مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج التفسير الاهتدائى للقران الكريم .. بقلم: د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
نشر في سودانيل يوم 30 - 09 - 2020

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اولا: ملخص الدراسه: ينطلق منهج التفسير الاهتدائى من كون غاية النص القرانى هي هداية الناس، إلي ما فيه صالحهم في كل زمان ، بحكم أن الإسلام الرسالة الخاتمة ، وكل مكان بحكم أن الإسلام رسالة لكل الناس. وبالتالي فان غاية التفسير الاهتداء إلي ما فيه صالح الناس في زمان ومكان معينين ، بحكم تعريف العلماء لعلم التفسير بانه " العلم بمعانى القرآن بحسب الطاقة البشرية ". و يترتب على كون غاية النص القرآني هداية الناس إلي ما فيه صالحهم في كل زمان ومكان ، أن يجمع النص القرانى بين كونه مطلق عن قيود الزمان والمكان غير خاضع للتطور أو التغير فيهما (وضعا وغاية)، ومراعاته التطور خلال الزمان و التغير في المكان ،وذلك بانقسامه إلى قسمين: القسم الأول هو ما أسماه المفسرين آيات الأصول أو الآيات المحكمات أو أم الكتاب ، والقسم الثاني هو ما أطلقوا عليه اسم آيات الفروع أو الآيات ، والقسم الأول يمثل المطلق والقسم الثاني يمثل المحدود ، وهذا التقسيم ينصب على الدلالة لا الوضع ، لان كلاهما وضع الهي وبالتالي مطلق . حيث يمكن تقسيم النص القرانى إلى :أولا:من حيث وحده الدلالة أو تعددها (إمكان التاؤيل أو
عدمه): ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله واحده، لا تحتمل التأويل. وآيات ذات دلالات متعددة، وبالتالي تحتمل التأويل.ثانياً: من حيث الغايات والوسائل: ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله قائمه بذاتها ، وآيات ذات دلاله قائمه بغيرها ، فالآيات الأولى يمكن اعتبارها غايات تتحقق من خلالها هداية الناس في كل زمان ومكان،أما الآيات الثانية فيمكن اعتبارها وسائل للغايات السابقة ، ولما كانت الغايات تحدد أسلوب العمل اللازم لتحقيقها (الوسائل)، فإن النوع الأول من الآيات يحدد النوع الثاني ، بحيث لا يمكن تفسير الأخيرة إلا استناداً إلي الأولى. وغاية النص القرآني في آيات الأحكام أن يهدي الناس إلي أفضل القواعد التي يحتاجون إليها لتحقيق مصالحهم في كل زمان ومكان ،ولتحقيق هذه الغاية ينقسم النص القرآني إلي قسمين: القسم الاول: القواعد الأصول: وتتمثل فيما جاء في القرآن من أحكام (قواعد سلوك) ملزمة (القواعد- الأصول) والتي تهدي الناس إلي أفضل (القواعد – الفروع) التي يحتاجون إلي وضعها في زمان ومكان معينين ولو لم ترد فيه نصاً. وهي تمثل المطلق / غير أنه يجب التمييز بين شكلين لها:ا/ من حيث وحده الدلالة أو تعددها: آيات ذات الدلالة الواحدة التي لا تتحمل التأويل، وتتمثل في الآيات المحكمة على هذا الوجه كمصدر للقواعد الأصول.ب/من حيث الغايات والوسائل: أي الآيات ذات الدلالة
(المعنى) القائمة بذاتها ، بحيث يمكن اعتبارها إحدى الغايات التي يتحقق من خلالها غاية النص القرآني، أي هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان ، وتتمثل في ما يسمى بقواعد النظام العام أو الحدود ، والتي تهدف إلي تحقيق مصلحة الجماعة في كل زمان ومكان. القسم الثانى::القواعد-
الفروع: ويجب التمييو ابضا بين شكلين لها ا/ من حيث وحده الدلالة أو
تعددها: أي الآيات ذات الدلالات المتعددة، والتي بالتالي تحتمل التأويل وتتمثل في الآيات المتشابهة كمصدر للقواعد الفروع.ب/ من حيث الغايات
والوسائل: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها، بل قائمة بدلالة الآيات (الأصول)، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تتضمنها آيات الأصول...وغاية النص القرآني من آيات الصفات هداية الناس إلي وجوده تعالى واتصافه بالربوبية والالوهيه، ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني إلي
قسمين:الاول: الأصول: أي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي تعتبر غايات تتحقق من خلالها غاية النص القرآني، وتتمثل في الآيات التي تقرر أن وجود الله تعالى هو وجود:منزه عن قيود الزمان والمكان و امكانيه أن يتصوره أو يتخيله الإنسان . الثانى:الفروع : اى الآيات ذات الدلالة القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل للغاية التي تضمنتها الآيات السابقة (آيات الأصول)، وتتمثل في الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله والإنسان ، إذ لما كان الله تعالى ذو وجود منزه عن قيود الزمان والمكان، استحال على الإنسان تصوره . وفي ذات الوقت فإن الإنسان لا يمكنه تقرير وجود موجود ما لم يتصوره ، لذا كان تنزل القرآن إلي مستوى عقل الإنسان بإيراد هذه الآيات للانتقال به من تصور وجوده تعالى " وسيلة"
إلي الإقرار بوجوده تعالى "غاية"، يقول ابن الجوزي : (وقد حدثنا بما نعقل وضرب لنا الأمثال بما نعلم وقد ثبت عندنا بالأصل لا يجوز عليه ما يعرفه الحس علمنا المقصود بذلك) ( صيد الخاطر، ج1 ، ص15)... ومذهب اغلب أهل السنة بفرقهم المختلفة أن هذه الألفاظ تفهم على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل ، وهو مذهب ابن الجوزى و ابن الحزم والماتريدى والغزالي وغيرهم ....وغاية النص القرآني في آيات القصص التاريخية هداية الناس إلي الحق والعبرة عند النظر إلي التاريخ، ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني إلي قسمين:القسم الاول :الأصول: أي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني، وتتمثل هنا في غايتي (أو مفهومي) الحق والعبرة ،باعتبارهما مفهومين لازمين لهداية الناس في كل مكان وزمان في مجال النظر التاريخي. القسم الثانى: الفروع: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها، بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، وتتمثل هنا في مضمون هذه القصص. فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات السابقة، وآية هذا أن الوقائع التاريخية تتميز بالفردية: والمكان والزمان ، بينما قصص القرآن:لم تتقيد بالزمان أو المكان المعين ، وبعضها يلغي مقولة الفردية، فلم يذكر أسماء أصحاب الكهف أو من جاء من أقصى المدينة رجل ... وغاية النص القرآني في الآيات العلمية والكونية هداية الناس إلي العلم ، وان يستخدموا العلم في تسخير الطبيعة باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة في مجال العلم،والاستدلال بالوجود المحدود لعالم الشهادة على الوجود المطلق ، الذي ينفرد به الله تعالى، في مجال العقيدة . ولتحقيق هاتان الغايتان انقسم النص القرآني إلي قسمين:القسم الاول :الأصول:هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان وتتمثل هنا في
غايتين:الأولى: هداية الناس إلي الله واتصافه بالربوبية والإلوهية،وذلك من خلال الاستدلال القرآني ، القائم على الانتقال من عالم الشهادة
(مقدمة) إلي عالم الغيب (نتيجة).الثانية: هداية الناس إلي أسس المنهج العلمي القسم الثانى:الفروع: وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها ، بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول، وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وصف مشاهد الكون المختلفة.وتتضمن هذه الفروع الآيات الكونية الظنية الدلالة(التي تحتمل التأويل). ... كما إن غاية النص القرانى من آيات المتصلة بالسياسة والدولة ، هداية الناس إلى المفاهيم والقيم والقواعد السياسية الكلية، اللازمة لتحقيق صلاح الناس في المجال السياسى، في كل زمان ومكان، ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرانى إلى قسمين :الاول: الأصول:هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي ما فيه صلاحهم في المجال السياسي فى كل زمان ومكان ، وتتضمن المفاهيم والقيم والقواعد السياسية الكلية، التي تشكل أسس المنظور السياسي الاسلامى الثانى:.الفروع: وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها،بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول، وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وسائل تحقيق المفاهيم والقيم السياسية الكلية..............................................................
ثانيا: متن الدراسه التفصيلى:
التفسير لغة: التفسير في اللغة تفعيل من الفَسر بمعنى الإبانة والكشف وإظهار المعنى المعقول... وقال بعضهم: هو مقلوب من " سفر" ومعناه أيضًا:
الكشف، يقال: سفرت المرأة سفورًا: إذا ألقت خمارها عن وجهها ( مناع القطان، مباحث فى علوم القران، ص334) التفسير اصطلاحا (علم التفسير) : أما التفسير اصطلاحا فهو العلم أو المعرفة بدلالات "معاني" ألفاظ القران الكريم . هذا المعنى الاصطلاحي للتفسير نجده في تعريفات العلماء لعلم التفسير:
أولا: يقول الإمام الزركشي (علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه .
واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو التصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ (( البرهان في علوم القرآن، دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابى الحلبي وشركائه ، الطبعة الأولى ،1376 ه 1957)
ثانيا: ويقول صديق بن حسين القنوّجي (هو علم باحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية وبحسب ما تقتضيه اللغة العربية) (أبجد العلوم ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق – دار الكتب العلمية، 1978)
ثالثا: وعرَّفه أبو حيان بأنه (علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية،ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك)( البحر المحيط في التفسير، ، طبعة دار الفكر، لبنان، 1412 ه).
علم أصول التفسير: أما علم أصول التفسير – والذي يتضمن منهج التفسير- فهو مجموعة من القواعد التي تحدد مناهج " طرق" معرفه دلالات " معاني" ألفاظ القران الكريم. يقول فهد بن عبد الرحمن بن سليمان(علم أصول التفسير هو القواعد التي يقوم عليها علم التفسير ، وتشمل ما يتعلق بالمفسر من شروط وآداب،وما يتعلق بالتفسير من قواعد وطرق ومناهج ((بحوث في أصول التفسير ومناهجه ، مكتبه التوبة ، الطبعة الرابعة ، 1419 ).
مناهج التفسير وتعددها والموقف الصحيح منها: استنادا الى التعريفات السابقة فانه إذا كان النص القرانى هو وضع الهي، فان التفسير ومناهجه هو اجتهاد انسانى- وان كان مقيدا بالوحى- لذا كان تعدد التفاسير ومذاهب علم أصول التفسير ومناهجه، بتعدد المناهج ونظريات المعرفة التي يستند إليها التفسير المعين (والمذهب المعين في علم أصول التفسير). ففي إطار أهل السنة هنالك التفسير الأشعري كما في" التفسير الكبير" للفخر الرازي، وهناك التفسير الحنبلي كما في "تفسير القرآن العظيم" لأبن كثير...ولا يترتب على اقرار هذا التعدد- المقيد - إلغاء كل التفاسير، و كل الاجتهادات في مجال علم أصول التفسير- بما في ذلك مناهج التفسير- التي وضعت في العصور السابقة ، بل التمييز بين ما هو محكم (أصل) وما هو متشابه(فرع). ففي الحالة الأولى يجب التزام ما اتفق عليه السلف وعلماء أهل السنة في مجال التفسير (وأصوله)، مع مراعاة أن مصدر الإلزام هنا النص المحكم(الأصل)لا اتفاقهم على تفسير معين( أو قواعد معينه في علم أصول التفسير). أما في الحالة الثانية فانه ينبغي اتخاذ اجتهادات السلف وعلماء أهل السنة على اختلاف مذاهبهم(حنابلة، أشاعره، ماتريديه ، طحاويه،أهل
الظاهر) في مجال التفسير (و أصوله) نقطه بداية وليس نقطه نهاية، اى باعتباره يجسد ماضى الامه وخبرتها فى هذا المجال.
الهدايه كغاية للنص القرانى والاهتداء كغاية لتفسير النص القرانى: وغاية النص القرانى هي هداية الناس، إلي ما فيه صالحهم في كل زمان ، بحكم أن الإسلام الرسالة الخاتمة (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)( الأحزاب:40) ، وكل مكان بحكم أن الإسلام رسالة لكل الناس(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ)(الانبياء: 107). وبالتالي فان غاية التفسير الاهتداء إلي ما فيه صالح الناس في زمان ومكان معينين ، بحكم تعريف العلماء لعلم التفسير بانه " العلم بمعانى القرآن بحسب الطاقة البشرية "، كما اشرنا أعلاه.
مفهوما الهدايه والاهتداء: فمنهج التفسير السليم ينطلق من مفهومي الهدايه والاهتداء القرآنيين، وكلاهما يستند إلى المفاهيم ألقرانيه الكلية "
التوحيد، الاستخلاف، التسخير"
أولا: مفهوم التوحيد: يقرر القران الكريم أن الهداية صفة ربوبية ، قال تعالي (قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ( الشعراء: 62) ، وعالم الشهادة قائم علي ظهور صفة الهداية (شأن سائر الصفات الالهيه )، ولهذا الظهور شكلين:
الشكل الأول: تكويني "الهداية التكوينية": ويتمثل في الفطرة من حيث هي إمكانية التزام السنن الإلهية التي تحكم الوجود ، والتي يجب علي الإنسان الخضوع لها، ليهتدي إلي ما فيه صلاحه. وقد ورد مصطلح الهدايه فى القران الكريم بهذا المعنى في العديد من الآيات كقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(الإنعام : 97) ،وقوله تعالى (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ) (النحل : 15).
الشكل الثاني: تكليفي " الهداية التكلفية": ويتمثل في الوحي من حيث تضمنه للشرائع ، المتضمنة للأصول اللازمة لهداية الناس في كل زمان ومكان ،يقول تعالى يقول تعالى(وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)( البقرة: 53)...
مفهوم الاستخلاف: والاستخلاف هو إظهار الإنسان لربوبية الله تعالى وإلوهيته في الأرض على المستوى الصفاتى، بالعبودية والعبادة ، وبالتالي فإن مضمونه هنا إظهار الإنسان لصفة الهداية كصفه من صفات الربوبيه في الأرض ، وهو ما عبر عنه القرآن بمصطلح الاهتداء، قال تعالى (مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ) (الإسراء: 15). هذا الإظهار يتم من خلال:
أولا: توحيد الربوبية: بإفراد الهداية لله تعالى ، قال تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ)
(القصص: 56)
ثانيا: العبودية" التكوينية والتكلفية" :وذلك باتخاذ مقتضى الهداية التكويني " الهداية التكوينية" ، والتكليفي " الهداية التكلفية" ضوابط موضوعية مطلقة، قال تعالى(منْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي
)(الأعراف: 178(..
المحكم والمتشابه: يترتب على كون غاية النص القرآني هداية الناس إلي ما فيه صالحهم في كل زمان ومكان ، أن يجمع النص القرانى بين كونه مطلق عن قيود الزمان والمكان غير خاضع للتطور أو التغير فيهما (وضعا وغاية)، ومراعاته التطور خلال الزمان و التغير في المكان ،وذلك بانقسامه إلى
قسمين: القسم الأول هو ما أسماه المفسرين آيات الأصول أو الآيات المحكمات أو أم الكتاب ، والقسم الثاني هو ما أطلقوا عليه اسم آيات الفروع أو الآيات المتشابهات قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)( العمران: 7) ، يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى"
هُنَّ أُمّ الْكِتَاب "(ايْ أَصْله الَّذِي يُرْجَع إِلَيْهِ عِنْد الِاشْتِبَاه )، والقسم الأول يمثل المطلق والقسم الثاني يمثل المحدود ، وهذا التقسيم ينصب على الدلالة لا الوضع ، لان كلاهما وضع الهي وبالتالي مطلق . حيث يمكن تقسيم النص القرانى إلى :
أولا:من حيث وحده الدلالة أو تعددها (إمكان التاؤيل أو عدمه): ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله واحده، لا تحتمل التأويل. وآيات ذات دلالات متعددة، وبالتالي تحتمل التأويل،وفي تأويلها اختلف المسلمون ومازالوا يختلفون دون إثم. فالآيات الأولى هي الآيات المحكمة والثانية هي الآيات المتشابهة، ينقل السيوطى ( وقال الماوردى: المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه بخلافه)..
ثانياً: من حيث الغايات والوسائل: ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله قائمه بذاتها ، وآيات ذات دلاله قائمه بغيرها ينقل السيوطي(وقيل:
المحكم ما استقل بنفسه، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره.
(. فالآيات الأولى يمكن اعتبارها غايات تتحقق من خلالها هداية الناس في كل زمان ومكان،أما الآيات الثانية فيمكن اعتبارها وسائل للغايات السابقة ، ولما كانت الغايات تحدد أسلوب العمل اللازم لتحقيقها (الوسائل)، فإن النوع الأول من الآيات يحدد النوع الثاني ، بحيث لا يمكن تفسير الأخيرة إلا استناداً إلي الأولى( ) محمد عزه دروزه، القران المجيد، منشورات الكتب العصرية، صيدا- بيروت، بدون تاريخ)..
اولا: تفسير آيات الأحكام:الأحكام هي قواعد السلوك العامة " تخاطب الكافة ، المجردة " لا تنصب على واقعة معينة زماناً أو مكاناً أو أشخاصاً \"، الملزمة " آمره أو ناهية ". وغاية النص القرآني هنا (متمثلاً في آيات
الأحكام) أن يهدي الناس إلي أفضل القواعد التي يحتاجون إليها لتحقيق مصالحهم في كل زمان ومكان قال تعالى(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)(البقرة: 2) ولتحقيق هذه الغاية ينقسم النص القرآني إلي قسمين:
القواعد الأصول: وتتمثل فيما جاء في القرآن من أحكام (قواعد سلوك) ملزمة
(القواعد- الأصول) والتي تهدي الناس إلي أفضل (القواعد – الفروع) التي يحتاجون إلي وضعها في زمان ومكان معينين ولو لم ترد فيه نصاً. وهي تمثل المطلق / غير أنه يجب التمييز بين شكلين لها:
من حيث وحده الدلالة أو تعددها: آيات ذات الدلالة الواحدة التي لا تتحمل التأويل، وتتمثل في الآيات المحكمة على هذا الوجه كمصدر للقواعد الأصول.
من حيث الغايات والوسائل: أي الآيات ذات الدلالة (المعنى) القائمة بذاتها ، بحيث يمكن اعتبارها إحدى الغايات التي يتحقق من خلالها غاية النص القرآني، أي هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان ، وتتمثل في ما يسمى بقواعد النظام العام أو الحدود وهي القواعد (الأحكام) الآمرة كقوله تعالى (ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا)( البقرة: 229)، أو الناهية كقوله تعالى(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (
البقرة: 187) ، والتي تهدف إلي تحقيق مصلحة الجماعة في كل زمان ومكان.
وقد أسميت حدوداً لأنها تحدد الفعل الإنسان . وإن كان الفقهاء قد أطلقوا بلفظ الحدود على العقوبات في مرحلة تالية يقول ابن تيمية (الحدود في لفظ الكتاب والسنة يراد بها الفصل بين الحلال والحرام و الأمر والنهي أما تسمية العقوبة المقدرة حداً فهو عرف حادث)( مجموع الفتاوى / مجموع الفتاوى ،مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية- المملكة العربية السعودية ، 1416ه-1995م ) ، ويدل على المعنى الحقيقي للحد قوله صلى الله عليه وسلم (من أصاب حداً فعجلت له عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة)( مشكاة المصابيح ج2 ص209). ينقل ابن كثبر في تفسيره( وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي الْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه فَرُوِيَ عَنْ السَّلَف عِبَارَات كَثِيرَة فَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : الْمُحْكَمَات نَاسِخَةٌ وَحَلَاله وَحَرَامه وَأَحْكَامه مَا يُؤْمَر بِهِ وَيُعْمَل بِهِ ... وَقَالَ يَحْيَى بْن يَعْمَر :الْفَرَائِض وَالْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحَلَال وَالْحَرَام (
القواعد- الفروع:
من حيث وحده الدلالة أو تعددها: أي الآيات ذات الدلالات المتعددة، والتي بالتالي تحتمل التأويل وفي تأويلها اختلف المسلمين ويختلفون دون إثم ، ومن أخطأ فهو مثوب مرة ومن أصاب فهو مثوب مرتين، وقد يرجع الخلاف إلي دلالة اللفظ على معنيين ، وقد يرجع إلي المفاصلة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي إلي آخر الأسباب المعروفة في فقه القرآن. وتتمثل في الآيات المتشابهة كمصدر للقواعد الفروع.
من حيث الغايات والوسائل: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها، بل قائمة بدلالة الآيات (الأصول)، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تتضمنها آيات الأصول...
ثانيا: تفسير آيات الصفات: غاية النص القرآني من آيات الصفات هداية الناس إلي وجوده تعالى واتصافه بالربوبية والالوهيه، ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني إلي قسمين:
الأصول: أي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي تعتبر غايات تتحقق من خلالها غاية النص القرآني، وتتمثل في الآيات التي تقرر أن وجود الله تعالى هو وجود:
اولا: منزه عن قيود الزمان " وبالتالي لا تحده الحركة خلال الزمان" كقوله تعالى (هو الأول والآخر)، يقول ابن الجوزي: (يستحيل على الله عز وجل الحركة والتنقل والتغير لأن ذلك من صفات الحدث)( دفع شبهة التشبيه، ص8.) .
ثانيا:منزه عن قيود المكان " وبالتالي لا يحده وجود في المكان"، كما في قوله تعالى (أينما تولوا فثم وجه الله) ، وقوله تعالى( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) يقول ابن الجوزي: (تعالى الله عن المحل والحيز لاستغناءه عنهما)
ثالثا: منزهه عن امكانيه أن يتصوره أو يتخيله الإنسان كقوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) (الأنعام: 13). يقول ابن الجوزي: (وما ليس كمثله شئ لا يتصوره خيال والخيال والتصور إنما هما من نتائج المحسوسات والمخلوقات تعالى عن ذلك)( دفع شبهة التشبيه، ص8).
الفروع : أما الآيات ذات الدلالة القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل للغاية التي تضمنتها الآيات السابقة (آيات الأصول)، وتتمثل في الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله والإنسان مثل (يد الله فوق
أيديهم) ، (يوم يكشف عن ساق)، (الرحمن على العرش استوي). يقول السيوطي( من المتشابه آيات الصفات ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد؛ نحو: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوي (طه:5 )، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا
وَجْهَهُ)(القصص: 88)، ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )(الفتح:10) ونحوها)( معترك الأقران في إعجاز القرآن 1/111. )، وينقل ابن كثير في تفسيره ( اِحْتَجَّ النَّصَارَى بِأَنَّ الْقُرْآن قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ عِيسَى رُوح اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاج بِقَوْلِهِ " إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْد أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ " وَبِقَوْلِهِ " إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْد اللَّه كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون "وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الْمُحْكَمَة الْمُصَرِّحَة بِأَنَّهُ خَلْق مِنْ مَخْلُوقَات اللَّه وَعَبْد وَرَسُول مِنْ رُسُل). إذ لما كان الله تعالى ذو وجود منزه عن قيود الزمان والمكان، استحال على الإنسان تصوره . وفي ذات الوقت فإن الإنسان لا يمكنه تقرير وجود موجود ما لم يتصوره ، لذا كان تنزل القرآن إلي مستوى عقل الإنسان بإيراد هذه الآيات للانتقال به من تصور وجوده تعالى " وسيلة" إلي الإقرار بوجوده تعالى "غاية" يقول ابن الجوزي : (وقد حدثنا بما نعقل وضرب لنا الأمثال بما نعلم وقد ثبت عندنا بالأصل لا يجوز عليه ما يعرفه الحس علمنا المقصود بذلك) ( صيد الخاطر، ج1 ، ص15)...
الالفاظ التى يفيد ظاهرها التشابه تفهم على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل : ومذهب اغلب أهل السنة بفرقهم المختلفة أن هذه الألفاظ تفهم على معانيها المجازية المشهورة التي يعرفها العربي من غير تأويل ، وهو مذهب ابن الجوزى و ابن الحزم والماتريدى والغزالي وغيرهم :
ا/ يقول ابن الجوزى (ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر من سمات الحديث ولم يقنعوا ان يقولوا صفة فعل حتى قالوا صفة ذات ثم لما اثبتوا أنها صفات قالوا لا نحملها على ما توجبه اللغة مثل اليد على النعمة او القدرة ولا المجئ على معنى البر واللطف ولا الساق على الشدة ونحو ذلك بل قالوا نحملها على ظواهرها المتعارفه والظاهر هو المعهود من لغوت الآدميين ،الشئ إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن فان صرف صارف حمل على المجاز)( دفع شبه التشبيه، ص8) ، ويقول ( ولا يحتاج إلى تأويل من قال الإصبع الأثر الحسن فان القلوب بين اثرين من آثار الربوبية هما الإقامة والإزاغة، ولا إلى تأويل من قال يداه نعمتاه )( صيد الخاطر، ج1، ص 51)...
ب/ ويقول ابن الحزم ( إن الألفاظ الموهومة للتشبيه أمثال قوله " يد الله فوق أيديهم " " ويبقى وجهك ربك ذو الجلال والإكرام " " فانك بأعيننا" ليس هناك داعي لتأويلها على غير ظاهرها ، فهي مجاز ظاهر يفهمه العربي دون حاجة إلى أدنى تأويل، فوجه الله مثلا ليس غير الله بدليل قوله عز وجل "
إنما نطعمكم لوجه الله "حاكيا عمن رضي عنهم من الصالحين وهم لا يقصدون بذلك غير الله ،وقوله أيضا " أينما تولوا فثم وجه الله" ومعناه فثم الله بعمله وقبوله لمن أراد التوبة)( الفصل، ج2، ص4) ..
ج/ ويقول الغزالي ( التقديس معناه إذا سمع اليد والإصبع ... وقوله "صلى الله عليه وسلم" قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن.. فينبغي ان يفهم ان هذه الألفاظ تطلق على معنيين احدهما الوضع الاصلى وهو العضو المركب من لحم وعظم وعصب . وقد يستعار هذا اللفظ لمعنى أخر ليس هو هذا بجسم أصلا فعلى العامل ان يتحقق قطعا ويقينا ان الرسول لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم..)( إلجام العوام عن علم الكلام)..
ثالثا:تفسير آيات القصص التاريخية: غاية النص القرآني في آيات القصص التاريخية هداية الناس إلي الحق والعبرة عند النظر إلي التاريخ، ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرآني إلي قسمين:
الأصول: أي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني، وتتمثل هنا في غايتي (أو
مفهومي) الحق والعبرة ،باعتبارهما مفهومين لازمين لهداية الناس في كل مكان وزمان في مجال النظر التاريخي.
ا/ الحق: تهدف آيات القصص التاريخية إلي دعوة الناس إلي ما هو حق، أو تحري الحقيقة التاريخية دون افتراء ،وهو ما يبحثه علم التاريخ مثل قوله تعالى(وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ)(هود: 120).
ب/العبرة: كما تهدف هذه الآيات إلي الموعظة والعبرة أو المغزى والمعنى وهو ما تبحثه فلسفة التاريخ مثل قوله(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ)( يوسف: 111).
الفروع: أي الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها، بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، وتتمثل هنا في مضمون هذه القصص. فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات السابقة، وآية هذا أن الوقائع التاريخية تتميز
بالاتى:اولا:الفردية: أي تتحدث عن فرد مشخص لا يتكرر، ثانيا:المكان
والزمان: أي أن زمان ومكان الواقعة معين، بينما قصص القرآن تتصف بالاتى :اولا:لم تتقيد بالزمان أو المكان المعين ، ثانيا:بعضها يلغي مقولة الفردية، فلم يذكر أسماء أصحاب الكهف أو من جاء من أقصى المدينة رجل أو من قال (ان يك كاذباً فعليه كذبه).. ينقل ابن كثير في تفسيره(وَقِيلَ فِي الْمُتَشَابِهَات : الْمَنْسُوخَة وَالْمُقَدَّم وَالْمُؤَخَّر وَالْأَمْثَال فِيهِ وَالْأَقْسَام وَمَا يُؤْمَن بِهِ وَلَا يُعْمَل بِهِ رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس (.
رابعا: تفسير الآيات العلمية والكونية: غاية النص القرآني في الآيات العلمية والكونية ، كالتي تصف جريان الشمس ومنازل القمر وتسيير السحاب وتصريف الرياح وإرسال الرعد والبرق وإنبات الزرع... الخ هداية الناس إلي العلم ، وان يستخدموا العلم في تسخير الطبيعة باعتبار ذلك جزء من المفهوم العام للعبادة في مجال العلم،والاستدلال بالوجود المحدود لعالم الشهادة على الوجود المطلق ، الذي ينفرد به الله تعالى، في مجال العقيدة .
ولتحقيق هاتان الغايتان انقسم النص القرآني إلي قسمين:
الأصول:هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي مصالحهم في كل زمان ومكان وتتمثل هنا في غايتين:
الأولى: هداية الناس إلي الله واتصافه بالربوبية والإلوهية،وذلك من خلال الاستدلال القرآني ، القائم على الانتقال من عالم الشهادة (مقدمة) إلي عالم الغيب (نتيجة).
الثانية: هداية الناس إلي أسس المنهج العلمي ومن هذه الأسس:
قاعدة الموضوعية: اى تقرير القران الكريم أن الكون ومفرداته ذو وجود موضوعي مستقل عن معرفتهم ، وقابل للمعرفة بالحواس والعقل ،والدعوة إلي معرفته كما في قوله تعالى﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
(الذاريات: 20- 21)، وقوله تعالى﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾( فصلت: 53.) قاعدة السببية : اى تقرير القران الكريم أن حركة هذا الكون منضبطة بسنن لا تتبدل ﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾( آل عمران: 137) ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ (فاطر:43). ..الخ.
وتتضمن هذه الأصول الآيات الكونية القطعية الدلالة(التي لا تحتمل
التأويل) المتضمنة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية ، وهي بمثابة أدله لإثبات إعجاز القران ، وفى نفس الوقت أمثلة مضروبة للناس من أجل حثهم على البحث العلمي في السنن الإلهية التي تضبط الواقع الطبيعي والإنساني ،وليس الاكتفاء بما في القرآن.
الفروع: وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها ، بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول، وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وصف مشاهد الكون المختلفة.وتتضمن هذه الفروع الآيات الكونية الظنية الدلالة(التي تحتمل التأويل).
مذاهب تفسير الآيات الكونية:وهناك مذهبين في تفسير الآيات العلميه والكونية:
المذهب الأول: رد الأصل"القران" إلى الفرع"العلم التجريبى" - التطابق بين العلم والدين- الاعجاز العلمى:
اولا: يعتبر الآيات العلمية و الكونية بمثابة غايات للنص القرآني لا وسائل له ، وذلك من خلال شروعه في استخراج النظريات العلمية من هذه الآيات لا من الكون نفسه.
ثانيا:وهو هنا لا يميز بين آيات الأصول والمتضمنة للآيات الكونية القطعية الدلالة، وآيات الفروع والمتضمنة للآيات الكونية الظنية الدلالة ، ثالثا:وهو يجعل العلافه بين الدين والعلم التجريبى علاقه تطابق.
نقد المذهب:
اولا:هذا المذهب يجعل العلم التجريبي الأصل "المطلق"، والقرآن الفرع "المحدود"، وذلك بتأويل النص القرآني ليتفق مع نظرية علمية معينة.
ثانيا:وهو ما يتضح حتى على مستوى اسم المذهب "الاعجاز العلمى للقران" ، والذى ىوحى ان الاصل هو العلم وليس القران ، والصواب هو الاعجاز القرانى فى العلم.
ثالثا: فضلاً عن ان هذا المذهب يختزل الاعجاز القرانى فى مجال العلم ، ويالتالى بتجاهل اعجازه فى المجالات الاخرى( البيانيه "اللغويه"أ التشريعيه ،الاخلاقيه...)
رابعا: كما أن النظريات العلمية" كشكل من أشكال المعرفة الإنسانية"
محدودة نسبية لذا تحتمل الصواب والخطأ ، وبالتالي فإن اعتبارها من القرآن يؤدي إلي نسبة هذا الخطأ إليه.
خامسا: والعلافه الصحيحه بين الدين والعلم هى علاقه اتساق"عدم تناقض" ، وليست علاقه تطابق ، لان لكل منهما موضوع ومنجج مختلف
سادسا: وقد وجه العديد من العلماء النقد لهذا المذهب في عندما ظهر في عصرهم ، ومنهم الأمام الشاطبى ، والذي نعرض لنقده بشيْ من التفصيل.
نقد الإمام الشاطبى للمذهب: بيّن الإمام ألشاطبي أن الشريعة الإسلامية شريعة أمية؛ لأن الله بعث بها رسولاً أميًّا إلى قوم أميين كما قال
تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ)
(الجمعة: 2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا
نحسب) (متفق عليه، عن ابن عمر) . فيلزم أن تكون الشريعة على معهودهم وفي مستواهم. ثم بعد هذا البيان أوضح الشاطبي أن الشريعة – في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت– قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، ثم يتوجه باللوم إلى قوم أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذه الدعوى قائلاً:ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها –وهم العرب– ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا – في الدعوى على القرآن– الحدَّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم [كالهندسة وغيرها من الرياضيات] والمنطق وعلوم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح (الموافقات 2/79.).
. ثم يدلل الشاطبي على رأيه هذا ويحتج له بما عرف عن السلف من نظرهم في القرآن فيقول: (إن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه شيء مما زعموا، نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودهم مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا, (الموافقات 2/79-80 ) . ثم شرع الشاطبي بعد هذا في ذكر الأدلة التي استند إليها أرباب هذا التفسير (التفسير
العلمي) فقال: (وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل)، وقوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).. ونحو ذلك، وبفواتح السور –وهي لم تعهد عند العرب– وبما نقل عن الناس فيها، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء). بعد ذلك طفق الشاطبي ينقض هذه الأدلة، واحدا بعد الآخر بمنطقه القوي، فقال رحمه الله:
(فأما الآيات: فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ):
اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.وأما فواتح السور: فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدا، كعدد الجُمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى، وغير ذلك, أما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون, ولم يدّعِهِ أحد ممن تقدم، فلا دليل فيها على ما ادعوا، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقوّل على الله ورسوله فيه، والله أعلم، وبه التوفيق (الموافقات 2/81-82 )...
المذهب الثاني: رد الفرع إلى الأصل- الاتساق بين الدين والعلم – الاعجاز القرانى فى العلم : أن الفهم الصحيح للآيات العلمية والكونية ينتهي بنا
إلي:
اولا: التمييز بين آيات الأصول ، التي تتضمن أسس المنهج العلمي والدعوة إلى استعماله ،والآيات الكونية القطعية الدلالة ، والتي هي بمثابة أمثله مضروبة للناس لاستعمال هذا المنهج العلمي للكشف عن السنن الالهيه في الطبيعة والإنسان، وآيات الفروع التي تتضمن الآيات الكونية ظنية الدلالة(تحتمل التأويل) ، والتي يمكن تفسيرها بما ينتهي إليه البحث العلمي من نظريات أثبت صحتها بالتجربة والاختبار ، مع تقرير أن هذا التفسير اجتهاد انسانى محدود يحتمل الصواب والخطأ ،
ثانيا: وطبقا لهذا تصبح هذه النظريات العلمية هي جزء من هذا التفسير لا جزء من النص القرانى.
ثالثا: ان العلاقه بين الدين والعلم علاقه اتساق "عدم تناقض"، وليست علاقه تطابق ،لاختلاف منهج وموضوع كل منهما. فليس بالضروره وجود كل العلوم والنظريات العلميه فى القران ، لانه كتاب هدايه وليس كتاب علم.
تفسير الآيات المتصلة بالسياسة والدولة : إن غاية النص القرانى من آيات المتصلة بالسياسة والدولة ، هداية الناس إلى المفاهيم والقيم والقواعد السياسية الكلية، اللازمة لتحقيق صلاح الناس في المجال السياسى، في كل زمان ومكان، ولتحقيق هذه الغاية انقسم النص القرانى إلى قسمين :
الأصول:هي الآيات ذات الدلالة القائمة بذاتها، والتي يمكن اعتبارها غايات يتحقق من خلالها غاية النص القرآني هداية الناس إلي ما فيه صلاحهم في المجال السياسي فى كل زمان ومكان ، وتتضمن المفاهيم والقيم والقواعد السياسية الكلية، التي تشكل أسس المنظور السياسي الاسلامى.
الفروع: وهى الآيات ذات الدلالة غير القائمة بذاتها،بل القائمة بدلالة الآيات السابقة ، فهي بمثابة وسائل لتحقيق الغايات التي تضمنتها آيات الأصول، وتتمثل في الآيات التي تتحدث عن وسائل تحقيق المفاهيم والقيم السياسية الكلية السابقة الذكر.
مذاهب تفسير الآيات المتصلة بالسياسة:
المذهب الأول :رد الاصل"القران" إلى الفرع"السياسه""التفسير السياسى للدين" : وهو مذهب يقوم على رد الأصل إلى الفرع ، اى يجعل السياسة الأصل "المطلق" والقرآن الفرع " المحدود"، وذلك بتأويل النص القرآني ليتفق مع مقولات سياسيه مذهبيه معينة مذهب التفسير السياسي للدين: ومثال لهذا المذهب مذهب التفسير السياسي للدين، وهو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة ، يقوم على إثبات العلاقة بينهما ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط. فهذا المذهب لا يتسق مع المنظور السياسي الاسلامى ، الذي يجعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة وحدة وارتباط " وليست علاقة خلط أو تطابق كما في الثيوقراطيه "، لان السلطة في المنظور السياسي الإسلامي مقيده بمفاهيم وقيم قواعد كليه ، مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعي الدلالة "كالشورى والعدل والمساواة.... .وعلاقة تمييز"وليست علاقة فصل كما في العلمانية" ، لان الإسلام- ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما أن هذا المذهب يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين، بينما الدين هو الأصل" الغاية" والسياسة هي الفرع" الوسيلة" ، وهو ما أشارت إليه كثير من النصوص كقوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ ...)( الحج :41). ومرجع التطرف مذهب التفسير السياسي للدين في إثبات العلاقة بين الدين والدولة أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية نفت اى علاقة للدين بالدولة.
بدعية مذهب التفسير السياسي للدين : وهذا المذهب هو بدعه في ذاته " اى يستند إلى مفاهيم بدعية "، ومن أهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه"
بمعنى السلطة" أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه ، والقائم على أن الامامه "بمعنى السلطه"هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله كما قرر علماء أهل السنة، يقول الامام الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ... ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363). كما أن هذا المذهب بدعه فيما يلزم منه اى يلزم منه مفاهيم بدعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: تكفير المخالف في المذهب، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186) ثانيا:اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين:وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران:
الآية (104)...
المذهب الثاني: رد الفرع إلى الاصل( التفسر الدينى للسياسه" السياسه الشرعيه " ) :وهو مذهب يقوم على رد الفرع(السياسة) إلى الأصل(الدين) ، ويميز بين آيات الأصول التي تتضمن الآيات قطعيه الدلالة التي لا تحتمل التأويل،والتي تتضمن المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي تشكل أسس الفلسفة السياسية الاسلاميه، وآيات الفروع التي تتضمن الآيات ظنية الدلالة، التي تحتمل التأويل،والتي يمكن تفسيرها طبقا لمقولات سياسيه معينه، مع تقرير أن هذا التفسير اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ، وطبقا لهذا المذهب تصبح هذه المقولات السياسية جزء من هذا التفسير، لا جزء من النص القرانى ذاته.
التفسير الديني – الشرعي للسياسة(السياسه الشرعيه ): وطبقا لهذا التفسير فان النشاط السياسي يجب أن يلتزم بجمله من الضوابط ، التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بينه وبين مقاصد الشرع وضوابطه، وهو ما عبر عنه العلماء بمصطلح "السياسة الشرعية"
السياسة الشرعية ما يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص : هذا التفسير يتسق مع تقرير علماء أهل السنة أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ الحنبلى(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.) . ويقول ابن القيم معقبا على كلام ابن عقيل (إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْلِ وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيْ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللهِ وَدِينُهُ، وَاَللهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَعْدَلُ أَنْ يَخُصَّ طُرُقَ الْعَدْلِ وَأَمَارَاتِهِ وَأَعْلَامَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يَنْفِي مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهَا وَأَقْوَى دَلَالَةً، وَأَبْيَنُ أَمَارَةً. فَلَا يَجْعَلُهُ مِنْهَا، وَلَا يَحْكُمُ عِنْدَ وُجُودِهَا وَقِيَامِهَا بِمُوجِبِهَا، بَلْ قَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الطُّرُقِ، أَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الْعَدْلِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَقِيَامُ النَّاسِ بِالْقِسْطِ، فَأَيُّ طَرِيقٍ اُسْتُخْرِجَ بِهَا الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ فَهِيَ مِنْ الدِّينِ، وَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لَهُ.فَلَا يُقَالُ: إنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ، بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا جَاءَ بِهِ، بَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهَا سِيَاسَةً تَبَعًا لِمُصْطَلَحِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ عَدْلُ اللهِ وَرَسُولِهِ، ظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَمَارَاتِ
وَالْعَلَامَاتِ) (الطرق الحكميه فى السياسه الشرعيه، مكتبة دار البيان ، بدون طبعة ،بدون تاريخ)..
المراجع
1. أبجد العلوم ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق – دار الكتب العلمية، 1978
2. ابن تيميه / مجموع الفتاوى / مجموع الفتاوى ،مجمع الملك فهد لطباعة
المصحف الشريف، المدينة النبوية- المملكة العربية السعودية ، 1416ه-1995م
3. ابن القيم الطرق الحكميه فى السياسه الشرعيه، مكتبة دار البيان ، بدون
طبعة ،بدون تاريخ،
4. الزركشى ، البرهان في علوم القرآن، دار إحياء الكتب العربية ، عيسى
البابى الحلبي وشركائه ، الطبعة الأولى ،1376 ه 1957،
5. البحر المحيط في التفسير، ، طبعة دار الفكر، لبنان، 1412 ه
6. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان ،بحوث في أصول التفسير ومناهجه ، مكتبه
التوبة ، الطبعة الرابعة ، 1419
7. محمد عزه دروزه، القران المجيد، منشورات الكتب العصرية، صيدا- بيروت،
بدون تاريخ.
-----------------------
-الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.