يا للحسرة .. يا للفضيحة ، يا للهروب الكبير ها هى الحركة الشعبية لتحرير السودان بضربة لازب وجرة قلم ودون أن يرمش لها جفن سحبت مرشحها لرئاسة الجمهورية ياسر سعيد عرمان من السباق الرئاسي وبعد أيام معدودة قاطعت الانتخابات في (13) ولاية شمالية وبررت المقاطعة بأسباب واهية أوهن من خيط العنكبوت لن تقنع حتى راعي الضأن في "خلاء" دارفور.. أحد أسباب المقاطعة مشكلة دارفور والمعلوم أن الأزمة لم تكون وليدة اللحظة وعمرها أكثر من خمس سنوات، والسبب الثاني الحديث عن تزوير في الانتخابات، وإن وجد تزوير فلن يكون قاصمة ظهر لإجراء الانتخابات في كافة المستويات.. لكن قيادات الحركة الزاهدة في الشمال وبقصر نظر بائن نظرت إلى جنوب السودان دون الالتفات إلى بقية المناطق الأخرى في السودان وبهذا تكون قد ركلت مشروع السودان الجديد الذي أفنى فيه زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق دي مبيور زهرة شبابه، وناضل من أجله لأكثر من عقدين من الزمان. آن الأوان لمنسوبي الحركة الشعبية "المُهمشين والمحرومين" من نمولي إلى حلفا ومن الجنينة إلى طوكر الاتكاءة والاستماع بعد مشوار طويل من الرهق والانتظار إلى أغنية كوكب الشرق ذائعة الصيت أم كلثوم "الأطلال" التي تقول في مطلعها "يا فؤادي لا تسل أين الهوى .. كان صرحا من خيال فهوى".. فها هو مشروع السودان الجديد الذي لامس ودغدغ مشاعر الملايين من شرائح الشعب السوداني هوى وسقط سقوطا مُدِّويا وأصبح هشيما تزروه الرياح وفقاعات "صابون" سرعان ما تبددت بفعل الرؤى القاصرة والانكفاء جنوبا دون مراعاة للمشاعر الملتهبة التي عولّت كثيرا على الحركة الشعبية وعلى مشروعها المتمثل في السودان الجديد. اشمت يا الطيب مصطفى .. اشمت يا اسحق أحمد فضل الله فها هم القيادات من الوزن الثقيل أمثال باقان أموم وياسر عرمان تنحني أمام عاصفة الانفصاليين واللاعبين بالبيضة والحجر مع المؤتمر الوطني، لماذا تركت تلك القيادات التي نهلت من معين قائدها الفذ جون قرنق الرجل الوحدوي صاحب المشاريع والطموحات الكبيرة وحامل آمال المهمشين والمحرومين والمعدمين من أبناء الشعب السوداني تنهار وتذوب كقصر من رمال، وليعلم هؤلاء أن الراحل الدكتور جون قرنق يتململ الآن في قبره القابع في جوبا بسبب الانهزام والانكسار وتضييع وتبديد الآمال التي ناضل وبذل من أجلها الغالي والرخيص لتحقيقها وإنزال مشروع السودان الجديد إلى أرض الواقع وتوحيد السودان على أسس جديدة من نمولي إلى حلفا ومن الجنينة إلى طوكر. كان يمكن لمرشح الحركة ياسر سعيد عرمان الرجل الذي شهدنا له بالكفاءة والنزاهة والنبل وعفة اليد واللسان أن يحقق فوزا كاسحا في الانتخابات الرئاسية سيمّا وأن أصوات الجنوبيين في الولاياتالجنوبية والشمالية هي مضمونه في جيبه بجانب أصوات المهمشين والمحرومين في الولايات الشمالية بجانب أصوات النازحين الذين استقبلوه بالآلاف في ولايات دارفور، ولكن جاء الانسحاب "المخزي والفضيحة" ولا نعلم من هو صاحب القرار والخطوة التي رملّت النساء ويتمت الأطفال في صفوف المهمشين والمكتوين بنار الفقر والجهل والمرض الذين عقدوا آمالا عراضا على شعار "الأمل والتغيير" الذين انتظروه لأكثر من عقدين من الزمان، كان يمكن للرجل أن يحقق نجاحا كاسحا سيما وأنه رجل مثابر وطموح وأخلص لأفكار ومشاريع الحركة الشعبية وأفنى زهرة شبابه في أحراش وغابات الجنوب وجبال وهضاب الشرق، كما أن الرجل أخلص لمشروع السودان الجديد بعد ممات عرّابه الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور ولكن فجأة وبدون مقدمات تبددت الأحلام وضاع المشروع في المجهول. نعم.. شرائح كبيرة من صنوف الشعب السوداني عولّت على فرس الحركة الشعبية باعتباره فرس رهان "أبيض وأغر" وبإمكانه تخطي الحواجز والفوز في المنعرجات الأخيرة ولكن اتضح مؤخرا أن الحركة فرسا جموحا في الجنوب والمناطق الثلاث ولكنه فرسا "أعرجا وجربان" في الولايات الشمالية، ولا يمكنه المنافسة مع فرس المؤتمر الوطني.. السؤال الذي يفرض لماذا خيبّت الحركة الشعبية آمال منسوبيها في الشمال؟ ومن صاحب المصلحة في تلك الخطوة الخطيرة التي دعت إلى المقاطعة في المستويات الانتخابية المختلفة؟ نعلم أن أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم أصابته الصدمة وخيبة الأمل من سحب عرمان من الماراثون الانتخابي ولكن يبدو أن قوة هائلة داخل الحركة رفضت خوض عرمان للرئاسة سيما وأن قيادات نافذة من المؤتمر الوطني ظلت تغادر إلى جوبا طيلة الشهور الماضية لحث الحركة على سحب مرشحها للرئاسة ياسر عرمان. نعم.. تبدد مشروع السودان الجديد وذهب أدراج الرياح ويبدو أن حديث مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع وكافة قيادات المؤتمر الوطني عن أن المشروع "حلم" سيتحقق فقط في أذهان من يحلمون به ولن يتنزل إلى أرض الواقع حديث في محله.. فها هى الأيام تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مشروع السودان الجديد موجود فقط في مخيلة قيادات الحركة الشعبية التي ظلت تبشر به منسوبيها طيلة السنوات الماضية.. فلماذا "شمتّت" قيادات الحركة الأعداء وتراجعت الرجوع "الفضيحة" عن تحقيق مشروعها ولو بقدر ضئيل يُلبي طموحات صفوف الجوعى والمحرومين.. على الحركة أن تراجع حساباتها وتدرك أن خطوتها بالانسحاب من الانتخابات عواقبها وخيمة وسيعضد الاتهامات بأن الحركة جنوبية الهوى والمنبت ولن تلتفت إلى الشمال، وأن الشعارات بأن الحركة قومية لكل السودانيين "كذبة أبريل" ولن يصدقها أحد مرة أخرى. كنا نعتقد طيلة السنوات الماضية أن الحركة الشعبية جاءت من أجل نصرة المهمشين والمحرومين من الشعب السوداني وإتاحة الحريات وإزالة الغبن من النفوس ولكن اتضح أن معاركها مع المؤتمر الوطني من أجل لا شئ .. وأن مدافعها التي تنطلق بين الفينة والأخرى تجاه شريكها في الحكم مجرد مدافع "دلاقين" لا تقتل ولا "تدوِّش" حتى، فالمعارك الحقيقية جاء وقتها ولكن للأسف الشديد انسحبت الحركة من ميدان المعركة وولّت الأدبار وفرّت الفرار العظيم كفرار الشخص السليم من الأجرب.. فكان الأجدى أن تخوض الحركة الشعبية الانتخابات وتسعى لكشف التزوير الذي تتحدث عنه وإبلاغه للشعب السوداني والمحيط الاقليمي والخارجي باعتبار أن الفضاء أصبح مفتوحا والتجارب ماثلة في عدد من الدول التي أجريت فيها انتخابات، ولكن الحقيقية التي لا يتطرق إليها قيادات الحركة الشعبية في تعضيدهم للانسحاب هى أن الحركة ضعيفة تنظيميا في الشمال وأن الكوادر تفرقت أيدي سبأ وظهرت الحملات المناوئة لقطاع الشمال ورئيسه ياسر عرمان. نعم .. نعود ونقول أن مرشح الحركة للرئاسة كان يمكن أن ينجح ويكتسح الانتخابات وإجبار مرشح المؤتمر الوطني لخوض جولة ثانية.. ولكن الواضح للعيان أن حملة الرجل ضعيفة في الشمال وأضعف في الجنوب معقل الحركة الشعبية نفسها.. فلا يمكن للعقل أن يصدق أن حملة مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة عمر البشير قوية وذات فاعلية في الجنوب أكثر من حملة مرشح الحركة الشعبية.. فالقائمين على حملة ياسر عرمان سيرّوا الحملة بدون خطط أو برامج فاعلة وجاءت خبط "عشواء" دون خطط مدروسة .. فكان مُنظمي الحملة من "زعيط ومعيط" "ونطاط الحيط" مما أفرغ الحملة من مضمونها الأساسي والمُرتجى، فجاءت الحملة باهتة دون لون أو طعم. كانت الآمال معلقة على الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان على باقان أموم وأحد أبرز قياداتها التاريخية الذي هجر قاعات الدراسة بجامعة الخرطوم ليلتحف سماء الغابات والأحراش إنفصاليا شرسا وبعد تأسيسها في مايو 1983م إلتحق بالحركة الشعبية لتحرير السودان وبذات الشراسة أفنى سنى عمره فى الدفاع عن أطروحاتها الفكرية والسياسية من أجل وحدة السودان وفق الأسس التي نظَّرت لها في أدبياتها ومشروعها السياسي.. الحركة الشعبية لتحرير السودان التي إنضم إليها فى بدايات عقده الثاني أسندت إليه العديد من المهام والمسؤوليات العسكرية والدبلوماسية والسياسية فتنقل بينها بنجاح منقطع النظير إنتهى به إلى أمانتها العامة وشكل بذلك هزة في الحياة السياسية السودانية إذ لم يتقلد من هم فى مثل يفاعته مثل تلك المواقع، كما أن تلك المهام والمسؤوليات عركت عوده فشبّ على طوق الفعل السياسى اليومي سياسي جرئ يطرح أفكاره بشجاعة وصراحة لم توجد فى سياسيينا المجايلين له فى السن والمكانة التنظيمية، "طبقا للسيرة الذاتية التي أوردها الصديق العزيز "عاطف كير" في إحدى مقالاته المتماسكة".. نعم كانت الآمال معقودة على باقان أموم خليفة "قرنق" كما يحلو للكثيرين تسميته ولكن يبدو أن الرجل واجهته مصاعب جمة في المعسكر الانفصالي الآخر ولزم الصمت وغاب عن أجهزة الإعلام في أعقاب سحب الحركة لمرشحها للرئاسة ياسر عرمان.. نعم كان بإمكان باقان القتال بشراسة للتمسك بعرمان مرشحا للرئاسة وإن أدّى ذلك إلى بذل التضحيات الجسام من أجل تحقيق مشروع السودان الجديد الذي انتظره الكثيرون من القطاعات العريضة من السودانيين. يبدو أن الأحاديث الرائجة بأن مشروع السودان قُبر مع عرّابه الدكتور جون قرق باتت حقيقة ولا جدال فيها، فها هو المشروع تبدّد وذرته الرياح وأضحى لا يشكل حلما لأحد بعد الانسحاب "الفضيحة" من الانتخابات كاستحقاق أقرّته اتفاقية السلام الشامل والدستور.. لماذا أصرّت بعض القيادات المنكفئة على ذاتها والتي تنظر إلى الجنوب كطموح تحقق بعد نضال طويل وتزهد في غيره.. نعم إنها القيادات الانفصالية التي قاتلها الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور في حياته سنينا عددا، بالتأكيد إنها القيادات الانتهازية التي تزهد في الشمال ولا تعير أدنى اهتمام للتضحيات الجسام التي قدمّها أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق ومناطق الشمال النيلي الذين أفنوا زهرة شبابهم وفقدوا أرواحهم من أجل مبادئ وأهداف الحركة الشعبية.. إن الحقيقة التي لا جدال فيها أن تلك القيادات قصيرة النظر ركلت الشمال "بالجزمة" واقتنعت فقط بالجنوب كأغلى هدية حققتها اتفاقية السلام الشامل.. نعم على القيادات الحقيقية كأمثال باقان وعرمان وجيمس واني إيقا وعبد العزيز الحلو أن تنتفض من أجل عودة المياه إلى مجاريها وعدم ترك أم القضايا الرئيسية التي تنتظرها شرائح عريضة من الشعب السوداني، على تلك القيادات أن تقود انقلابا أبيضا أو "أحمرا" على القيادات "الكرتونية" الهشة التي تنخدع بالشعارات الزائفة والكاذبة بأن الشمال عدو للجنوب وأن الشماليين "جلابة" مضطهدين لأخوتهم من الجنوبيين.. فعهد الجلابة ولّى إلى غير رجعة وسيصبح الجنوبيين والشماليين أخوة يضمهم وطن واحد ونيل واحد ولو بعد ألف عام في دولة موحدة وآمنة تنعم بالرفاهية والطمأنينة. behram mustafa [[email protected]]