ضاق السيد أبوبكر وزيري بمساءلتنا الشديدة في برنامج "حتى تكتمل الصورة" بقناة النيل الأزرق لأداء لمفوضية القومية للانتخابات خلال فترة الاقتراع. ووزيري رجل ماهل ولكن أخلاق "المؤسسة" تضيق. فزهجه منا يعرف بثقافة المؤسسة. فكل مؤسسة بالطبع تنقبض نفسها من المساءلة فتغطي على نقصها بالتهوين. أما المؤسسات التي ترعرعت في بئية الحكم الشمولي مثل دولة الإنقاذ فهي بالطبع الأكثر انقباضاً من المساءلة. وعلى غير ما يعتقد معارضو الإنقاذ الرسميون ستكون أشقى مهام التحول الديمقراطي هي ترويض هذه المؤسسات بعيدأ عن ثقافة المؤسسة بقبول نقد المختصين والجمهور بروح رياضي سمح. كان التهوين من نقصها هو سمة دفاع المفوضية عن نفسها. فقد تكأكأ رموزها حول التفسير المريح الراجع لخدمة المؤسسة (self-serving) بقولهم إن سقطتها هي "أخطاء فنية وإدارية بسيطة". وزاد السيد أمين حسن عمر بغير اختصاص أنها أخطاء "لاقيمة لها". فلماذا يقيم الناس الدنيا ولا يقعدوها وقد انحصرت الأخطاء في 28 مركزاً في الخرطوم من جملة 821 مركزاً! ولا ذكر للأقاليم بالطبع. وأصبحنا نسمع أنها هفوات غير مزعجة ومقدور عليها طالما كانت المفوضية في "حالة انعقاد دائم". كم مرة سمعت أيها القاريء هذا اللغو من مؤسساتنا في الأزمات حتى أصبح ذراً للرماد في عيون الناس. وهدت ثقافة المؤسسة العسكرية على مؤسساتنا المدنية فأصبحنا نسمع أنها كونت "غرفة عمليات" لمعالجة الموضوع. لا ياشيخ! وبلغ التهوين حد قول الفريق الهادي محمد أحمد إنهم لن يحققوا في أخطاء المطابع الأجنبية التي من وراء الجوطة لأنها وقعت بحسن نية. وبمناسبة المطابع وثقافة المؤسسة التي تمكنت من المفوضية: فوجئت قبل أيام قليلة بإعلان بالصحف قدمت فيه الفوضية أسبابها لطبع بعض بطاقات الإقتراع بمطبعة العملة بالخرطوم خلافاً لاتفاق سابق. وأعترف بأنه حوى دفعاً قوياً سلساً ربما رجح الكفة لصالح المفوضية في غلاطها مع المعارضة. ولكن ما استعجبت له صدور هذا التوضيح بعد أن كاد الغلاط ينتهي لغير صالح المفوضية. فقد كسبت المعارضة الجولة لمجرد أن المفوضية لم تنبس ببنت شفة. وودت لو كانت هذه الأسباب مبذولة للمواطن أولاً كصاحب استحقاق في المعرفة حول شأن "استفردت" به المعارضة وروجت لوجهة نظرها فيه أعوج عديل. ووددت لو وضعت المفوضية حقائق بيانها بين يدي المعارضة نفسها. فلا أعتقد أنها مما يستعلي على الحق رغم سوء ظني الشخصي فيها. وربما لم تنتبه المفوضية أنه أذت بصناجتها المؤسسية أطراف المتعاقدين منها. فقد تأذى مدير مطبعة العملة حتى هرع إلى الصحف يرد على تهم المعارضة بأنه من منسوبي الأمن غير مأمون على طباعة أوراق الإقتراع. ومن أوسع أبواب ثقافة المؤسسية في البيئة الشمولية القابضة هو تطابق المؤسسة، حتى التي لها استقلال المفوضية، مع الدولة. فقد سمعت لعضو بالمفوضية يصرح بأن "المعارضة" هي التي جعلت من حبة أخطائهم قبة. وجعل العضو من المفوضية من غير أن يدري خصماً لشيء اسمه "المعارضة" لا وجود له في تعريف المفوضية. وأحزنني أكثر أن يكون مولانا أبل ألير حضوراً في مشهد تصويت رئيس الجمهورية. اعرف أن هذا الحضور هو من دماثة أبل المعروفة تكريماً لرئيس هو موضع تقديرنا للمنزلة إن لم يكن لشيء آخر. ولكنها دماثة قد ترسل إشارة خاطئة من أن المفوضية هي جهاز حكومي يكون متوليه حيث يكون الرئيس حتى كناخب. قبل أمريكيون كثيرون زلة رئيسهم كلينتون المعروفة ولكنهم عابوا على إعتذارته عنها أنها لم تكن " contrite ". وهذا مصاب المفوضية أيضاً. والقادين إنجليزي يمتنعون.