يصح القول بأن من نتائج سنوات الحرب الطويلة، وسياسات الشمولية والتغول، أن كرامة الكلمة قد إمتهنت. فلم تعد كلمة الشعب ضعيفة ومقهورة وممنوعة عن التعبير الحر فقط، بل إن الكلمات من حيث هي تربية وإلتزام، لم تعد ذات معنى. فأصبحت الثقافة في هذا الإطار مجرد مطية تبريرية أو تلاعب لغوي يخفي خلفه القوة المجردة. إلا أنه في البدء كان الكلم. والكلمات من حيث هي بيت الحقيقة، فهي مجال تعبير صادق ونضال. وهي تواضع المرء للأدب والعقل الحر، يوطن نفسه عبرها كشخص صالح. ينشد العدالة والسلام والحرية عبر ممارسة مبدئية شكلاً ومضموناً. من هذا المنطلق فإننا، في رسالتنا هذه، كمثقفين شماليين، نود أن نكتب شيئا عن نيرتتي نتحرر نحن أنفسنا عبره، إذ أن دعم الرفاق للرفاق هو مجال خروج من ضيق الأصول والتاريخ إلى سعة الإنسانية والحق. وبالتالي فإن هذه الرسالة هي ليست دعماً فقط، بل هي شهادة بأن إعتصامات دارفور المشهودة هي طريق الوطن الحقيقي للنور. تقود فيه الكتل الفقيرة المهمشة شعلة الحقيقة القائلة أن الظلم مكسور أمام القوة المدنية السلمية. وذلك من كرامات المستضعف، فهو قائد، دائماً، لموكب نحو الحق كل من يسير خلفه حر. نحن إذ ندعم إعتصام نيرتتي وبقية إعتصامات كل أهل الهامش في كل أرجاء السودان، فإننا نود أن نوطن أنفسنا على فهم للتاريخ، فتاريخنا في المركز حفي بالإمتياز والظلم والطغيان على بقية مكونات الشعب. بالرق وحرب الإبادة الجماعية والحرب الدينية والإستعلاء الديني والعرقي. فمن جانب، وجب أن لا يقف الدعم على شعارات الحرية المطلقة غير المحددة، بل أن يمتد لأن نثبت في عقولنا تحرراً من هذا الماضي عبر العمل الشاق والدؤوب لإصلاح الإختلالات الإمتيازية والمظالم التاريخية بالالتزام في مشروع سياسي وإجتماعي واضح المعالم، يقوده المظلومون ونتشاركه معهم كتفاً بكتف. ومن جانب آخر، فإن هذه المظالم لا يمكن حلها بموقع ذاتي لا تاريخي تكبله عقدة ذنب مرسلة، تمنع عنا النظر لأنفسنا كخارجين من التاريخ إلى المستقبل العادل. ما يحرر الإنسان من عقدة الذنب المكبلة هو إعترافه السياسي الواقعي المادي بالذنب عبر العمل الصادق من أجل إصلاح الإختلالات، حتى وإن مسته العدالة بسوءة إستعادة أهل الحق للحق في مصلحته الضيقة ومصلحة أهله وعشيرته. إن طريق النور الذي هو نيرتتي، وبقية إعتصامات المظلومين في أطراف السودان، هو في إعادة توجيه دفة القيادة، من المركز نحو الكتلة التي في نضالها المناطقي هي تعبير عن العام والمطلق. وهو كذلك في إستعادة صوت المواطن الأصيل، بلا نيابة ولا تمثيل. وهو تعبير السلمية، من حيث هي حراك الكتلة الديمقراطية، عن قوتها المطلقة التي لا تسعى إلى استجداء الحرية بل تهدد المستبدين مباشرة وتركعهم. وطريق النور الذي هو إعتصام نيرتتي، وبقية إعتصامات الهامش، هو طريق الهامش نحو مركزيته كتعبير عن مستقبل الوطن. فلا إنطلاق وخير عام، بلا تحول الوعي القومي إلى وعي إجتماعي، في تعبير رائد التحرر الأفريقي فرانز فانون، ونيرتتي هي نقطة إنفتاح وعي السودانيين على مسائلهم القومية المناطقية في شكلها الإجتماعي المادي. ولهذا الإنفتاح تبعات: نحن نتحرر عبر مطالب نيرتتي من مناطقنا ومن إنحيازاتنا التاريخية، وهذه التربية هي أساس تحول السودانيين إلى شعب رائد في الرفاقية العابرة لأطر العرق والمنطقة. سنعمل على أن تكون نيرتتي، في يوم ما، نقطة التحول التاريخية من حروب العرق والهوية السودانية، إلى الهوية السودانية التي تقول بإلتفاف الفقير حول أخيه الفقير، والمظلوم صحبة رفيقه المظلوم، عبوراً، بلا نسيان للتاريخ، من الضيق نحو الوسع. وذلك الوسع هو دور السودان التاريخي في قارة أنهكها الوعي القومي وآن أوان تحولها للوعي الإجتماعي. للكلمات كرامة. تستردها متى قام شعب ما في مكان ما منافحاً عبر الحق أعزلاً عن ما سواه. ونيرتتي هي نور أسترداد كرامة الكلمة، نربي أنفسنا عليها ونستظل بظلها، و نسعى نحو الصدق الذي يجعلنا كمثقفين خدماً للوطن عبر الحقيقة. إننا نتحرر عبر الكادحين. شكرا لأهلنا في نيرتتي، ولن يضيع حق حملتوه على الأجساد التي هي نور الله في الأرض. الموقعون: نجلاء عثمان التوم مامون التلب قصي همرور خالد ادم عبد القادر محمد سيف الدولة صالح عبد الرحمن عثمان رؤى أحمد مرثد حيدر وسام عبود مجاهد إبراهيم عمر التكينة راوية مامون محمود المعتصم محمد بشرى شيلي محمد يحيى الفارسي أبوبكر خلف الله الحاج ميادة محمد الحسن الطيب الهداي ذو النون علي أبو بكر الشيخ أبو بكر حيدر حسن محمد علي بابكر مصعب عثمان القاسم داليا فتح الرحمن أحمد أمل كمال النور أحمد النور عبد الرحمن عثمان محمد إبراهيم عمر سماح عبد الرحيم