“The Writing on the Wall" (2) مهما كان حزب المؤتمر الوطني محقاً في إصراره على إجراء الانتخابات، ليته يتدبر الآية الكريمة، "قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي". ليس المطلوب من المؤتمر الوطني أن يتبع السامري أو أن يعبد العجل بل أن يقتدي بما فعله "هارون" رغم اقتناعه بخطأ و خطل قومه، فيقبل بمجرد تأجيل الانتخابات ..... و حتماً سيعود "موسى" في يوم قريب و بيده "الألواح". ***** ليست الانتخابات و لا الديمقراطية و لا الوصول إلى الحكم عن طريقها أو غيره و لا السياسة في مجملها غايات في حد ذاتها و ما هي إلا وسائل للبحث عن أفضل صيغ ممكنة لتحقيق رفاه الأمة و إسعاد كل بنيها و صيانة وحدتها و سيادتها و تعزيز مكانتها العالمية و إسهامها في أمن و سلام و تقدم الأسرة الدولية. في حالنا نحن بالذات و تحديداً في الوقت الراهن ليست الانتخابات هي ما نحتاجه بل هي آخر ما نحتاجه خاصة و قد أفرز مجرد مقاربتنا منها و إقدامنا عليها – نحن حديثو أو بعيدو العهد بها- أفرز المزيد من الفرقة و الشتات في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لجمع الشمل و توحيد الصفوف لمجابهة أخطار جسام تحدق بالأمة و تحديات عظام تواجهها و تطورات قد تكون الأهم في تاريخها توشك أن تحدث. ما يصون وحدة و سيادة ما بقي من الأمة الآن و يجنب أبناءها الفرقة و الشتات و التناحر و يحول دون تعريض مصالحهم للخطر و حالهم للبوار هو إرجاء الانتخابات و ليس إجراؤها بأي شكل كان. لو أن الغاية أهم بكثير من الوسيلة فإن الغايات التي نحن بصددها الآن و التي تستدعي الانتباه السريع و الاهتمام العاجل هي ما ذكرنا و الوسيلة إليها هي تأجيل الانتخابات و ليست إجراءها بأي حالٍ من الأحوال الآن. ليس ما تقدم طعناً في أهمية ممارسة الديمقراطية الحقيقية الصحيحة و السليمة و ضرورة اعتمادها كوسيلة لا بديل عنها للحياة السياسية و التعايش بين كافة الأفكار و الأطروحات في وئام و سلام فذلك حق طبيعي كالماء و الضوء و الهواء سيفرض نفسه طال الزمن أو قصر. الاعتراض هنا على التوقيت و الظرفية إذ لدينا في الوقت الراهن ما هو أهم بكثير من مجرد إجراء انتخابات، ليس ذلك فحسب بل لدينا ما يجب أن يجعلنا جميعاً حريصين على أن نجريها في وقت أفضل و بصورة أمثل تكفل أن تحقق من النتائج ما يجعلنا جميعاً راضين عنها و قانعين أن أجريناها و راغبين في تكرارها و الحرص عليها في إطار ممارسة ديمقراطية سليمة لا نحيد عنها أو نتحول. إلى حين ذلك و لمعالجة أمر الانتخابات و أمور غيره أهم منه و أكثر إلحاحاً فإن الخيار الأمثل هو ما أقترحه بعض قادة العمل السياسي و الذي يقضي بتشكيل حكومة قومية. نعم لنؤجل الانتخابات لكن إلى ما بعد الاستفتاء الشكلي لتقرير مصير الجنوب الذي تقرر و أنتهي منذ أمد بعيد و الذي لن يثني الجنوبيون عنه أي تطور في الشمال و لو كان ذلك التطور مسح سلطة الإنقاذ من الوجود و العودة بعجلة الزمان إلى ما قبل توليها بل ما قبل حصول البلاد على الاستقلال. لتعمل حكومتنا القومية على جعل انفصال الجنوب الحتمي سلمياً و حسم المسائل المعلقة المرتبطة به و جعل ما بعده سلاماً وتعايشاً و تعاوناً بين جارتين قد يصير يوماً ما وحدة طوعية. ليكون تركيز الحكومة القومية الأكبر الآن على مشكلة دارفور و التي هي بسبب عدة عوامل وتأثير عدة جهات جنوبٌ آخر “in the making". يجب أن تتسارع و تكثف الجهود لحل مشكلة دارفور من أجل دارفور و إنسان دارفور و ليس لمجرد تجهيزهما للانتخابات و الانصراف عنهما بعد ذلك فذاك أمر مستهجن و أشبه بتسمين الشاة لذبحها. لتكف أحزاب الشمال عن “going to bed" مع الحركة الشعبية، كما يقول الغربيون، و عن الإستقواء بالغرب الذي يصرِّح بأنه لا يهمه الآن سوى "الطلاق المدني" بين الشمال و الجنوب و بعده فليذهب كل الشمال حكومة و أحزاباً و شعباً إلى الجحيم و ليبدأ مسلسل دارفور. من الأجدر بأحزاب الشمال اليوم وغداً “doing their homework and cleaning their home and act" و الإستقواء بالغبش الذين بمقدورهم إن شاءوا و رأوا فيها نفعاً و صلاحاً أن يعيدونها إلى السلطة "انتخابات أو لا انتخابات" و من الأجدر بالحكومة أن تقوم، ضمن جملة أشياء، بدعم الأحزاب و إتاحة حرية الحركة و الممارسة لها لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي. لقد حسمت "الحركة" خياراتها:الإصرار على استفتاءٍ في موعده سوف يؤدي حتماً إلى الانفصال و الاستفادة من ما تبقى من الوقت ليس لجعل خيار الوحدة جاذباً بل ل “wreaking as much havoc as possible" في الشمال بعد أن حالت بيدها القوية بين الشمال و بين أي تدخل أو تأثير بأي شكل أو درجة في الجنوب و إحداث أكبر قدر ممكن من الفوضى السياسية فيه و أيقاد الفتنة فيه تلو الفتنة و إشعال النار تلو النار مستغلة في ذلك حاجة الأحزاب و القوى السياسية الشمالية لأنيابها "الحركة" و مخالبها. تهدف "الحركة" من خلال ذلك إلى ضمان أن يجري الاستفتاء في مواعيده و أن يأتي بالنتائج المنتظرة و أن يكون الشمال في حالة استدعاء الأمر قبل ذلك أو بعده استخداماً للقوة ممزقاً مشتتاً منشغلاً بنفسه. ليت حدسي يكون في هذا كاذباً: ترجح الجغرافيا و التاريخ و مسار الأمور أن يعود الجنوب و الشمال لشكل من أشكال الحرب ما لم يحكَّم العقل و يتدخل الحكماء في الطرفين. سيكون مبعث ذلك أن تفرض الحركة واقعاً على الأرض ضحى إعلان الانفصال عن الشمال. و بما أنه للحركة مطالب أو مطامع في الشمال إن تغاضينا عن الثارات، فسوف تسعى بكل ما أوتيت من وسائل للحيلولة دون حل مشكلة دارفور و سوف تكون مخلب القط الجديد المسخر لقلقلة الشمال فوجود شمال ممزق و مشتت أضمن لتحقيق مآربها. في مقابل ذلك نجد الشمال منصرفاً أو مصروفاً بتدبير محكم و في غفلة منه عن التفكير في ذلك أو الإعداد له أو العمل على تلافيه بالتناحر حول السلطة. ليت المؤتمر الوطني و كافة الأحزاب يقرأون “The Writing on the Wall" قبل ضحى الغد و يدركون أن السلام الذي لا تدعمه قوة يصير استسلاماً، أنه حتى الحق المبين يحتاج لحماية و حراسة، أن الضعف يغري بالتغول و انه حتى و لو خلصت النوايا فإن .“Good virtual and physical fences make good neighbours" نعم إن الحزب الوطني جاهز للانتخابات و قد يكسبها أو يكتسحها و نعم من حقه أن يتطلع إلى ذلك لكنه ليس في ذلك الأمر وحده و ليست الانتخابات وحدها هي الأمر الذي يهم مجموع السودانيين الآن. لن تذهب مشاكلنا بإجراء الانتخابات بل ستنضاف إليها مشاكل يفرزها إجراؤها و ظهور نتائجها و لن يُترك الوطن أو حزب المؤتمر الوطني لينعم بذلك. مهما كان حزب المؤتمر الوطني محقاً في أمر الانتخابات ليته يتدبر الآية الكريمة، "قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي". ليس المطلوب من المؤتمر الوطني أن يتبع السامري أو يعبد العجل بل أن يقتدي بما فعله "هارون" رغم اقتناعه بخطأ و خطل قومه فيقبل بمجرد تأجيل الانتخابات فهنالك من يقول " فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" .... و ليطمئن إلى أن "موسى" سيعود حتماً في يوم قريب و في يده "الألواح". و أخيراً هذه “Writing on the Wall for Us All" “At the end of the day, it is not about this party or that; it is about the country and the people"