تبقت أقل من أربعة وعشرين ساعا فقط على أخطر وأسوأ وأكثر الإنتخابات تعقيدا منذ تأسيس الدولة السودانية، ومع ذلك، ولذلك، تظل الحركة السودانية على أختلاف تياراتها المعارضة، تقف في ذات محطة عدم الإتفاق على صيغة مشتركة لمجابهة حكومة (الإمغاص العَطَني)، التي ظلت تقود القطار إلى هذه المحطة التي ينتظر فيها هؤلاء الآخرين (المُمْغِصين)، بينما تنتظر جماهير (الممغوصين)، في المحطة الأخيرة للقطار.. الذي يبدو أنه لن يصل لمحطتة الأخيرة عبر هذا الطريق.. إن امتلاك 1% من سكان العالم ل 96% من ثروتة لا يعني عدم رغبة ال 99% الآخرين في هذه الثروة، فقط هم لم يسعوا بجد للحصول عليها. تماما كما في السودان: 5% فقط من سكانه يحوزون 95% من ثروته، وكل السلطة فيه، (دعكم من 52% الكاذبة) بينما بقية ال 95% يمتلكون ال 5% المتبقية. أيضاً لأنهم لم يبذلوا الجهد المطلوب للحصول عليها. وعندما جاءت الفرصة في طبق من ذهب، ظل الإخفاق الداخلي مسيطراً على هؤلاء المُمغِصين واستمرت السطوة النفسية التي فرضها (الإمغاصيون)، مسيطرةً على أذهانهم. فقد اقتنعوا بأنهم لا يملكون أي من مقدرات (الإمغاص العَطَني) مالية كانت، تخطيطية، تنظيمية، أو عسكرية. وإن امتلكوا المقدرة (الإمغاصية) مثلهم، في حين أنهم في الواقع تفوقوا عليهم في كل ما سبق بالإضافة إلى عامل أهم وأخطر بكثير: دعم وتعاطف كل جماهير الشعب ال (ممغوص).. يبرر الكثيرون مواقفهم كأحزاب، للمقاطعة أو المشاركة، وحتي للخلافات الداخلية داخل الأحزاب، بأنها نتاج لما قام ويقوم به (الإمغاص العَطَني) الذى يعترفون جميعهم بأنه نجح في أن يصل بهم إلى مرحلة الغثيان، وبالتالي نجحوا هم في وصول (الممغوصين) المعتمدين عليهم في الخلاص إلى مرحلة التقيؤ.. إن اللغة التي تعود (الإمغاص العَطَني) أن يخاطب بها عقول وقلوب السودانيين (الممغوصين)، ونجح في أنصاره في الإنحطاط بلغة المخاطبة والتفكير إلى حضيض عدم الذهاب إلى أبعد من موطئ القدم ببوصة واحدة، والضحك مع -وليس على- جلد الكديس؛ والتفاعل، والإعجاب بمنطق (ح ندوس بالجزمة)، من زاوية (الرجالة) التي كرس لها تحدي الجنائية الدولية، للدرجة التي جعلتها تنجح عند إستخدامها كدعاية إنتخابية في عصر تتحدث فيه أماكن في هذا العالم عن برامج على الهاتف الجوال تخبرك بالدقيقة التي سيأتي فيها البص بغض النظر عن المحطة التي تقف فيها (أعني محطة البص هنا وليس محطة المغص). هذه اللغة هي التي ساهمت في تدجين الشعب السوداني وقادته على حد سواء. وأصبح أنصار كل من الإستمرار والمقاطعة يستخدمون نفس المنهج الإستعدائي. وهم يعلمون جيداً (للأسف)، أنه يؤسس لخلاف عميق بينهم، وأنه لا يخدم غير عدوهم الأوحد.. إنني أقف بقوة مع خيار المقاطعة لأسباب عديدة مقنعة تماما، أدناها مرتبة مطالعة صحيفة المخالفات الإنتخابية، وأثق في أن المقاطعة تمثل الطريق الأقرب للخروج من (خازوق الإمغاص العَطَني) التاريخي هذا، إلا أنني أحترم تمام الإحترام موقف الذين يخوضونها، وإن وصفت فعلتهم بالخطأ التاريخي.. وإن وصفوا موقفي بالتخاذل التاريخي.. إن حق (الممغوصين) في السلطة والثروة والمساواة والعدالة الإجتماعية والوحدة والتنمية المتوازنة وإزالة الغبن التاريخي واسترجاع الحقوق المسروقة ولن يأتي بالتمني ولا بإلقاء اللوم على أصحاب المواقف المخالفة من (المُمغِصين) الآخرين.. إنما يأتي بتوحد هؤلاء (المُمغِصين) أنفسهم على تضاد مواقفهم، واحترامهم لبعضهم البعض، وليحاولوا جادين أن يستعيدوا إحترام المواطن (الممغوص) منهم وبهم.. للوصول إلى محطة الإنتصار الداخلي على آخر لن يجد مخرجاً حينها.. إن الإنتخابات الحالية تمثل النهاية الفعلية لهم.. وإن جاءت النتيجة كما هو متوقع بفوزهم الكاسح. ولا تعني عقدين من الزمان من أعمار شعوب تبحث عن الحرية والكرامة أكثر من بضع صفحات في كتاب التاريخ بمقدورنا (نحن الذين نصنعها) أن نجعلها ناصعة.. ويتساوى في هذا قدر القيادة التي يتبعها الشعب، والشعب الذي يفرض على قيادته احترامه وتنفيذ مشيئته.. إن البساطة المؤلمة تكمن في أننا نكون الأفضل عندما نقتنع من دواخلنا بأننا الأفضل، وطالما سيطر علينا إحساس الدونية فلن نتفوق إطلاقاً وطالما تركز تفكيرنا على الفشل فإننا نمضي إليه.. هشام عبيد يوسف