عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. الصادق المهدي يحب الفرقعات. هذه حقيقة عرفها الشعب السوداني جيدا بطول معايشته للرجل الذي تعلم حلاقة الحكم فوق رأس شعبنا. والصادق مسكون برغبة اخرى، تكاد تكون اكولة لحوحة تحرق في حشاه وهي حب الظهور والاستئثار بالمشهد. حتى ان المرحوم منصور خالد وصفه بانه لو رأى جنازة حاشدة لأحب ان يكون هو الميت. اما ثالثة اثافي الصادق فهي اساره المعرفي التاريخي، فهو مسكون بغيرته (وليس فخره) من جده البطل العظيم الذي اجتمع حوله السودانيون ليقود ثورتهم في القرن التاسع عشر، ويود الصادق لو كان وريث هذا المجد التليد والاحتشاد الشعبي الصادق. ولكن هيهات له، فحب الناس واحتشادهم حول المهدي الجد جاء نتيجة ميزات شخصية واجتهادات ومجاهدات صبر وصابر عليها الامام محمد احمد المهدي وتقاصرت شخصية الحفيد عن بلوغ مناصيها او احتمال رهقها وتكاليفها. ولكن الصادق لا ييأس ولا يمل، ففي كل ثورة يصنعها الشعب السوداني يحاول ان يضع نفسه في مركز الفعل، فاضاع ثمار ثورتين في اكتوبر 64 وابريل 85 وها هو يحاول العبث بالثالثة. منذ اندلاع الثورة المجيدة في ديسمبر 2020 ظل الصادق برغم تدافع شباب حزبه في لجان المقاومة وتنظيمات الثورة القاعدية المختلفة، يقف متفرجا على شعب السودان مؤثرا السلامة ومطلقا التصريحات المثبطة حينا والمتلونة حينا اخر وغير المفهومة على الاطلاق في مرات اخرى. وعندما لاحت بوارق انتصار الثورة دفع الصادق باثنين من المقربين له في هياكل قيادة الحرية والتغيير، ابنته الاثيرة مريم، والقيادي في حزبه صلاح مناع والذي وبالرغم من الشبهات التي ظلت تحوم حوله وتلاحقه تمكن ليس فقط في حزب الامة - باعتباره الممول الاول لتغطية منصرفات الصادق- وفي الحرية والتغيير باعتباره عضو مجلسها المركزي بل ظل يحاول التمدد في اجهزة الدولة والخدمة المدنية، مصادما طاقم عمل حمدوك الوزاري في بعض الاحيان، وشركاءه في الحرية والتغيير في احيان اخرى، ورفاقه الاحباب في حزب الامة في احيان ثالثة. واستقر الامر لمريم ومناع في المجلس القيادي للحرية والتغيير ليشاركوا في اقتراح ووضع القائمة الاولى المقترحة للولاة والذين دفع بهم مناع حسب موازنته وبحسب حساباته لموازين الصراع داخل حزب الامة حتى انتهى الامر الي قائمة ال18 والي المقترحين الذين سلمتهم الحرية والتغيير بشكل رسمي لرئاسة الوزراء بوفد معتمد يمثل المجلس المركزي وضم في عضويته او بالأصح على رأسه كما ينبغي احتراما للمقامات: الدكتورة المنصورة مريم الصادق المهدي. جاء ذلك الوفد حاملا اسماء مرشحيه المقترحين لرئيس الوزراء وهم يضمون 5 مقاعد مخصصة لحزب الامة بحسب ما اتفقت عليه القوى السياسية، ورفضوا لفترة طويلة اي تغيير في هذه القائمة لاصلاح تشوهاتها حتى اقتنعوا اخيرا باجراء بعض المعالجات لتمثيل النساء ومعالجة بعض اوضاع الواايات ولكن كل هذه المعالجات لم تخصم من نصيب الاسد الذي ناله حزب الامة، بل زادت على مقاعده مقعدا اخر لينال حصة ستة ولايات محسوبة عليه، ويحكمها منسوبيه الذين رشحهم الامة عبر تنسيقيات الحرية والتغيير الولائية وسلمتهم المنصورة نائبة رئيس الحزب وممثلته في المجلس المركزي للحرية والتغيير بشكل رسمي لمكتب رئيس الوزراء. ولكن ويا للدهشة خرج حزب الصادق المهدي بمؤتمره الصحفي الذي اعلن فيه رفضه لما تم في عملية اختيار الولاة ( الذين شارك عبر ممثليه المعتمدين في عملية اختيارهم من الالف الي الياء) ويطلب من منتسبيه الانسحاب! دفوعات وادعاءات الصادق التي جاءت مستترة خلف الذين تحدثوا في الموتمر الصحفي، غير معقولة. فقد ظل حزب الامة في بياناته المنفردة وعبر وجوده في الحرية والتغيير يضغط على الجهاز التنفيذ لتعيين الولاة المدنيين منذ يناير الماضي مغلقا الباب امام اي نقاشات موضوعية حول اصلاح القائمة المقدمة ولكن يبدو ان تفسير ما يحدث من قبل الصادق لا يمكن التوصل اليه بدون النظر الي اثافي الصادق الثلاثة التي المذكورة في بداية المقال. الفرقعات، وحب الظهور، ووهم الامامة. وبالنظر الي ما يفعله الصادق وهو يعلم تماما ان الولاة وجماهير حزب الامة في الولايات لن تقبل بهذا للانسحاب وبعض هذه الولايات مثل غرب دارفور قاتل فيها حزب الامة قتالا طويلا لتثبيت المرشح المنتمي له -والذي هو نائب رئيس الحزب محمد عبدالله الدومة! يبدو الصادق متوجسا بشدة من وجود افراد من حزب الامة مرشحين من ولاياتهم ويحكمونها بدون ان يكون هو المسيطر عليهم. هذا الامر يهدد سلطته الطائفية التي ظل يحاول ان يفرضها على اذهان جماهيره بشكل غيبي، ويوهمهم بان طريقهم الوحيد الي المشاركة السياسية لابد وان يمر عبره او عبر من يختارهم هو بنفسه ليعمل بمباركة ال المهدي. ولكن وجود ترشيح واختيار مباشر من الناس والحزب لحكام ولايات منتمين لحزب الامة، يهدد سلطته داخل المؤسسة، ولهذا طلب منهم الانسحاب. فالصادق لا يود ان يكون لحزب الامة شعار غير لا نصادق الا الصادق. وفي الغالب لن يلقي الولاة المكلفين بالا لمطالبته هذه، وهو ما سيشكل هزيمة كبيرة لمشروعية قيادته لحزب الامة. كما ان الصادق مشغول بالسلطة المركزية، وعندما بان له بان العمر ومجريات الثورة لن يسمحا له بان يصبح رئيس اللوزراء للمرة الثالثة، حاول ان يدير البلد من خلف ستار بمثل هذه الفرقعات السياسية والابتزاز. وعندما اتضح له ان حمدوك وطاقمه الوزاري لن يخضع لاملاءته المباشرة وغير المباشرة، بل هم قوم متأهبون لنقاش وجدل اي فكرة والتعامل مع محتواها الموضوعي دون منحها القداسة الطائفية التي يريدها الصادق، انساق وراء حملة وزحف محمومين يهدفان الي شيئين: محاولة اضعاف صورة حمدوك بالقاء الاتهامات الشعبوية يمينا ويسارا، وانكار مشاركة حزب الامة في توجيه الحرية والتغيير، والثاني المزايدة بمقاعد الولاة من اجل الحصول على اربعة مقاعد في مجلس الوزراء، يأتي فيها بمن يقولون له سمعا وطاعة ويشكلون خميرة عكننة داخل المجلس. وما الدليل على ذلك باكثر من بيان الخمسة صفحات الذي كتبه الصادق بقلمه ونشره البدوي منسوبا اليه (ويشهد على ذلك بيت الشعر الذي ورد في خاتمة بيان البدوي وهو من قصيدة المقنع الكندي التي كثيرا ما يرددها الصادق في كتاباته، فالرجل لم يبذل ادنى جهد في الحفاظ على كرامة البدوي وهو يكتب باسمه)، وقد جاء ذلك الخطاب محتويا على مغالطات يدرك فداحتها طالب السنة الاولى في كلية الاقتصاد، بعد اربعة ايام من الموقف المحترم الاول للبدوي بقبوله الاعفاء من التكليف، ولم يكن من الغريب انبيان البدوي بقلم الصادق صدر عندما احتدمت المشاورات من اجل اختيار القائمة النهائية للولاة. الصادق في متاهاته الاخيرة ولكأنه يتحسر على ايام البشير، حينما كان بقدم في قيادة المعارضة وبقدم اخر في قلب القصر الجمهوري، يمارس الابتزاز السياسي على الجميع وينجح، ولكن ما يحدث الان كف له بوضوح ان قبعة الصادق ،او ربما هي عمامة الامام، قد خلت من الارانب.