أحاول في هذا المقال استخلاص درس من إنفجار بيروت يفيدنا فيما نحن مقبلين عليه في السودان من ترتيبات سياسية للسلام. وقد يبدو من الوهلة الأولى أن محاولة إقامة رابط بين كارثة بيروت وبين سلام السودان محاولة متعسفة. لكن الرابط يتجلى عندما ندرك السبب الحقيقي للكارثة. الحقيقي وليس السبب المباشر وهو أعمال لحام في باب المستودع 12 المخزنة به نترات الأمونيوم. السبب الحقيقي للانفجار هو شلل الدولة : هل الإهمال والفساد هما سبب كارثة بيروت التي قتلت ما يزيد عن 150 وشردت 300 ألف عائلة وقدرت خسائرها بين 10 إلى 15 مليار دولار أم أن هناك سبب أكثر جذرية؟ كان يمكن قبول الإهمال كسبب إن كانت المواد المتفجرة المخزنة لم يتم التبليغ عنها. لكن وجود هذه المواد في الميناء وخطرها كان معروف لأجهزة الدولة. فقد تم الإبلاغ عنها أكثر من 6 مرات خلال فترة تخزينها التي إستمرت لعدة سنوات بين رسو السفينة المحملة بنترات الأمونيوم في 2013 الى وقت إنفجارها في 2020 (صرح مدير مرفأ بيروت، حسن قريطم، ومدير الجمارك اللبنانية بدري ضاهر بأن تحذيراتهما بشأن الخطر الذي تشكله نترات الأمونيوم المخزونة ودعواتهما لإزالتها قد تم تجاهلها بشكل متكرر.) السبب الحقيقي لكوارث لبنان السياسية والإقتصادية والإنسانية و أخرها الإنفجارهو لا فعالية الدولة وشللها. والشواهد على ذلك كثيرة فإنفجار بيروت 2020 قد سبقه شلل في أعمال الحكومة و إجازة الميزانية عام 2019 على إثر إطلاق نار على أحد الوزراء. فلم يتمكن مجلس الوزراء من الإنعقاد للصراع بين من يطالب بالتحقيق ومن يمنعون وصول الملف للقضاء. وقبل ذلك بقي لبنان دون رئيس جمهورية لخمسة أشهر كاملة ودون حكومة معظم سنة 2013 ولك أن تتخيل حجم المشاكل التي تنشأ و تتفاقم في ظل هذا الشلل. فما سبب شلل الدولة اللبنانية؟ إجابت هذا السؤال هي ما يهمنى في السودان ونحن مقبلون على توقيعِ سلام. سبب شلل الدولة هي التركيبة السياسية المشوهة وتوازناتها التي قُننت في إتفاقِ الطائف 1989 وأنهت الحرب الأهلية اللبنانية. هذه التركيبة السياسية وإن جلبت السلام فقد قامت على توازن سياسي طائفي فرئيس الوزراء يجب أن يكون سنياً و رئيس الجمهورية مسيحياً بينما رئيس مجلس النواب شيعياً... الخ. ومن ثم كُبلت مؤسسات الدولة فما عادت قادرة على الحركةِ أوالعملِ بسبب توازنات بين أطراف متنافرة التوجهات. ويمكن تشبيه الوضع السياسي اللبناني بصورة مبسطة كعدة أشخاص ممسكين بمقود سيارة وكل منهم يدير المقود في إتجاه مختلف مما يؤدي الي وقوع حادث يدفع ثمنه البريئون. وهذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون محقاً بأن الإنفجار "صورة لأزمة لبنان الحالية"، ودعا إلى تغير عميق وقال أن هناك حاجة إلى "نظام سياسي جديد". سلام السودان ومخاطر شلل الدولة: ونحن على أعتاب السلام تثور أسئلة مهمة من قبيلِ هل سينتقل السودان من دولة مركزية مهملة وقاهرة لأطرافها إلى دولة في مستوها المركزي والولائي مكبلة ومشلولة بتوازنات السلام؟ وهل سيكون رئيس الوزراء (حمدوك ومن بعده)مثلا قادرعلى محاسبة وزراء الحركات المسلحة؟ و ما موقف الدولة من الصراعات المسلحة والتى قد تندلع في الولايات إن كان أحد أطرافها موقع على إتفاقية السلام؟ ودونك القتال الذي نشب في 11 يونيو 2020 بين بعض أجنحة حركة عبد الواحد وشرد ألاف السكان من قراهم بحسب اليونوميد. وما مصيرالبطأ الذي يشوب عمل حكومة الثورة بسبب التوازن الحالي الذي يفرضه وجود العسكرين(رغم أن هذا الوجود مهم لمضي الفترة النتقالية لنهاياتها بسلام) بعد التوقيع ودخول أطراف جديدة في معادلة السلطة. قصور الدولة السودانية المتمثل حاليا في حل مشاكل مهمة من قبيل الإعتداءات المسلحة في الولايات يمكن فهم أسبابه ضمن إطار الصراع ضد الكيزان والعسكرين وضعف مؤسسات الدولة . لكن هناك مخاطر جدية أن يؤدي السلام القادم وتوازناته إلى أن يتحول القصور إلى شلل يصيب الدولة. ونحن نقترب من السلام (وهو أهم ما يجب أن تحققه الفترة الإنتقالية وتهون أمامه كل المخاطر) مهم أن تُرسم التركيبة السياسية التي ستقوم بشكل يحقق السلام من جهة و فعالية الدولة من جهة أخرى. لكي لا يتفجر السلام في وجوهنا كما حدث في لبنان. 8-8-2020 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.