الذى تابع ملحمة الانتخابات السودانية العامة التى انتهت مساء الخميس 15 أبريل 2010 م ، والتى التقى الجميع حول وصفها بأنها الأعقد فى تاريخ الانتخابات بالبلاد كونها جاءت بالعديد من البطاقات تراوحت بين 8 فى الشمال و 12 فى الجنوب لجملة اعتبارات موضوعية راعاها المشرع ، اقتضت تدابير وتدريب خاص واستغرق انفاذها ما بين دقيقتين الى خمس دقائق ، لكنها فى مجملها سارت بطريقة طيبة ومرضية لمعظم المعنيين بالعملية الانتخابية كانوا مرشحين ، مقترعين ، ، وكلاء أحزاب ، مشرفين ومراقبين محليين واقليميين ودوليين، اتسمت بالنزاهة والمشاركة العالية والحراك السياسى والهدو الأمنى وخلوها من العنف وهى أهم معايير لتقيمها !. وقد قلنا فى مقالنا السابق أن هنالك عدة عوامل تضافرت لاتمام هذه العملية والوصول بها الى محطة الاقتراع تمثلت فى الارادة السياسية للدولة والعزيمة القوية لدى المواطن السودانى الذى كم كان تواقا لممارسة ديمقراطية راشدة يعبر بها الى حلمه فى التحول الدمقراطى ، وهويتفاعل ع هذا الحدث وقد أرهقته ترددات بعض الأحزاب فى اتخاذ قرار بالمشاركة لخوض الانتخابات ، حيث تلجلجت بعض الأحزاب فى قرارها وأصبح انصارها لا يعرفون ما ان كان حزبهم يخوض المعركة أم يقف على رصيفها بالاعتزال ، وقد تجلت نتيجة ذلك فى تمرد بعض قادة هذه الأحزاب لاتخاذ قرارات خارج الأطر التنظيمية لخوضها ، الى جانب مواقف بعض المواطنين بالانحياز للمزاج العام الغالب والاشتراك فى الادلاء بأصواتهم لصالح هذه الطرف أو ذاك بدافع الوطنية ونكاية فى أحزابهم التى ترددت بعد أن تهيأت الأجواء واستعدت الساحة السياسية للمعركة !. بيانات الأحزاب المقاطعة وخطابها السياسى للمواطنين عشية الاقتراع كان مستفزا وخالى من مراعاة وتقدير المصلحة العامة ، بل فيه عدم مبالاة وغير مسئول تجاه التزامات الوطن للذى وقف على نهاية الحملات الانتخابية وحجم التعبئة السالبة والشطط والغلواء الذى بثته دعاية القوى الرافضة لقيام الانتخابات ، كشف عن مدى عدم اكتراث هذه الأحزاب لما يجرى بالساحة السياسية ، بل مضت أكثر من ذلك بأنها لن تعتد بنتائج العملية الانتخابية التى ظلت تؤكد بأنها ستكون مزورة وستأتى نتائجها مجيرة بصفة حصرية لصالح الحزب الحاكم !. هذه القوى كانت تندب حظها وتبكى فى مأتم هى من أقامت جنازته ونصبت خيمة العزاء له و قد كانت تعلم أن هنالك موعد مضروب لهذه العملية بحسبانها التزام واستحقاق نصت عليه اتفاقية السلام الشامل ، واخذ حظه من الوقت واعداد مطلوباته التى شاركت فيها هذه القوى ، ولكنها قدرت لاعتبارات خاصة بها ورجاءات كانت تأملها أن تتخذ قرارها بالمقاطعة فى اللحظات الأخيرة ، والتلويح بأنها ستتخذ من المواقف ما يمكن تفسيره أنها هددت بقطع الطريق على بدء العملية ، وهى تجهل أن المؤسسات الأمنية كانت تعد عدتها واتخذت من الاجراءات والتدابير والتحوطات الأمنية طوال مراحل هذه العملية منذ السجل وتلاه من مراحل وما تزال ماضية فى خطتها العامة حتى اعلان النتيجة واستقرار الأوضاع عقبها بكامل ولايات البلاد المختلفة لمتابعة تطورات ما بعد الانتخابات !!. كان طبيعيا وسط هذه التحرشات والمناورات التى ترسمها القوى المعارضة من واقع اللغة الخشنة التى تتعاطاها والتهديد لاستعادة نمازج التخريب التى حدثت فى العديد من بلدان العالم ، أن يكون الاستعداد للقوات الأمنية بهذا المستوى الرائع والحضارى ، وكامل الجاهزية للتعامل مع أى بوادر لمهددات ربما تدفع بها بعض الأطراف المغامرة ، ومن حسن الطالع أن ساعد مستوى الأداء الشرطى والتأمين المحكم على حالة الهدوء الذى ساد البلاد والقدر العالى من الضبط والسيطرة التى لازمت معظم مراكز الاقتراع ، وتقليل العنف الذى يمكن أن يتولد من واقع الشحنة التى ضختها أحزاب جوبا ، مما أدى بالضرورة الى وأد بعض المخططات التى كانت تحيط بالعملية الانتخابية وكبح جماحها ، وما يزال الاحتراز قائما لمتابعة المراحل التى تعقب اعلان النتيجة !. ونلحظ تباين الرؤى لدى العديد من أطراف اللعبة السياسية داخل البلاد عن مستوى النزاهة والشفافية من واقع الأخطاء الادارية والفنية التى نجمت ، والتى أشارت اليها بعض التقارير الأولية لفرق المراقبة المحلية والاقليمية ، فى أن نسبة الأخطاء التى حدثت أثناء عملية الاقتراع فى الشمال تصل الى 3% وما وقعت بالجنوب ربما تصل الى 7% وهى فى حدود النسب المتعارف عليها دوليا ، ويحمد لمفوضية الانتخابات العامة واعترافها المبكر ببعض الأخطاء التى تقع دائرة مسئوليتها وجهودها التى بذلت فى الحين والتو لمعالجة بعضها ، واتخاذها من القرارات الفورية بارجاء وتعليق الاقتراع فى بعض الدوائر الجغرافية القومية والمجالس التشريعية بالولايات الأمر الذى يعكس قدرا من الصدقية وتحمل المسئولية الوطنية ، وزيادة هامش الشفافية والنزاهة لمن يريد التقييم الموضوعى للعملية فى حياد ومعقولية بعيداً عن المزايدات السياسية والتدليس فى الحكم !. وبالمقابل جاءت تقارير مركز كارتر والاتحاد الأوربى تقول بعدم مطابقة العملية الديمقراطية فى السودان للمعاير الدولية فى بعض جوانبها ، ولا يتوقع لمثل هذه الدوائر العالمية التى عرفت بارتباطاتها وأجندتها أن تمنح شهادة براءة كاملة للسودان حتى وان استوفت كل الشروط ، ولنا عبرة فيما صدر من تقرير أولى قبيل بدء التصويت لمركز كارتر وقراءته الخاطئة للموقف وفق ما حصل عليه من معلومات مضللة من بعض الأطراف الداخلية وعدل عنها فى مرحلة لاحقة ، وكذلك ما قالت به رئيسة فرق الرقابة التى بعث بها الاتحاد الأوربى عن الحالة الأمنية فى دارفور وتراجعت عنها لاحقاً لتقول بمسببات فنية ولوجستية ، كل ذلك يقود الى حقيقة مؤداها أن هذه الانتخابات ومهما قلل البعض من كماليتها وشموليتها لجهة المقاطعة السياسية من قبل بعض الأحزاب ( الأمة القومى 0 الشيوعى ، وبعض الأحزاب ذات الوزن المحدود ) ، وأن ما يصدر عن هذه المراكز الاستخباراتية لابد له من ان يلبى رغبات دول بعينها ويتوافق مع توجهاتها واستراتيجياتها فى المنطقة ، وكلنا يعرف كيف ظلت هذه البلدان العظمى جزء أصيل من صناعة الأزمات التى نعايشها من واقع انخراطها غير المحايد فى شئوننا الداخلية وما تلقى به من تعقيدات تصعب من عملية السلام مع الأطراف غير المنضوية تحت اتفاقياته !. ومهما يقال عن هذه التجربة الا أنها أرست قواعد متينة فى مطلوبات انجاح أى عملية ديمقراطية ستنتظم البلاد فى المرحلة القادمة بما أوجدت من هياكل ومؤسسات وخبراء وتدريب بالتأكيد سيكون له مردوده الايجابى حتى فى عملية الاستفتاء القادمة فى العام 2011م !. لا يمكن لأى طرف داخلى أو خارجى يعمل لتقييم هذه التجربة بموضوعية أن يبعدها عن الظرف الاستثنائى الذى تعيشه البلاد فى الجنوب ودارفور وخروج بعض القوى السياسية من المنافسة بارادتها وقرارها !. ولا يمكننا استقراء نتائج الانتخابات بعيدا عن الواقع الداخلى المثقل بالاحباطات والنزاعات داخل الحزب الواحد وحرائق التمرد والضغوط الخارجية الكثيفة على الدولة ، والوضع الاقليمى وتدخلاته من خلال اتفاقيات السلام ولا القوى الدولية الكبرى أو المحكمة الجنائية الدولية ، وان البلاد استطاعت أن تعبر كل هذه المتاريس وأستحضرت كل هذه الهموم والتحديات وتمضى بالتزاماتها الوطنية والدولية مع تحقيق قد كبير من الاستقرار والطمانينة للمواطن ، فضلا عن الانجازات التنموية والبنيات الاساسية والخدمات !.لقد شهدنا اشادة المرجعيات الدولية برضائها عن نتائج العملية الديمقراطية اجمالان وانتقادها لبعض جزانبها دون اعترافها بالطبيعة الخاصة لهذه الانتخابات والنظمة الخاصة التى صممت عليها . وعلى ضرورة ذلك يبقى أن أهل السودان فى غالبهم على قناعة بأنه لم يكن بالامكان أحسن مما كان فى ظل ما نعايشه من ابتلاءات كانت كفيلة بأن تعوق الكل فى المضى بهذه المهمة الشاقة والعسيرة الى نهاياتها لولا يقظة الدولة وحدس المواطن بما يدور من حوله، والحس الوطنى الذى أظهره الكل خاصة الاعلام الوطنى بكل مؤسساته ووسائطه حتى تلك التى كانت تعكس نهج المعارضة ومنطلقاتها واسهمت فى الهاب المشاعر وتأزيم المواقف !. هذا التمرين الوطنى بكل ما جلبه من واقع ونتيجة لن يكون مرضيا لكل أطرافه داخل البلاد والخارج كذلك، وبعيدا عن نتائج الانتخابات لجهة النصر والهزيمة فان المنتصر الأكبر هو الوطن بعودته الى المسار الديمقراطى عبر صناديق الاقتراع بعد انقطاع دام لما يقارب ربع قرن من الزمان ، وأن الكاسب الحقيقى هو المواطن على امتداد تراب الوطن ، ومحصلة هذا الفرز ومعطياته ستبدل من شكل الخارطة السياسية والتحالفات المقبلة فى الحكم والمعارضة وفقا لما ستكشف عنه النتائج !. لذا فالاعتراف الأهم الذى يمكن ان نتوقعه ونبنى عليه هو اعتراف أبناء الوطن أنفسهم بسلامة العملية الانتخابية وما قادت اليه من نتائج لا التماهى بما تلوكه بعض الأطراف الدولية التى تسعى لأحداث الفتنة والقطيعة بعد ان فشلت كل مخططاتها فى وقف هذا الاستحقاق او اعاقته ، والكل يتابع عمليات الفرز وعد الأصوات فى شفافية واريحية خلت من أى معوقات !. علينا أن ننظر بعمق فى حصيلة منتوج هذه العملية والوقوف عند دلالاته الكثر وأولها ما شهدته المراكز من تدافع منقطع النظير فى ولايات دارفور الكبرى ونسبة المشاركة العالية والنتائج التى كشفت عنها الصناديق بتاييدها المطلق للرئيس البشير والذى جاء مخيباً لآمال الحركات المسلحة والمنظمات الأجنبية التى كانت تنتقص من الأمن والاستقرار هناك ، أو اقبال المواطن فى جنوب البلاد على صناديق الاقتراع بكل مستوياتها بعد حرمان طويل وممارسات مبتسرة فى الماضى ، عاش هذه التجربة بانفعال وحماس رغم الحكم الحصرى للحركة الشعبية وجيشها الشعبى الذى يسيطر على كل شىء هناك ويسعى لتعظيم نهجه المغالى فى العنف المفرط واراقة الدماء والأشلاء !. هذه التجربة التى خاضتها البلاد تحتاج الى دراسة متعمقة تشارك فيها كل فعاليات الوطن وتياراته الحية داخل الأحزاب وخارجها ، تستدعى ماضينا فى الممارسة الديمقراطية والنتائج الحالية التى خلصت اليها بكل مؤشراتها الموجبة والسالبة وصولاً للصيغة المثلى كى تستقر البلاد وتخرج من دائرة الاحتراب والمدافعة المسلحة الى الممارسة السلمية والتراضى الوطنى !. لابد من تقييم وطنى شفيف بعيدا عن المحاباة والعاطفة حتى نخلص لترتيب البيت من الداخل وتؤسس شراكة الحكم القادم على تمثيل حقيقى لرغبة الشعب واحترام خياراته، وتبسط للانفتاح بين القوى الحاكمة والمعارضة لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة!. والوفاء بالوعود التى قطعتها الأطراف المشاركة فى برامجها ينبغى أن تكون هى البوصلة فى اختبار صدقيتها ومراقبتها لالتزامها ، وهذا يستوجب زيادة الوعى لدى المواطن ومنظمات المجتمع المدنى فى الحفاظ على العقد الاجتماعى الذى أبرمته الأحزاب مع مناصروها !. بانتهاء مرحلة الاقتراع واعلان النتائج ستدلف البلاد بكاملها الى تحد جديد ، ومربع هام فى حياة أمتنا ومستقلبها يلزمه أدوات وآليات واطر جديدة تغبر ركام الماضى بكل ما حمل من تشاكس وتنافر ، واستدعاء كل ما يعضد وحدة البلاد ويعلى المقاصد الوطنية فى تسامح وحميمية تؤكد قوة هذا الشعب الكامنة فى تنوعه ، واعلاء ارادته الوطنية لقطع الطريق أمام المؤمرات التى لن تقف عند هذه المحطة على أهميتها وما توافر لها من عوامل نجاح يلزمنا المحافظة عليها والبناء الموجب على ما افرزته من نتائج !! . adam abakar [[email protected]]