من المسلمات الأساسية أن السلام هو خيار الشجعان، ذلك ما قال وعمل به الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي جنح للسلم يوم كان في قمة انتصاره. فقد جلب عليه ذلك النزوع نحو السلم المصير الذي لاقاه على يد بني وطنه عندما كان السلام مع إسرائيل يقع ضمن المحرمات السياسية... وبغض النظر عن ذلك الموقف الا أنه عبر بالفعل عن إرادة قائد نجح في الحرب ليسترد لأمته كرامتها، وفتح باب السلام لا من موقع ضعف وإنما من موقف المنتصر. وقد كان لما أقدم عليه معنى سياسياً، لأنه على أقل تقدير فتح باب استغلق طويلاً على ذوي الرؤية السياسية حين كان السلام مقابل الأرض. أما الآن وقد دخلت العلاقات الدولية طورا غير مسبوق من سيطرة القوة الأحادية على مسرح الأحداث وصناعة الفعل العالمي، مع نطاق ضيق للأخلاق، فقد بات منطق القوة هو السائد. غير أن ذلك النطاق الضيق للأخلاق لم يزل يفرض نفسه على ديناميات الفعل السياسي بوصفه محركاً للقوة وكابح لها في نفس الآن، حتى لدى أكثر الأقوياء غشامة، حيث يحتاج الفاعل السياسي لأي مبرر أخلاقي حتى يستمد منه مشروعية فعله، وهذا بالتحديد ما يبدو جليا في الموقف الأمريكي الذي يسعى لحمل السودان للتطبيع مع دولة إسرائيل. يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن يجد لنفسه مسوغاً اخلاقياً لإعادة انتخابه عبر إحراز تقدم في عملية التطبيع مع اكبر عدد من الدول العربية، ليُنظر له بأن لديه تصورا للسلام وتقديم خدمة لدولة إسرائيل ومناصريها داخل أروقة السياسة الأمريكية بمختلف فاعليها لا سيما القوى اليهودية ولوبياتها.... غير أن النصر الذي ربما يُعتبر اخلاقياً في الداخل الأمريكي لا يتم النظر إليه بذات المنظور داخل التشكيلة السياسية السودانية. فأمر التطبيع مع إسرائيل ليس بالقرار الذي يمكن أن تتخذه دولة في أوضاع مشابهة لوضع السودان الحالي، فالتطبيع بالمنظور الأخلاقي ليس حساب ضمان بنكي يمكن سحب أي رصيد منه ليفك الضوائق المتعددة التي يعيشها السودان حاليا. كما انه لا يمكن أن يتحقق بمنطق " القوداة " السياسية على نحو ما ظهر مؤخراً من جهود للضغط على مسؤولين سودانيين رفعي المستوى، واغرائهم بدعم الخزينة العامة بدولارات والوعود برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. إن البحث عن التطبيع في نهاية التحليل هو البحث عن السلام... والسلام لا ينعقد اخلاقيا ولا قانونيا مع مسلوب الإرادة. او من يعيش حالة مخاض عسير يفرضه واقع انتقال متعثر من دولة فاشلة إلي دولة تريد أن تسهم مع المجتمع الدولي في بناء عالم قابل للعيش، يعمره الأقوياء الشجعان الذين يمكن أن يحققوا سلاماً ترتضيه ضمائر الشعوب الحية. ان تحقيق التطبيع مع إسرائيل الآن في السودان لا تتوافر له مقومات حقيقية، لأن التطبيع هو في نهاية الامر محصلة للسلام. و السلام في الأصل يُبنى في العقول، وليس في والأمعاء الخاوية التي ما أن تشبع حتى ترتد قافلة لنبش الحقوق. والحقوق هنا لا تنفيها حتى موقف السلطة الفلسطينية السياسي، فحاصل الأمر أن التطبيع مع إسرائيل لا يجلب سلاماً لأن إسرائيل نفسها لا تود أن تقدم عليه، لأنها مازالت تغتصب أراضي فلسطينية وعربية، ولأن المنهج الذي تتبناه "هو منهج تصيد الطرائد" لا مبدأ اقناع الدول والشعوب بجدوى السلآم... فالسلام له استحقاقات اخلاقية وانسانية وفواتير واجبة السداد تبدأ بوجوب أن تؤكد إسرائيل انها دولة تحترم المواثيق والعهود الدولية وحقوق الشعوب في أراضيها المغتصبة. كما لا يمكن أن يتحقق السلام بصورة انتهازية تستغل فيها دولة تتضور جوعا وترغمها على تطبيع قد يكسب جولة انتخابية ، لكنه لا يكسب شرعية لكيان يغتصب حقوق الآخرين. د. محمد عبد الحميد عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.