بسم الله الرحمن الرحيم الانتخابات نظريا تعتبر أفضل وسيلة للتداول السلمي للسلطة، ولكن يمكن أن تتحول إلي وسيلة لتكريس الشمولية وحكم الفرد إذا ما أريد لها أن تقوم بهذا الدور، لذلك ورد في اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) موضوع التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات في نهاية المدة المقررة، ومن ثم إجراء الاستفتاء حول مصير جنوب السودان . الذي حدث خلال الفترة السابقة وهو أن حزب المؤتمر الوطني سعى بكل ما أوتي من قوة لتكريس حكمه ولم يعر مسالة التحول الديمقراطي أدنى اهتمام، وذالك لان التحول الديمقراطي في ظل الإشكاليات الجديدة التي حدثت في السودان خاصة بعد مشكلة دارفور، وصعود هذه القضية إلى أروقة محكمة الجنايات الدولية ، وصدور مذكرة توقيف في حق البشير وآخرين في حزبه ومناصريه، بل أن هنالك قائمة طويلة بقادة الإنقاذ قد لا يسلموا من مواجهة المحكمة. كل ذالك سيودى إلى محاكمات دولية أو داخلية، وهم يعلمون ذلك جيدا، كل ذلك يجعل منه أمرا بالع التعقيد، يستحيل أن تقوم به حكومة مهددة دوليا. فأراد حزب المؤتمر الوطني أن يحدث تحولا ديمقراطيا حسب معاييرهم هم وليس حسب المعايير الدولية المعروفة، وذلك من خلال القبضة الأمنية الحديدية والسيطرة علي الصحافة والإعلام وطوارئ في بعض أجزاء البلاد الخ.. لذالك جاءت القوانين التي تنظم الأحزاب، والتي تنظم العملية الانتخابية وكذالك قانون الصحافة والمطبوعات، والأمن الوطني، بصورة معيبة، واستطاع المؤتمر الوطني تمريرها بأغلبيتهم الميكانيكية في البرلمان خاصة وأنهم اتبعوا سياسة الترضية لشركهم في الحكم (الحركة الشعبية)، بمحاولة إرضائهم وذالك بتمرير بعض القوانين التي تحتاجها الحركة الشعبية لتنفيذ أجندتها . كل هذه الأسباب جعل من مسالة التحول الديمقراطي مجرد حديث، وجاء الاستحقاق الأكبر، وهو الانتخابات، حيث من المعروف انه لا يمكن أجراء أية انتخابات حرة ونزيه دون تحول ديمقراطي حقيقي. وفي تاريخ السودان الحديث نجد أن كل الانتخابات التي أجريت في الأعوام 1964م و1986م كانتا بعد انتفاضة شعبية تزيل الحكم الشمولي، وتؤسس ديمقراطية حقيقية تبدأ بتشكيل حكومة قومية تكون أولي مهامها الإعداد لانتخابات قادمة، فمبدأ القومية ضروري لإحداث أي تحول ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تنقل البلاد من الشمولية إلي الحرية والتعددية، وهذا ما ينقصها هذه الأيام، فحكومة المؤتمر الوطني لا تزال هي تلك الحكومة التي أطاحت بنظام ديمقراطي منتخب من الجماهير السودانية في العام 1989م، وظلت جاثمة علي صدرنا لأكثر من عشرين عاما أذلت البلاد والعباد، ولعبت بمقدرات الشعب السوداني وبثت فيهم النعرات العنصرية والقبلية، وأججت حرب الجنوب بطريقة لم يسبق لها مثيل مما جعلهم يكرهون الوحدة وارتفعت سقف مطالبهم بعد ذلك إلي المناداة بتقرير المصير، هذا بالإضافة إلي ممارسة الإبادة الجماعية في دارفور، فحكومة محملة بكل هذه الجرائم والآثام، ونريد منها أن تحدث تحولا ديمقراطيا وتقيم انتخابات حرة ونزيهة. فالذين يحلمون بتحول ديمقراطي في ظل هذه الظروف هم واهمون، وعليه فان مسالة إجراء انتخابات حرة في مقبل الأيام القادمة وهم كبير أيضا، لان الحكومة التي استأثرت بالسلطة كل هذه الفترة وبلغت جرائمها عنان السماء، وهي تعلم جيدا وضعها الجماهيري إذا أجريت انتخابات نزيهة، لا يمكن أن تتنازل بسهولة عن الحكم ، علي الرغم من أن اتفاق السلام الشامل ينص صراحة علي التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات في الموعد المحدد لها، ولكن يجب أن لا ننسى أن لحزب المؤتمر الوطني تاريخ طويل في نقد العهود والالتفاف عليه. لذلك يتضح بجلاء أن إصرار المؤتمر الوطني علي إجراء الانتخابات علي الرغم من الملاحظات الكثيرة الموجهة لها، ما هي إلا حيلة جديد خطط لها المؤتمر الوطني بنجاح منذ التعداد السكاني مرورا بالسجل الانتخابي الذي ما زال مفتوحا يضاف له من يشاءون انتهاءا ببطاقات الاقتراع، كل ذلك لجعل الانتخابات مطيهم للوصول إلي مآربهم ومحاولة إيجاد شرعية جديدة للبشير مدتها خمس سنوات للهروب من الملاحقة الدولية. فالانتخابات علي الرغم من أنها تعتبر أفضل وسيلة للتداول السلمي للسلطة وهذا كلمة حق يراد بها باطل هو إيجاد شرعية زائفة باسم الانتخابات والديمقراطية التي هي منها براء. 9/4/2010م mubarak arabi [[email protected]]