان الصين وحدها تحمل مليارات من الدولار كعملة الاحتياطي الاساسية الوحيدة. اذن فان انهيار العملة ( الآن وهنا) يعني الرماد كال حماد (هناك) كما حدث في ازمة الاسواق المالية الاسيوية اضافة الي الركود العالمي. صحيح ان البنوك المركزية جاهزة لانقاذ الموقف الطارئ باستخدام ضرائب الطبقات ذات الدخل المحدود (الطبقات الوسطي الموعودة بالحلم). يقتضي المنطق الاقتصادي زيادة الانتاج الوطني مع زيادة الدين اما الشاهد في امريكا يزيد الدين علي الدولة ولايزيد انتاجها الوطني (علي كل دولار دين زاد الانتاج باقل من 20 سنت حسب احصائية العقد الماضي !). من يدفع ثمن مخاطر وخسارات المضاربة في اسواق راس المال المالي (الطبقة الوسطي) وهم شرائح تعاني من العطالة وخدمات القطاع العام التعليمية وديون باهظة وانخفاض حظوظها من الرعاية الصحية والمعاش ثم العبء الضريبي، وهم من صوّت الي ترمب لانقاذهم ولكن هيهات. انقضي زمن محفزات الراسمالية للاستثمار الانتاجي مثل الاختراعات الكبري كالبخار والفحم والعربات والنفط او صرف جهتز الدولة الكينزي الضخم ؛ وأصبحت الاقتصاديات الراسمالية المعاصرة توظّف التقنية والثورة المعلوماتية في القطاع المالي (التمويلية في أسواق راس المال المالي) لتحقيق الربح السريع غير ان عدم الاستقرار الدائم الذي تعاني منه هذه الاسواق المالية وأزمات فقاعاتها المتكررة جعلها غير مرشحة لانقاذ الركود الاقتصادي كما شهدنا في العقود السابقة.
هذه المرحلة من أزمة راس المال المالي الاحتكاري ذات علاقة وطيدة بالامبريالية المعاصرة وانتشار القواعد العسكرية الامريكية واختراع الحروب واستثمارها وأثننتها أو تديينها لتحريك سوق انتاج الصناعات العسكرية حيث الموارد الاستراتيجية من نفط ومعادن (حروب افغانستان ، العراق، ليبيا ، سوريا ، اليمن ، الصومال ، السودان وافريقيا الوسطي الخ) وزيادة صرف الحكومة الامريكية العسكري. من يدفع ثمن مخاطر أسواق راس المال المالي وهذه الهيمنة الامبريالية الامريكية الفادحة؟ هذا هو جوهر الازمة الطبقية التي تدور رحاها في الانتخابات الامريكية ولاترغب أجهزتها الاعلامية فضحها وتخشي الافصاح عن جذورها الآيدلوجية. وهي ذات النخب التي فغرت فاه مستغربة صبيحة فوز ترمب.
تناول معركة انتخابات امريكا في دول العالم الثالث والثاني ليست بذخاً مجانياً كما يصوّر البعض وانما لكون الدول الكبري نصّبت نفسها شرطة عالمية (جندرمة) تفرض سياسات اللبرالية الجديدة ومؤسساتها (البنك والصندوق ومظمة التجارة العالمية) لاستنزاف العالم الثالث وافقاره والفتك به بالتحالف مع راس المال المالي الاحتكاري.
هذا هو جوهر شغل مناهج واستراتيجيات وآليات راس المال المالي الاحتكاري العالمي اللاعقلاني الجائر ولابد من إلتزام قاعدي لمقارعته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.