يحتفي العالم باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يصادف 3 ديسمبر من كل عام، ويحمل شعار هذا العام عبارة (إعادة البناء بشكل أفضل: نحو عالم شامل للإعاقة ويمكن الوصول إليه ومستدام بعد جائحة كوفيد - 19) وقد تناولنا في المقال السابق تعليم الصم، ويتناول هذا المقال معهد النور لتعليم المكفوفين. تأسس معهد النور لتعليم المكفوفين بمدينة القضارف في العام 2002 بمبادرة من الأستاذة المكفوفة هند محمد أبو زيد وبرعاية وزير التربية في ذلك الوقت الأستاذ البشير جمعة سهل. أي تم تأسيسه بعد 42 عاما من تأسيس معهد النور بالخرطوم والذي تأسس في العام 1960 . لا يوجد معهد آخر بولاية القضارف، كما أنه لا يحتوي على داخلية، بعكس معهد الخرطوم، مما يصعب لمكفوفي المحليات الاستفادة منه. كما أن معهد النور لتعليم المكفوفين بالقضارف في غاية التواضع، فهو عبارة عن منزل به غرفتان تستخدمان كفصلين، وبقية الصفوف موزعين في البرندة وتحت الشجر. كان عدد المكفوفين الدارسين بمعهد النور أكبر مما هو عليه الآن. فقد انخفض العدد بسبب توقف الترحيل لعطل في سيارة المعهد، وتجاهلت وزارة التربية ووزارة الرعاية الاجتماعية صيانتها. كما يعاني المعهد من مشاكل إدارية مزمنة. يوجد بمعهد النور حوالي 12 معلم، ونصفهم لا يجيد لغة البرايل، مما يعني حوجة المعلمين الماسة للتدريب. يبلغ كل طلاب وطالبات معهد النور الآن حوالي بضعة عشر طالبا: ثلاثة طلاب بالصف الثامن، أربعة طلاب بالصف السادس، ثلاثة طلاب بالصف الخامس، طالبان بالصف الرابع، طالبان بالصف الثالث، طالب واحد بالصف الثاني. ولا يوجد طلاب بالصف السابع، كما لم يجلس أي طالب بالمعهد لامتحان شهادة الأساس للعام الذي انتهى مؤخرا. ويكشف هذا التراجع المريع في الإقبال على المعهد بسبب المشاكل التي يعاني منها؛ ويمثل هذا إهدار وتضييع لمستقبل الكثيرين. إن سقوف المعهد قابلة للانهيار، وقد طالبت إدارة المعهد وزارتي التربية والرعاية الاجتماعية بصيانتها قبل أكثر من عام، ولا مجيب! فمن سيتحمل المسئولية إذا انهارت السقوف على الأطفال المكفوفين؟! إن الذين يدرسون بالمدارس العادية من المكفوفين عددهم أكبر بلا شك وذلك لعدم توفر معهد نظير بمحليات الولاية الأخرى. بالرغم من أن هذا يتضمن معنى إيجابيا بتحقق قدر من الدمج، إلا أن الطالب في هذه المدارس سيعاني لعدم تأهيل هذه المدارس للتعامل مع ذوي الإعاقة، كما أنه سيكون جاهلا بلغة برايل، ويمكن المساهمة في معالجة هذه المشكلة بتنظيم كورسات لغة برايل بمعهد النور وفي عدد من مدارس المحليات في وقت الفراغ. لكن لا يزال العدد الأكبر من المكفوفين خارج معهد النور وخارج المدارس، يعيشون في أمية تقلل فرصهم في الحياة. رغم كل هذه الصعاب فقد تفوق كثيرون من خريجي معهد النور لتعليم المكفوفين. فقد ضمت الدفعة الأولى بالمعهد، في العام 2003، عدد 12 طالب وطالبة. كانت المتفوقة سعدية الحاج ضمن هذه الدفعة التي بدأت ب12 طالب وطالبة ولما وصلت الصف الثامن أصبح عددهم ثلاثة فقط، امتحنوا شهادة الأساس في العام 2011، حدث هذا التناقص الحاد بسبب مشاكل الترحيل في ظل فقر الأسر. تفوقت سعدية وأحرزت مجموع 219درجة، لتلتحق بمدرسة غبيشة الثانوية بنات، وظلت ضمن الخمسة الأوائل، حتى أحرزت 75.4٪ في امتحان الشهادة السودانية من المرة الأولى، ودخلت كلية الآداب قسم علم النفس بجامعة أمدرمان الإسلامية، وكانت هذه رغبتها ، ولكن لبعد المكان ورأي الأسرة تحولت إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة القضارف وتخصصت شريعة ودراسات إسلامية، وتخرجت في العام 2018 بتقدير جيد جدا، ولا تزال تنتظر الوظيفة وترغب في العمل بمعهد النور. ومن متفوقي الدفعة الأولى بالمعهد طلال عبد الحليم الذي تخرج من كلية الاقتصاد جامعة القضارف في ذات العام 2018. ومن الدفع اللاحقة من خريجات وخريجي المعهد الذين واللائي ويدرسون ويدرسن الآن بجامعة القضارف: سارة الحاج بكلية اقتصاد، ويوسف حسن النور، ومحمد عبد الرحمن، ورماح الفاتح بكلية الشريعة والقانون. ومن خريجات المعهد اللائي امتحنّ الشهادة السودانية هذا العام من مدارس مختلفة: جميلة وخديجة ونجود، وهن في طريقهن لشق درب المعرفة عنوة واقتدار. يجب المسارعة بتحويل المعهد من مكانه هذا، وبناءه بمواصفات عالية تليق بتأدية هذه المهمة العظيمة، وليكون جاذبا للمكفوفين، مع ضرورة تزويده بسكن داخلي للطلاب من الأماكن البعيدة. ومن ناحية استراتيجية يجب العمل الجاد في تنفيذ التعليم الدامج في مدارس الحكومة لتكون مكانا مناسبا لذوي الإعاقة بين إخوانهم وأخواتهم من غير ذوي الإعاقة. ولمصلحة القارئ نصيف أن لغة برايل هو نظام الكتابة المكتوبة المستخدمة للمكفوفين أو ضعاف البصر عن طريق اللمس . احترع لغة برايل الفرنسي لويس برايل ، الذي فقد بصره بسبب تعرضه لحادث في مرحلة الطفولة عندما كان في ال 15 من عمره ( في عام 1824 ) ، مما جعله يسعى إلى اختراع لغة برايل في الأبجدية الفرنسية لمساعدته على القراءة . وتعلمنا من المكفوف أحمد النور أحد طلاب المعهد - في إحدى فعاليات منتدى شروق - أن لغة برايل تتم كتابتها بواسطة مسطرة بها 4 سطور تحتوي على 28 مربع ، وأي مربع يحتوي على حرف واحد تتم كتابته من بين 6 نقاط داخله (ثلاثة إلى اليمين وثلاثة إلى اليسار) ، وقال أن حرف "الألف" عبارة عن نقطة واحدة إلى أعلى على اليمين ، تسمى النقطة الأولى ، وحرف "الباء" النقطة الأولى والثانية ، وحرف "الجيم" نقطة على اليمين في المنتصف ونقطتين إلى أعلى على اليسار ، وهكذا أن لغة برايل تكتب من اليمين إلى الشمال بإحداث بروز على الورق المقوى من الجهة الأخرى ، تكتب من اليمين إلى الشمال ولكنها تُقرأ من الشمال إلى اليمين يُمتحن المكفوفون ذات ورقة امتحان المبصرين بالاستعانة بطالب من السنة الأدنى للكتابة، إلا أن الأسئلة التي تستند على رسومات يتم إعفاؤهم منها وتوزيع درجاتها على الأسئلة الأخرى. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.