في الوقت الذي يقدم فيه ابناءنا الشباب اليافع الدروس والعبر في الايثار ونكرات الذات والتضحية بالنفس من اجل وطن قوي معافى ينعم جميع مواطنية بالعيش الكريم، ظلت فئة من ابناء جيلنا نحن الكهول منغلقة داخل ذواتها ولا يهمها من امر الوطن الا ما يوافق مصالحها الذاتية ولا تري فيه الا بقرة حلوب مسخرة لها وبدون مقابل لإشباع نهمها الذي لا ينتهي. واذا طلب منها المقابل تقمصت دور الضحية وادعاء الظلم كذباً، فقد تعودت مثل هذه الفئة الاخذ فقط ولا يهم ان كان ذلك بالحق او بالباطل، فقط يهمها اشباع انانيتها. ولعل ما تقوم به ثلة من الأساتذة السودانيين بالجامعات السعودية هذه الايام خير مثال لهذه الفئة. فمنذ فترة تنشط مجموعة من اساتذة الجامعات السودانية بالجامعات السعودية تقودهم ثلة من اسلامويي النظام البائد متدثرة بثوب الثورة السودانية واصطلاحاتها بمساعدة بعض صحفي النظام البائد في حشد الاساتذة السودانيين بالجامعات السعودية مستخدمين اساليبهم الملتوية في تعكير المياه ثم الاصطياد فيها، من خلال تغبيش الحقائق بالترويج لما اسمهوه القضايا والمظالم التي تعرض لها الاساتذة بالخارج إبان عملهم في التدريس مسبقاً في الجامعات السودانية خلال الفترة الماضية بينها الفصل التعسفي والاستقالات الإجبارية. وما هذا الا تدليس الغرض منه التضليل لحشد اكبر مجموعة ممكنة من الاساتذة لتكوين ما تم تسميته ب "تجمع الأساتذة السودانيين بجامعات المملكة العربية السعودية" في استخدام انتهازي لمصطلحات الثورة السودانية، في حين ان قياديّ هذا الكيان الوليد من ربائب النظام البائد. وترشيح اسلاموي صريح فاقع الاسلاموية لرئاسة اللجنة التنفيذية لهذا الكيان من قبل مجموعة لا تمثل كل الاساتذة دعيت لاختيار اللجنة التنفيذية، يشيء الي دور الايادي الاسلاموية التي تجيد العمل تحت جنح الظلام في صناعة هذا الكيان. فهذا الكيان ذي الصبغة الاسلاموية والمشبوه الاهداف لا يمثل باي حال الاساتذة السودانيين بالجامعات السعودية ولا ندري ما هو الغرض الحقيقي من وراءه، وما هي الشرعية التي يستند اليها في استخدام اسم "الأساتذة السودانيين بجامعات المملكة العربية السعودية " كمطية لتحقيق اهدافه المعلن وغير المعلن منها، فلم يتم استدعاء كل الاساتذة المنضوين تحت هذا المسمي عند تكوين هذا الكيان المشبوه، وليس معلوماً لدى كثير ممن يتحدث الكيان باسمهم لا الكيفية ولا الآلية التي تم بها تكوين المكتب التنفيذي له، فهو في نهاية الامر كيان غير مفوض من "الأساتذة السودانيين بجامعات المملكة العربية السعودية " ولا يحق له استخدام اسمهم لممارسة أي نشاط. وعلي السفارة السودانية بالرياض ووزارة التعليم العالي السودانية والنقابات والمنظمات والهيئات الحكومية او غير الحكومية ان تعي ان ما يسمي " تجمع الأساتذة السودانيين بجامعات المملكة العربية السعودية " كيان غير شرعي وليست له أي صفة قانونية تخوله لتمثيل الاساتذة السودانيين بالجامعات السعودية او التحدث باسمهم، فهو كيان يقوده بعض منتسبي النظام الاسلاموي البائد ولا قضية له سوي الدفاع عن الباطل لإشباع انانية عضويته، وربما له اهداف اخري. فهو كيان مشبوه والغرض الحقيقي من انشاءه غير معلوم للأسباب التالية: اولاً: عرف الاساتذة الجامعيين السودانيين الهجرة والاغتراب للعمل بالجامعات خارج السودان منذ سبعينيات القرن الماضي وتزايدت هذه الهجرات خلال سني الاسلامويين العجاف لأسباب منها السياسي والاقتصادي. وخلال العشرة سنوات الماضية اصبح الاسلامويون انفسهم يشكلون جزء مقدر من الاساتذة الجامعيين المغتربين. فبعد ان جف ضرع التمكين اثر انفصال جنوب السودان والذي كان يوفر لهم امتيازات تفوق كثيراً ميزات الاغتراب، ساءت حالتهم هرعوا زرافات ووحدانا صوب الخليج. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا الآن؟ فمنذ سبعينيات القرن الماضي وحتي قيام الثورة السودانية المجيدة واسقاط النظام الاسلاموي الفاسد لم نسمع بان هنالك كيان نقابياً في السعودية تم تكوينه للدفاع عن قضايا الاساتذة او الاطباء او حتي أي فئة اخري، فما الجديد الان لقيام مثل هذا الكيان؟ لماذا لم يفكر هؤلاء في تكوين مثل هذا الكيان خلال العهد الاسلاموي البائد ومنهم من تعدي الخمسة سنوات ويقترب من العشرة سنوات وهو يحمل مسمي استاذ جامعي سوداني بالجامعات السعودية؟ ثانياً: من يقود هذا الكيان سوي علي مستوي مكتبه التنفيذي او مستوي من يمثلون الجامعات السودانية فيه، اسلامويون معروفون ومنهم قياديون سابقون في الجامعات السودانية ومنهم من شغل وظائف رفيعة في حكومة المشروع الحضاري الاسلاموية البائدة. ثالثاً: كل الاساتذة المنتسبون لجامعات سودانية لهم تكويناتهم النقابية في مؤسساتهم في السودان، وهي المخولة للدفاع عن مصالحهم، ومن له مشكلة حقيقية عليه الاستعانة بها، بدلا من التورط في كيان مشبوه غير معلومة اهدافه وغير معلومة الجهة التي يتبع لها قانوناً. رابعاً: ليست هنالك قضايا حقيقية وعادلة تستدعي قيام هذا الكيان، فكأنما المقصود هو قيام الكيان لذاته، وتم اختلاق القضايا المدّعاة اختلاقاً لتبرير قيام الكيان. فالغرض المعلن من قيام هذا الكيان المشبوه لا يستند على مظالم حقيقية واقعة فعلاً علي الاستاذ الجامعي وانما قائم على مغالطة للحقائق تجعل من هذا الكيان يدافع عن باطل ويكرس للفوضى كما سنبين ادناه بالتفصيل. الغرض المعلن من هذا الكيان النقابي كما جاء في بيان له هو "الدفاع عن قضايا أساتذة السودان في الجامعات السعودية" وهي كلمة حق في غير موضعها لأنه ليس هنالك من ظلم او تجني علي هؤلاء الاساتذة لا من قِبل جامعاتهم ولا من قِبل الوزارة، كما يدعي منتسبو هذا الكيان الوليد، ويروجون بمساعدة صحفي النظام البائد لكذبة تعرض الاساتذة بالخارج الى الفصل التعسفي والاستقالات الإجبارية في مجانبة صريحة للحقائق. فكل ما هنالك ان منسوبي هذا الكيان يغلفون انانيتهم بادعاء كذوب بالظلم متقمصين دور الضحية، وهم في الحقيقة من يتجنون علي النظم والقوانين السودانية بتجاوزهم لها، وعلي الجامعات السودانية بانانيتهم البغيضة. ويسعى من يقودون هذا الكيان لتجاوز القوانين وتكريس الفوضي لمقابلة شره انانيتهم التي لم يشبعها اقتياتهم ردحا من الزمان من امتيازات المناصب القيادية التي كانوا يتقلدونها بالجامعات السودانية والمؤسسات الحكومية الأخرى ابان فترة التمكين الاسلاموي في العهد البائد. فمن ظل يطّوّف بين الوظائف مقتاتاً من امتيازاتها الاسلاموية سنين عددا بفضل فقه التمكين، لن يفهم قط ان الوظيفة الحكومية حقوق وواجبات وقوانين ملزمة يجب احترامها وقبل ذلك مبادئ مهنية واخلاقية يجب التقيد بها. في حقيقة الامر لم يُظلم احد ولم يُفصل احد من الاساتذة تعسفياً او اجبر احد علي الاستقالة كما يدّعون فهذه مجرد فرية ظل يروج لها هؤلاء الاسلامويون وبعض صحفييهم لتغبيش الحقائق وخداع الراي العام ومن ثم حشد الاساتذة نحو تحقيق اهدافهم. فان كانوا صادقين يمكنهم اللجوء الي القضاء وسيجدون حقوقهم كاملة في دولة القانون، ولكن لن يجرؤ احدهم على ذلك لكذب ادعاءهم. لنستبين من هو الظالم ومن هم المظلوم دعونا نورد بعض الحقائق: تنص المادة 46/1 من قانون الخدمة المدنية السوداني علي الاتي: "يجوز منح أي عامل بطلب منه ولأسباب مقنعة ومقبولة اجازة بدون اجر لمدة او لمدد لا تتجاوز خمس سنوات على الا يتعارض ذلك مع مقتضيات العمل وعلى الا يؤثر ذلك على الاداء بالوحدة". وعليه عندما يتحصل الاستاذ الجامعي على عقد عمل بإحدى الجامعات خارج السودان ويتم التصديق له بإجازة بدون اجر فهو علي وعي تام بهذه المادة وان القانون لا يسمح له بأكثر من خمس سنوات لمثل هذه الاجازة كما ان الاجازة تختلف عن الاعارة ولكل احكامها فلا يصح الخلط. فاذا كان هذا الاستاذ مناضلاً حقوقياً وحريص على حقوق زملاءه كما يدعي، فلماذا لا يحفظ حق الدولة التي اعطته حقه كاملاً ويلتزم بالخمس سنوات التي نص عليها القانون ويعود الي عمله في السودان بعد انقضاءها، والا فعليه ان يتحمل تبعات تجاوزه للقانون؟ فالقانون يحفظ لكل منتسبي الخدمة المدنية كامل حقوقهم ولكنه ايضاً يحفظ للمؤسسة حقوقها. فكل استاذ يتمتع بإجازة بدون اجر داخل او خارج السودان له عدة خيارات بعد انتهاء هذه الاجازة: الخيار الاول: ان يعود الي عمله امتثالاً للقانون وهذا طبيعي وكثير من اساتذة الجامعات الذين يحترمون القانون ويحترمون مهنتهم عادوا الي عملهم بالسودان بعد انقضاء اجازتهم وفق القانون دون ان يمسهم احد بسوء. الخيار الثاني: اذا لم يرغب الاستاذ في العودة الي جامعته بعد انقضاء الخمس سنوات له مطلق الحرية في ان يطلب انهاء خدمته من الجامعة عن طريق الاستقالة او طلب المعاش الاختياري في حال كانت تنطبق عليه شروط هذا المعاش، وكل ذلك مكفول بالقانون. ولا يمكن تسمية ذلك استقالة اجبارية كما يروج هؤلاء الكاذبون لأنه في الاساس لم يجبره احد على هذه الاستقالة وكان متاحاً له ان يعود الى عمله معززا مكرما وفقاً للقانون، ولكنه يريد ان يُسمح له بتجاوز الخمس سنوات القانونية وفق ما يشتهي وفي نفس الوقت ان تحفظ له وظيفته بجامعته بالسودان، فهل هنالك انانية اكثر من ذلك؟ وعندما لا يجد مبتغاه يتقمص دور الضحية ويدعي انه اجبر على الاستقالة. فبالله عليكم من هو الظالم ومن هو المظلوم هنا؟ وهل يريد هذا الكيان الاسلاموي الوليد ان يصور لنا ان مثل هذا الاستاذ الاناني مظلوماً؟ وأن مهمة كيانهم المشبوه هي الدفاع عنه، او بالأحرى الدفاع عن الانانية! الخيار الثالث: ان يتجاوز الاستاذ فترة الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة اعلاه دون ان يعود خلالها الي جامعته او يطلب انهاء خدمته، وفي هذه الحالة يصبح هو الجاني على نفسه وليست الجامعة ولا مديرها، ومن حق الجامعة ان تفصله ولا يُسمي مثل هذا الفصل فصلاً تعسفياً كما يروج له كذباً وبهتاناً قادة هذا الكيان الاسلاموي المسمى "تجمع الأساتذة السودانيين بجامعات المملكة العربية السعودية" ومساندوهم من الصحفيين الكاذبين. فقد كان متاحاً لهذه الاستاذ ان يعود الي عمله بعد انقضاء اجازته او يطلب انهاء خدمته، هذا اذا كان يحترم عمله ويحترم القانون. ولكنه بدلاً عن ذلك نجده يسعي حثيثاً لتجاوز القانون بان يستمر في اجازته ما شاء له ان يستمر، ويطمع في نفس الوقت ان تحتفظ له جامعته بعمله في السودان حتي يعود يوماً ما بمزاجه، واذا تم فصله فصلاً مستحقاً وفقاً للقانون لتجاوزه البيّن، نجده يتقمص دور الضحية ويدعي كذباً وبهتاناً انه فصل تعسفياً. أرأيتم كم الانانية التي يمتلئ بها مثل هؤلاء ومقدرتهم الفائقة في عكس الحقائق، وعرفتم الان ما هي القضايا التي قام هذا الكيان من اجل الدفاع. فهذا ليس دفاعاً عن قضايا الأستاذ لأنه ليست هنالك قضية اصلا، بل هو دفاعاً عن الباطل وتكريساً للفوضى وربما له مآرب اخري. فهذا الكيان الاسلاموي الوليد يجعل من يتجاوز القانون مظلوماً ومن يحرص على تطبيقه ظالماً ومتعسفاً في عكس واضح وفاضح للمفاهيم. ويجدر التنويه هنا ايضاً ان ما تقوم به بعض الجامعات بمنح منسوبيها اكثر من خمس سنوات كإجازة بدون مرتب ليس اجراءً قانونياً، ولا يمكن القياس عليه لأنه تجاوز صريح للقانون، وليس لها أي حق في ذلك فالقانون يجب ان يُحترم ويُلتزم به وعلي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان تلزم جميع الجامعات باحترام وتطبيق القوانين. وختاماً ننبه وزارة التعاليم العالي والبحث العلمي والجامعات السودانية من خطورة الاعتراف بهذا الكيان المشبوه او الاستجابة للباطل الذي يدعو له والحذر من الضغوط الذي سيمارسها سعياً لتحقيق اهدافه من خلال بقايا الاسلامويين من النظام البائد المنتشرين حتى الآن في اروقة الوزارة والجامعات السودانية. 29 أغسطس 2020م عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. *استاذ مشارك سابق بجامعة وادي النيل.