في السودان أن أكبر وهم يغطي اعتقاد النخب السودانية هو اعتقادهم بأنهم هم من يقود التغيير و هم من يقومون بالتغيير و هذا خطا لا يغتفر للنخب السودانية بل هو ما جعلهم يدمنون الفشل لأن من يقوم بالتغيير هو الشعب عندما يحقق تاريخه من خلال الشعوب و الجماهير لا عن طريق المفكريين و المثقفيين أو القادة كما يقول هشام شرابي عالم الاجتماع الفلسطيني الذي وصفه تلميذه الرئيس الامريكي بيل كلتون بأنه مثقفا ألمعيا. و حتى نستدل على صحة أفكار هشام شرابي أمامنا أكبر و أعظم حدث و هو ثورة ديسمبر العظيمة فهي نتيجة تقدم الشعب و سقوط النخب التي لم تخرج بعد من حيز نسق أبناء الطاعة حيث لم تكن الحرية يوما مطلب جماهيري في أفقهم كيف يكون ذلك و ما زالت النخب السودانية تحت سيطرة أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب الطائفية و الحركة الاسلامية و السلفيين و أحزاب الايدولوجيات المتحجرة التي يمثلها اليسار السوداني الرث بنسخة متخشبة من الشيوعية السودانية. و المفارقة التي توضح نضوج الهدف و الرؤية للشعب السوداني قد تجسدت في شعار الثورة المجيدة ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة و هذا الشعار شعار معادلة الحرية و العدالة هو قمة وعي الشعوب الحية التي قد أصبحت عندها الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية تاريخ طبيعي للانسانية التاريخية و أفق لا يمكن تجاوزه قد ردده شعب السودان في انجازه لثورة ديسمبر المجيدة كمؤشر دال على أن الشعب السوداني قادر و واعي بأن يكون على موعد مع الحضارات و على موعد مع التاريخ بعكس من يؤمنون بفكرة نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي و محاولاتهم البائسة في الترويج للماركسية الرسولية وسط النخب السودانية و هيهات. على النخب السودانية أن تعي الدرس و تخرج من فكرها الذي لا يذكر إلا بسطوة سلطة الأب و ميراث التسلط في اجترارهم للماركسية الرسولية كما يقول هشام شرابي فنحن في زمن قد أصبحت الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية خلفية للانسانية كافة كانسانية تاريخية و أمامها تاريخ الحرية فعودة الوعي حسب رأي هشام شرابي لا يكون الا عندما تكف هذه النخب عن الزعم في أنها قادرة على انجاز التغيير و هذا محض وهم لنخب منخدعة بماركسية ماركس في زمن قد انتصر فيه توكفيل على ماركس و قد أصبحت فيه طردية العلاقة باينة بين الرأسمالية و الديمقراطية. و ينبه هشام شرابي في كتابه النقد الحضاري و قد نشر من قبل ثلاثة عقود على أن التاريخ يحقق نفسه من خلال الشعوب و الجماهير لا عن طريق المفكريين و المثقفيين أو القادة و يدلل على ذلك بالتحولات الهائلة التي حدثت في أوروبا الشرقية و اختفاء المنظومة الاشتراكية بعد أن نضج كل من الهدف و الرؤية داخل المجتمع و سببه عودة الوعي الذاتي و هو الذي يساعد على الخروج من الماركسية كأيدولوجية متحجرة و هذا الوعي الذاتي و عودته يمثل ما يحتاجه في السودان كل مثقف منخدع مازال يؤمن بماركسية ماركس. و لا يمكن أن تكون عودة الوعي عند هشام شرابي بغير عودة القرأة العاقلة التي تزيح من المشهد أصحاب القرأة الناعسة و قد أصبحت تجسد لاوعي نخب عاجزة عن ابداء أي استعداد للتطور كحال ابناء أحزاب اللجؤ الى الغيب و أصحاب أحزاب الايدولوجيات المتحجرة و خاصة النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية فهم قد أصبحوا يجسدون اللا وعي الذي يقف كجبار الصدف بين الشعب السوداني و عودة الوعي التي تجعله يتصالح مع ما يحدث في العالم من وعي. يؤكد هشام شرابي على أن كثير من الكتاب و المثقفيين في العالم العربي و الاسلامي و في كثير من الأحيان يجسدون ما يكون ضد ارادة المجتمع الذي يريد أن يقول ما قالته الحضارات الأخرى و هذا بالضبط ما يحصل عندنا في السودان و خاصة من أصحاب النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية فرغم شعار الثورة المجيدة الذي يتطابق مع فكر الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية نجد اصرارهم على ماركسية ماركس كتأبيد لللاوعي الذي يريد المجتمع تغيره و كتأبيد لغياب الوعي نجدهم يعتقدون في أن التغيير عمل نخب. فأزمة المثقف السوداني أزمة دائمة و خاصة الذين ما زالوا يدافعون عن النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و يساويهم في الوزن أصحاب أحزاب اللجؤ الى الغيب أحزاب وحل الفكر الديني و في الحقيقة كلهم أبناء فكر يؤمن بالمطلق و مستعد لاعطاء الحلول النهائية كوهم كل من يعتقد في كل فكر لاهوتي غائي ديني لذلك لا يجب أن يستغرب القارئ في أطروحات أبناء اليسار السوداني الرث و هي مطروحة في مساومة تاريخية و مهادنة الطائفية و الشيوعية السودانية و غيرها من أفكار لا توضح غير أزمة المفكر السوداني و اعتقاده في أنه قادر على القيام بالتغيير الذي لا يقدر على القيام به غير المجتمع و تجسد ما قلناه فكرة الدولة المدنية التي قدمها محمد ابراهيم نقد و في الحقيقة لا تجسد غير رهاب العلمانية و رهاب الحداثة في زمن قدم فيه كثير من الفلاسفة علمانية لا تحابي الأديان بعكس ما نجدها في فكرة محمد ابراهيم نقد كعلمانية محابية للأديان و كله سببها وهم المثقف السوداني الذي يعتقد على أنه قادر على التغيير الذي لا يقوم به غير المجتمع في ديناميكية استعصت على فهم النخب السودانية الفاشلة. و كذلك قد ساهمت مجاملة النخب السودانية في ظل غياب النقد لأصحاب النسخة المتخشبة للشيوعية السودانية في ترسيخ فكرة أنهم رأس رمح التغيير و في حقيقة الأمر أن الشيوعية و ماركسية ماركس هي ضد الحداثة و لا تقل بشاعة عن النازية و الفاشية و فكر الحركات الاسلامية الا هنا في السودان و في ظل كساد النخب السودانية يظل الشيوعي السوداني متوهما بأنه من يجسد الحداثة و هيهات. و في حقيقة الامر يظل وهم أصحاب النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية سببه كساد الفكر في السودان فما زالت الساحة السودانية يسيطر على فكرها كتاب من رجال الدين و الدبلوماسيين و العسكريين و مؤرخيين مازالوا تحت نير المنهجية التاريخية ففي ظل كتاب من هذه الشاكلة لا غرابة في أن تزدهر أفكار أبناء اليسار الرث في ساحة الفكر في السودان و لا غرابة في الا يكون هناك أي مؤشر يدل على أن النخب قد أدركت بأن من يقوم بالتغيير هو الشعب و ليس النخب الفاشلة و قد رأينا تلخيص ثورة ديسمبر عندما كانت أوضح تجسيد لتقدم الشعب و سقوط النخب. فالعالم اليوم يتخلق ليولد من جديد و على حمدوك أن يتفادى مصيدة الفشل و هي مجسدة في اعتقاد النخب السودانية و المثقفيين و القادة بأن لهم القدرة على فعل التغيير و في حقيقة الامر هذا ما يقوم به المجتمع و ما يزيد على حمدوك العبء أن العالم بأكمله يمر بمرحلة تحولات هائلة و نجد الازمة مخيمة في أفق الانسانية كافة و لكن عليه أن يعتمد على ديناميكية المجتمع و ليس على ادعاء النخب الفاشلة و دليلنا على ما قلنا عندما كانت النخب الفاشلة و كان القادة و المثقفيين في حوارهم حول فكرة الهبوط الناعم و عندما ساد في أفق الفكر في الساحة السودانية ضعف التحليل و عدم القدرة على التنؤ بثورة عظيمة كثورة ديسمبر قام الشعب السوداني بعمله الجبار الذي لا يستطيع أي دعي بأن يقول أنه من وراءه كأب لثورة ديسمبر المجيدة أنها عمل جبار قام به الشعب السوداني و لم تقم به النخب الفاشلة و المثقفيين و لا القادة و شعار الثورة مؤشر يقود الشعب السوداني الى فكرة الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي في سيره على هدى معادلة الحرية و العدالة كتلخيص للفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي بعيدا عن أوهام الايدولوجيات المتحجرة و بعيدا عن كل فكر يجسد وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون بما فيه فكر النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية. فالشعوب هي القادرة على فعل التغيير و ليس القادة و لا المثقفيين و لا المفكريين لذلك نجد هشام شرابي قد احتفى في كتابه النقد الحضاري الذي بث فيه فكرة أن الشعوب و ليس النخب هي القادرة على التغيير و كان كتابه قد صادف مرور قرنيين من الزمن على الثورة الفرنسية كتجسيد لقدرة الشعوب على تجسيد التغيير و ليس النخب و هاهي الأيام تثبت قدرة الشعب الفرنسي على تجاوز النخب من جديد في انتخابه لماكرون متجاوزا أحزاب اليسار و اليميين في فرنسا و نفس الشئ نجده في انتخاب ترامب كشعبوي و هي ثورة قد قام بها الشعب لكي ينبه النخب على فشلها و كذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي و كلها مؤشرات على أن الشعب من يقوم بالتغيير و ليس النخب كما تعتقد نخب السودان الفاشلة. فعلى حمدوك ان يتفادى مصيدة الفشل و اول تفاديها يتجسد في تفكيك التمكين تفكيك امبراطورية الجيش المالية وضع يده على أموال الشعب التفكير في فكرة الحماية الاقتصادية بعد أن يتاكد بأنه يستطيع تطبيق سياساته المالية و النقدية بعد أن يتخلص من كل صور التمكين التي تكبل حركة الاقتصاد السوداني. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.