تحدثنا كثيرا منذ قيام الحكومه الانتقاليه عن الأمن بفروعه المختلفه واساسها الشرطه. ولمس المواطن السوداني الهشاشه الامنيه في بيته وشوارعه وأسواقه وكوابيسهِ وأحلامِه. الامن الذي هو في مصاف الاساسيات التي تتشكل منها الحياه والتي ، إذا فُقدت ، لم يعد للحياة معنى. حكينا لشعبنا عن شرطةٍ مختطَفَه في خضمِّ وضعٍ غامضٍ ملتبس. هذا الالتباس لم يكن نتاجاً لهيمنةِ المكوّن العسكري المعروفةِ وحدها ولكن ( لمباركة ) المكوّن المدني بشقيه التنفيذي والسيادي والحاضنه التي احترقت وتلاشت الّا من سيطرتها ، وهي بوصفها المعتل ذاك ، على مراكز القرار في كلّ ما هو مصيري دون اي اعتراض او شفافيه او محاوله لتوضيح ما يجري لهذا الشعب المغلوب على امره. الوضع الشاذ لوضع مليشيات الجنجويد داخل الخرطوم وسلوكها الواضح في تطوير نفسها والتغول المستمر على مناطق استراتيجيه في العاصمه المنكوبه والتجنيد المستمر لمكونات غير تقليديه من مهندسين واطباء وتقنيين وربط مكوناتها بالاجهزه الحديثه في مجالات الاتصالات وغيرها والأنباء الوارده والمؤكدة من منظمة الاممالمتحده عن اتفاقيات بينها وبين حركات مؤتمر جوبا ثم بُعد افرادها عن المساءلة وسقوط المزيد من القتلى بيديها وإمساكها بعصب الاقتصاد. اعداد كبيره من مقاتلي الحركات وصلت العاصمه بكامل عتادها وسلاحها والبعض الآخر في الطريق. وهنا ليس الاعتراض على من هم ولكن لماذا الخرطوم ونحن هنا نتحدّث عن الأمن. الجيش عباره عن اسطوانة مصمته لا نعرف مكوناته ولكن يمكننا القول انه ممتلئٌ بعناصر النظام البائد والناس على دين ملوكهم. واذا ولّينا وجهنا ناحية جهاز الامن نجده يمثل كامل الطاقم الذي قام بالبدع لحماية الانقاذ وكان لكل فردٍ فيه مصلحه حقيقيه في استمرار ذلك النظام عبّروا عنها بسحق هذا الشعب دون اي وازعٍ من ضمير او رحمه. وفي السياق نضيف اليهم اجهزة الامن الشعبيه والطلابيه والدفاع الشعبي والشرطه الشعبيه والسلاح الذي هو خارج يد الدوله مع الوضع في الاعتبار انه (لا توجد) دوله من الأصل. بالأمس خرج الينا الاخ رئيس الوزراء والصحف بأخبار تفيد بأن جهاز الامن الداخلي في لمساته الاخيره كي يصبح واقعاً ولكي يصير (خيبةً) جديده تُضاف الى كل التآمر والفشل الذي يمشي بيننا على ساقيه العليلتين. جهاز الامن الداخلي هو من اهم الاجهزه التي تُعوّل عليها اي دوله لكي تنهض. هو جهاز يتبع وزير الداخليه ويتم تكوينه من عناصر شرطيه لا وجود لها الآن إلّا في اوساط المعاشيين لها الخبره والدرايه والاخلاق المشهود بها في مجالات التعامل مع الاخر والتنبؤ بالمخالفات الجسيمه ومتابعة الخيوط بمهنيه عاليه ومتابعتها حتى ضبطها وكشف كل ما يعيق الامن والاقتصاد والمهددات الداخليه وتلك التي ترتبط بالخارج. جهاز الامن الداخلي كان قد وضع معلومة انقلاب الانقاذ امام السيد رئيس الوزراء قبل فترةٍ من حدوثه و باسماء المشاركين فيه ورتبهم ووصفهم وكان لتراخي رئيس الوزراء ومسؤوليهِ واستهتارهم ما ادخلنا في تجربة الانقاذ المريره لثلاثين عاماً. الوضع المختل حالياً والذي وضع اقدارنا في غير محلها والذي انتزع الثوره من ايدي بناتها وابنائها ومضى الى التفنُّن في نقل المعيقات الى داخل المسرح المكتظ أصلاً لا يمكن ان يكون هو الوضع المناسب لإنشاء جهاز الامن الداخلي. وليس ( الان ) هو الوقت المناسب لذلك. فكما المحاصصات التي شهدناها في توزيع الغنائم بين من لم يكونوا شركاء في الثوره بل ومنهم من كان يمثل اركان النظام الذي ثرنا عليه ومنهم من تفادوا المشاركه فيها وسخِروا من الثوره عليه فلن تكون نتائج تكوين جهاز الامن الداخلي مختلفه عمّا يُريدُهُ له مُكَوِّنوهُ ليس حفاظاً على الوطن وثورته ولكن حمايةً لمن اجرموا في حقه وحق ثورته بما اقترفت ايديهم. من هم الذين كُلّفوا بإنشائه؟ ولماذا تم كل ذلك في صمتٍ وخفاء بعيدا عن وضع الأمر على طاولة العلن ولماذا لم يُشرك اولو الشأن من الذين يُشهد لهم في هذا المجال من اساطين الاجهزه الأمنيه التي هي من صميم الشعب وثورته وليس من الامن بمعناه الإنقاذي المشؤوم. لن يكون تكوين جهاز الامن الداخلي (الآن) الّا خطأٌ جسيماً آخراً وفشلاً يُضاف الى قائمة الفشل الأمني الذي لازمنا طيلة سنوات الإنتقاليه ومحاصصات مُعلنه بلا حياء ستأتي اسوأ من تلك التي مورست عند تكوين هذه الحكومه يُضاف إلى ما نحن فيه من تخبطٍ وتوهان. إنّ حكومه مدنيه لا تستطيع ان تنتزع حقوقها في قوّة الشرطه من العسكر على مدى سنتين هما عمرها في السلطه قطعاً لن تكون مؤتمنه على إنشاءِ جهازٍ هام وحسّاس كجهاز الامن الداخلي وها هي وحاضنتها السياسيه تُقِرُّانِ بحق العسكر فيه ورُبّما بحقوق جهاتٍ أخرى لم تكن لها علاقه بالأمن في يومٍ من الايام مما سيستمر معه مسلسل التهريب ، كمثال ، ليس على الحدود البعيده ولكن عبر مطار الخرطوم ( ولنحتفل ) مرّه كل سنتين بشحنةٍ واحده من الذهب ذرّاً للرماد على العيون بعد ان نكون قد هرّبنا آلاف الشُحَن. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.