بالمناسبة هناك عوامل عدة تقف كجبار الصدف ما بين الشعب السوداني و ابتدأ مسيرته التي تفصل ما بين الشعب و طريقها القويم بضع خطوات و في الحقيقة إن جبار الصدف الذي يقف ما بين الشعب و بداية مسيرته هو انعكاس الوعي الكئيب الناتج من أفكار بعض النخب السودانية التي تصر على إبقاء بعض المفاهيم في ساحة الفكر السودانية رغم أنف التقدم الذي قد رسم ملامحه في حياة الشعوب و قد رأينا انجازها في عبقرية الشعب السوداني و ثورة ديسمبر المجيدة و في الحقيقة قد سافرت أشعة نورها و قد أثرت بل قد أيقظت بعض الشعوب و نجد أثر ثورة ديسمبر السودانية في حراك الجزائر الذي أسقط رئيسها أبو تفليقة و كذلك نجده في حراك اللبنانيين و اعلانهم تجاوز أحزاب الطائفية و كذلك ثورة العراقيين على أحزاب الطائفية. و يجر السؤال السؤال و تبدو الاجابة نفس الاجابة كما يقول محمد مفتاح الفيتوري لماذا لم تستطع النخب السودانية انجاز أي شئ يذكر رغم مرور عام على نجاح ثورة ديسمبر؟ باختصار شديد لأن الثورة كانت من انجاز الشعب و نتيجة لنضوج هدفه و وضوح رؤيته فيما يتعلق بالتغيير كنتاج لديناميكية المجتمع و للأسف الشديد ما زالت النخب لم تتعلم كيفية التعامل مع ديناميكية المجتمع بل ما زالت النخب تتوهم بأنها هي القادرة على فعل التغيير و قيادته و هيهات و قد فات على النخب السودانية بأن من يقوم بالتغيير هو المجتمع نفسه و ليس القادة و لا المفكريين و المثقفيين و قد رأينا نواح المثقف الملحمي كما يقول عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب و يتجلى نواح المثقف الملحمي في ساحتنا السودانية في اصرار نخب الستينيات و السبعينيات من القرن المنصرم في دفاعهم عن أفكار قد أصبحت أمام الرياح هباء. نواح المثقف الملحمي نجده في اصرار نخب الستينيات من القرن المنصرم في الساحة السودانية على ضخ أفكارهم و اجترارهم لأفكار قد تجاوزها الزمن لذلك ليس من المستغرب ان تظل فكرة حوار الدولة المدنية الذي قدمه محمد ابراهيم نقد محل افتخار من نخب ما زالت تتحدث عن علمانية محابية للأديان في زمن الايمان الحر و ما بعد الملة كما يقول فتحي المسكيني. ففي زمن علمنة المعلمن و في زمن قد أصبحت العلمانية مقارنة بعلمنة المعلمن و توسيع ماعون الحرية كنتاج لادخال أفكار كل من فردريك نيتشة و مارتن هيدغر أفق يفتح لأفاق أرحب و فيها انتصار السرديات الكبرى للعلمانية. لذلك نجد في ساحتنا السودانية نواح المثقف الملحمي و نجد انشطاره ما بين أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب الطائفية و السلفيين و الحركة الاسلامية و أحزاب وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون و كذلك نجد في الشق الآخر مثقف جذبه بريق الايدولجية الذي يعمي في ماركسية رسولية كما يقول ريجيس دوبريه في وصفه للشيوعية و بريقها الذي يعمي. لذلك نجد في ساحتنا السودانية انشغال المفكر السوداني بأفكار لم تعد شاغل لضمير الوجود و لا تمثل تجربة الانسان في عالمنا الراهن حيث أصبحت الثقافة هي ما يقود مسألة الانعتاق من الاستبداد الاجتماعي و الاستبداد السياسي و هنا يبين عجز المثقف الملحمي الذي نجده مازال يقدم أفكار الستينيات من القرن المنصرم سواء كان من اتباع وحل الفكر الديني او من اتباع الايدولوجيات المتحجرة متجسدة في النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية. و بالمناسبة ما بين اتباع وحل الفكر الديني المنتشر في الساحة من كل شاكلة و لون و فكر الأيدولوجيات المتحجرة هناك فئة لا تقل خطورتها عن خطورة المثقف الملحمي و هذا يمثلهم مجموعة الكتاب الانصرافيين و هؤلاء نجد منوال كتابتهم في كتابات ما زالت تصر على نشر الوعي الكئيب كما يقول داريوش شايغان نجدهم يبثون الوهم بأن هناك امكانية التوفيق الكاذب ما بين حداثة و أصالة و تراث يتمنع على فكرة القطيعة معه و يتوهمون بأن الشرق و الغرب لن يلتقيا متناسين أن الانسانية التاريخية تقوم على الأخلاق و ليس على الدين كما يتوهمون في أنهم و فكرهم الانصرافي يقفون كحائط صد ضد ترسيخ فكرة القطيعة مع التراث و هيهات. و قد رصدنا من بين كتابات الانصرافيين من يتحدث عن أن الخمينية ثورة و يتحدث عن اللحظات الاخيرة للشاه و فرح ديبا في وقت نجد ميشيل فوكو قد وقع في فخ أن الخمينية ثورة و عندما أدرك أنه قد وقع في خطاء لا يغتفر قبل أربعة عقود قد قال مقولته بأنه لم يكن مفكر استراتيجي و مازال عندنا من الانصرافيين من يتحدث عن أن الخمينية ثورة و لك أن ترى الفرق الهائل ما بين كتابنا الدبلوماسيين و رجال الدين و أصحاب المنهجية التاريخية و بعدها يمكنك أن تدرك أن مسألة الدفاع عن فكرة حوار الدولة المدنية كعلمانية محابية للأديان ماهي الا نتاج تضافر أفكار من يتحدثون على أن الخمينية ثورة و من يكتب مقال ثابت عن خطبة الجمعة و من يمنح الغنوشي جائزة ابن رشد في لجنة يكون فيها من مثقفي السودان الدكتور حامد فضل الله المقيم في ألمانيا و عبد و الوهاب الأفندي الذي ما زال يوصف وسط النخب السودانية كمثقف اسلامي و غيره كثر. بعد كل الذي ذكرناه سيتضح لك لماذا استطاع الكتاب الاسلاميين أمثال الطيب زين العابدين رحمه الله و على الدوام بأن يقوم بمحاولات تكوين لجنة من الحكماء لوقف مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة و قد حاول احياء لجنة كان فيها كل من الشفيع خضر و فيصل محمد صالح مع مجموعة من النخب السودانية التي ما زالت تتوهم بأن هناك امكانية لمساومة تاريخية تجمع ما بين يسار سوداني رث و وحل الفكر الديني. و بالمناسبة مازالت المحاولة مستمرة كما قلنا في اصرار الكتاب الانصرافيين. لذلك فات على النخب السودانية أن تشكر عبد العزيز الحلو على اصراره على فكرة علمانية لا تحابي الأديان و هذه خطوة جبارة قد قام بها عبد العزيز الحلو لكي يقرب بها ما بين المثقف السوداني المتهيب من نتاج عقل الانوار أي العلمانية في زمن قد أصبحت فيه الشعوب الحية في مرحلة متقدمة جدا أي مرحلة علمنة المعلمن. و عليه أن الدرس الذي لم تستوعبه النخب بعد هو أن التغيير تقوم به الشعوب و صدق من قال بأننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب السودانية التي ما زالت في مستوى يستطيع فيه اسلامي كطيب زين العابدين رحمه الله محتفظ بلقبه كمفكر اسلامي كما يصفه الانصرافيين من كل شاكلة و لون و يظل أمثال الجزولي دفع الله يحاول اطالة عمر الحركة الاسلامية في محاولات عدة و كان أيضا يحاول ان يلعب دور مثقف و شخصية وطنية تحاول اطالة عمر المشروع الاسلامي و كان يجهل بأن ديناميكية المجتمع أقوى من فعل النخب فاذا بثورة ديسمبر المجيدة تضعهم في وضعهم الطبيعي أي مع مواكب النخب الفاشلة السائرة كما السائر في نومه. بالمناسبة محاولة النخب السودانية و خاصة الكتاب الانصرافيين من دبلوماسيين و رجال دين و غيرهم من الانصرافيين في الساحة السودانية سيصرون على محاولة ارجاع عقارب الساعة للوراء بكتاباتهم الانصرافية لأنهم الآن في فترة ما بعد انتهاء حقبة الصحوة التي قد روجت للوثوقيات و اليقينيات و الآن قد أدرك الجميع أن حقبة الخمسة عقود المنصرمة و التي قد تنامت فيها وثوقيات و يقينيات الصحوة الاسلامية قد ولى زمانها و قد أصبح كثير من المثقفيين في مرحلة الحيرة التي قد أعقبت فترة ما بعد الصحوة الاسلامية لذلك نجد كثير من أفكار الانصرافيين السودانيين تحاول أن تتحدث عن مساومة تاريخية ما بين يسار رث و وحل الفكر الديني و نجد من ينادي بمهادنة الطائفية و النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و من يكتب عموده عن خطبة الجمعة و غيرهم كثر من يتوهم في صراع شرق و غرب و حداثة و أصالة و غيرها من أوهام حقبة ما بعد انتهاء حقبة الصحوة الاسلامية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.