الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اوراقي الأفريقية (5): قصة الهليكوبتر في كتابين .. بقلم: السفير عبدالرحمن
نشر في سودانيل يوم 26 - 03 - 2021


بسم الله الرحمن الرحيم
قصة الهليكوبتر في كتابين
الكتابان هما التاريخ ومن أجل التاريخ تأليف اللواء (م) محي الدين احمد عبد الله ود سعد
والثاني هو كتابي المعنون السودان وسنوات التيه الصادر عام 2014 ومنه نقتطف الآتي:-
ابتداء من صفحة(626)
كنا ثلاثتنا في السفارة ، السيد السفير رحمة الله عبد الله والاخ ميرغني محمد الطاهر ضابط اللاسلكي وشخصي كنا نهيئ أنفسنا لعطلة نهاية الأسبوع التي ستبدأ بعد قليل لنرتاح بعض الشئ بعد أسبوع كامل من الجري هو حالنا في سفارة ليس بها كاتب او محاسب او سكرتيره او حتى موظف استقبال كنا نقوم بكل شيء تقريباً بأنفسنا فجائتنا برقية لاسلكية مكتوب عليها عاجل جداً وهام للغاية تقول ان طائرة سودانية قد انقطع الاتصال بها وربما تكون قد دخلت الكونغو او يوغندا .. ثم أخذت تترى علينا البرقيات من رئاسة الوزارة تلاحقنا بشأن الطائرة وتعطينا كل مرة معلومات إضافية ومتضاربة عنها وعن حمولتها .. قالوا اولاً إنها طائرة كانت في رحلة داخلية في جنوب السودان ثم أضافوا انها هليكوبتر عسكرية في مهمة مدنيه انطلقت من ياي او مريدي ويقولون احياناً انزارا او يامبيو في غرب الاستوائية ثم قالوا انها تحمل وفداً وزارياً كبيرا .. كان نهار السبت قد انقضى وخرج الموظفون فتركنا نسخة من مذكرتنا في مكتب السجلات وذهبنا الى رئاسة الجمهورية في محاولة للوصول إلى أي مسئول كبير افدنا الخرطوم بأننا نلاحق المسئولين الكونغولين واوضحنا صعوبة ذلك في عطلة نهاية الأسبوع .. التعليمات التي جاءتنا بعد ذلك من الخرطوم هي أن يظل اللاسلكي مفتوحاً طوال الليل مع الاتصال كل نصف ساعة ..
كان الخوف قد ازداد على ركاب الطائرة الذين تبين لنا في برقية لاحقة أنهم اربعة عشر شخصاً على رأسهم وزير شئون الجنوب السيد جوزيف قرنق و وزير الصحة الدكتور موريس سدرة .. مرة ثانية أعددنا مذكرة وحملناها ليلاً لمسكن الرئيس موبوتو في معسكر محروس بجنود مدججين بالسلاح اوقفونا وسألونا عن كلمة السر بعد شرح وشرح وشرح قالوا لنا ان الرئيس قد ذهب لمزرعته الخاصة خارج المدينة وربما لن يعود قبل نهار يوم الاثنين واخيراً وبعد ان حفزناهم بحق (البريموس) افضل انواع البيره المحلية استلموا المذكرة بوعد ارسالها اليه ..
كنا نريد فقط معرفة إذا ما كانت الطائرة قد هبطت في الأراضي الكونغولية وان نعرف مصير ركابها املين ان يكونوا سالمين وبالرجوع للخرائط التي كانت لدينا وجدنا أن الوضع بالفعل جد خطير ليس فقط لبعد المسافه من كنشاسا (2000 كيلومتر ) وصعوبة وصولنا اليهم ولكن ايضاً بسبب وجود متمردين من الجانبين فحركة أنانيا (جوزيف لاقو قبل اتفاقية اديس ابابا 1972 ) كانت تعمل بنشاط في تلك المنطقة وكذلك قوات المتمردين الكونغوليين من بقايا مؤيدي باتريس لومومبا موجودين بالقرب منهم علاوة على ان المنطقة بأكملها ترتاب من الغرباء خاصة اذا ما حلقوا فوقهم او هبطوا عليهم بطائرة .. من جانب آخر تعيش في المنطقة حيوانات متوحشة من كل الانواع والاحجام كما أنها موبوءة بالحشرات السامة او المسببة للامراض الخطيرة ..
ومن كتاب السيد اللواء محي احمد عبد الله نقتبس التالي:
قمنا بطائرة هليكوبتر يقودها صاغ مصري في طريقنا لانزارا وما إن حلقت الطائرة حوالى نصف ساعه الا وان حصل عطل في اجهزة الاتصال والاتجاه فانحرفت الطائرة عن خط سيرها جنوباً ولم يمض على طيراننا كثر من ساعه الا ونجد انفسنا في اجواء غير مالوفة لدينا وكذلك طريقة البناء في المنازل . مررنا بقرية لم ار مثلها من حيث هندسة البناء في المديريات الجنوبية ونبهت السيد جوزيف على ذلك ووافقني لكن قائد الطائرة أصر على أننا فوق انزارا وأخبرناه بأن المدينة التي نراها لا تشبه انزارا واصر على أننا فوق انزارا فلما وجد قطعة خالية بين الاشجار نزل وكانت تحيط بنا غابات كثيفة عالية وأكثر اشجارها جوز الهند وكان محل نزولنا بالقرب من القرية التي رأيناها . وما ان نزلنا من الطائرة الا وحضر لنا بعض اهالي المنطقه ولحسن الصدف كانوا يتكلمون لغة الزاندي التي يعرفها جوزيف فسألهم هل نحن في انزارا فقالوا له ان انزارا تبعد من هذا المكان بحوالي 100 كيلومتر وان هذه القرية تسمى اكلولوكو من قرى الكونغو وهذا الاسم يعبر عن كثير ثم اشاروا الى اتجاه انزارا قررنا ساعة إذن الرجوع الى الطائرة والتوجه بها حسب الوصف الذي أعطي لنا وكلمنا الكابتن بذلك فقال انه لابد من رجوع الطائره الى الخلف ثم نركب فيها لكي تتفادى الاصطدام بالاشجار العالية والتى لايوجد لها مثيل في غابات السودان رجعت الطائره الى الخلف وقبل ان نركب فيها شاهدنا أعداد كبيرة من الناس تتجه نحو الطائرة من كل الاتجاهات ثم إذا بنا نرى عدد من الجند المسلحين تمشي نحونا وهنا نبهت الضابط المرافق لنا ان لا يلمس طبنجته او يحاول استعماله مهما كانت الظروف وصل أولئك الجنود وأمرونا أن لا نصعد للطائرة و حاصرونا هموا بإطلاق النار علينا بعد ان رفعوا اسلحتهم الا ان رئيسهم وفي رتبة صول أمرهم بعدم استعمال السلاح وأن يأخذونا للضابط في المعسكر تركونا تحت الحراسة وصعد الصول إلى الطائرة ومعه بعض الجنود وانزلوا منها امتعتنا ثم فتشونا تفتيشاً دقيقا وأخذوا كل ما لدينا من سجاير او نقود او ملابس خلاف البنطلون والقميص وبالاختصار جردونا من كل شئ ثم أمروا الأهالي بأن يحملوا أمتعتنا وسيرونا في صف واحد وحولنا الجند بأسلحتهم الجاهزة لاطلاق النار . كان ذلك وقت الظهيرة واستمرينا نمشي حتى العصر الأخير في طريق وعر حتى وصلنا طريق للعربات مشينا فيه نحو ثلاثة كيلومترات فوجدنا عربة محملة بادميين يشبهون الوحوش ومعهم اسماك متعفنه واشياء كثيره لاتستثيقها النفس . أوقفوا تلك العربة وامرونا بالركوب فيها ونحن اربعة عشر شخصاً فسارت بنا حتى السابعة مساء حيث وصلنا رئاستهم في موقع يقال له دونغو Dungo . لم نجد هناك الضابط المسئول وقالوا لنا ربما يكون في حانة القرية فأخذونا بنفس العربة للحانه فوجدنا القوم في هرج ومرج وطرب شديد وسكر وحضر الضابط الاداري وقال لنا لن ننزل حتى يحضر ضابط الجيش وليته ما قال ذلك إلا وأصبح في مشاجرة عنيفة مع معتقلينا فارجعونا للعربة وقالوا له كيف تجلس جواسيس ونحن اعتقلناهم ثم ارجعونا للمعسكر فوجدنا أن الضابط قد رجع فحضر إلينا وطاف حولنا وكان ينظر الينا نظرة احتقار ولم يتكلم معنا وامر بزجنا داخل مخزن لا شباك له وهو أقل من ثلاثة أمتار في ثلاثة امتار ونحن أربعة عشر شخصاً كما ذكرت سابقاً ..
في الصباح الباكر طلب منا أن نصطف في شكل طابور وحولنا حراسة مشددة وامرنا بالسير للنهر وهو على مسافة 2 كيلومتر وحين ماوصلنا اليه أعطيت لنا مسافة نصف متر بين الواحد والآخر وطلب منا أن نقضي الضرورة فامتثلنا مجبرين كنا في حالة لا نحسد عليها وبعد ان قضينا حاجتنا ارجعنا بنفس الطريقة للمعسكر واجلسونا في برندة في انتظار ترحيلنا لمكان آخر لا نعرفه وبعد قليل احضر لوري قلاب .. هنا كان يجلس بجواري مرافقنا الصحفي السيد عوض برير فسألني ما هذا القلاب فقلت له يمكن يريدون أن يقتلونا فجهزوا الحفرة وبدلاً ان يحملوا جثثنا إليها فضلوا القلاب ليحدفونا فيها .. ويبدو من تقاطيع وجهه انه صدق دعابتي العنيفة هذه فكان منظره يجعل اقسى الناس قلباً يعطف عليه ..
عندما سطعت شمس الاستوائيه فوق رؤسنا امرنا ان نركب بذلك القلاب وسار بنا حتى الخامسة مساء حيث وصلنا الى بلدة تسمى ازيرو Isiro واخذنا لميز الضباط حيث قابلنا ضابط برتبة ميجر وقال لنا انه قد صدرت تعليمات لارسالكم لعاصمة الإقليم مدينة ستانلي فيل وقد أرسلت طائرة لنقلكم اخذونا للمطار وجدنا الطائرة على أهبة الاستعداد وماهي الا دقائق بعد صعودنا الا واقلعت بنا ووصلنا المدينة بعد ساعة كاملة من الطيران ..
وبالعودة إلى كتابي :-
مضى يوم الاحد باكمله و الكونغوليون لا يردون علينا والخرطوم تلاحقنا كل نصف ساعة وقضينا ليلة ثانية في المكتب حتى اذا ما أشرقت شمس يوم الاثنين جاءنا خبر من المطار بأن الجماعة وصلوا كينشاسا فاسرعنا اليهم فوجدنا أنهم قد اخذوهم الى اكبر فندق في المدينة ..
ويورد اللواء محي الدين مزيداً من التفاصيل قائلاً:-
حينما هبطنا من الطائرة وجدنا في استقبالنا حاكم الإقليم وقائد الجيش وقوبلنا مقابلة طيبة فقد جهزوا لكل اثنين منا عربة لنقلنا لميز الضباط لنقضي الليل به .. وجدنا الغرف غير مرتبه والمياه غير شغاله وكان ان مر علينا يومان بدون اكل فطلبنا منهم شئ ما نأكله فقالوا لنا لم يكن لهم الاستعداد لذلك وبعد قليل أحضروا لنا صندوقين من البيره وقالوا لنا اشربوا هذا حتى نجهز لكم قليل من الأكل في الصباح .. ولما كنا في حالة لانحسد عليها من الجوع والعطش فمن كان لا يشرب اويشرب شرب من تلك البيره بقصد ادخال شيئاً ما في معدته وهكذا قضينا ليلتنا تلك في نوم عميق نتيجه للاجهاد وما فعلته فينا تلك البيرة نمنا وكأننا لم ننم قبل تلك الليلة وحينما أصبح الصباح احضروا لكل منا صحن فيه بيضاً ولحماً وزجاجة بيرة فقلنا لهم نريد ماءاً بدلاً من البيره فقالوا لنا لاتوجد مياه لدينا والبيره ارخص من الماء حيث ان زجاجة الماء تكلف اكثر من خمسين قرشاً وأن مياه الأنهار ملوثة فأكلنا وكأننا لم نرى الاكل من قبل وشربنا وفوضنا امرنا لله حيث كنا في حالة اضطرارية والله غفور رحيم وبعد الفطور مباشرة حضر لنا الحاكم والقائد وقالا بأن الطائرة جاهزة لتنقلنا إلى العاصمة كينشاسا وبعد ساعة ونصف من الطيران وصلنا فوجدنا عربة في غاية الجمال لكل منا واخذونا لأعظم فندق في العاصمة ويمسي مملنج Memling حيث وجدنا أنهم أعدوا غرفة لكل منا ولا أقول مبالغاً بأننا وجدنا تلك الغرف اكثر من مستوانا ونحن في تلك الحالة لنظافتها وحالتها وماعليها من فرش علماً بأننا كنا في حالة متسخة وملابسنا ممزقه و حالتنا يرثى لها وكان تفكيرنا ان يغسل كل منا ملابسه الداخليه ويستحم ..
وبعد قليل كنا كلنا في بهو الفندق لنطلب سفير السودان فحضر لنا سكرتير أول السفارة وقال لنا بأن السفير قد ذهب لاستقبالنا في المطار ولم يعد بعد وبعد ربع ساعة حضر السفير وكان لا يعرف غيري إلا أسماء الوزيرين فقط واول ما راني انفجر باكياً واتاني بالحضن قائلاً الحمد لله على سلامتكم وقد كان الأمل ضعيفاً في وصولكم بكامل عددكم هذا .. واستمر يبكي لفترة ثم صافح الآخرين وذكروا له اسمائهم ووظائفهم فقال فلنذهب للسوق اولاً ..
ومن كتابي نختتم بالآتي:-
السيد اللواء معاش محي الدين شخصية قيادية لعب ادواراً معروفة في التاريخ العسكري للسودان المستقل خاصة أيام الحكم العسكري الأول (1958-1964) ثم بعد ذلك امضى فترة غير قصيرة في السجن وبعد إطلاق سراحه شارك في الانتخابات ثم بعد انقلاب نميري وبداية الحكم العسكري الثاني( مايو 1969) تم اختياره مستشاراً ( بدرجة وكيل وزارة ) لوزارة شئون الجنوب المستحدثة آنذاك .. وقد أورد في كتابه المشار اليه اعلاه كثيراً من التفاصيل والمواقف التى قربته من الموت أكثر من مرة ولكن قصة الهليكوبتر ، كما قال لي شخصياُ والتى ختم بها كتابه والحقها بقصيدة نظمها ، كانت تجربة لا شبيه لها في حياته .. سمعت بالكتاب من شخص آخر كان على متن الطائرة وأخذت أبحث عنه دون جدوى طوال خمس سنوات إلى أن هيأ الله لي العثور عليه ..اما الفضل في البداية فيرجع للدكتور خالد حسن التوم الذي التقيته ايضاً في لندن ولكن بعد 33 عاماً من اخر مرة على أرض الكونغو حيث كان هو أحد ركاب الهيلكوبتر والآن كلما نلتقى خلال زياراته المنتظمة للندن تعود إلى ذاكرة كل منا احداث تلك الايام .. كان الدكتور وكيلاً لوزارة الصحة مرافقاً للوزير الدكتور موريس سدره وكانت المهمه كلها تتعلق بتطوير الخدمات الطبية في الجنوب ولذلك حملت الطائره ضمن ماحملت ادوية ومعدات للمراكز والمستشفيات..اما المجموعة الاخرى من الوفد فقد كانت من المهندسين على رأسهم المرحوم معاوية أبو بكر وكيل وزارة الأشغال واللواء محيي الدين أحمد عبد الله الذي كان في الأصل مهندساً في الجيش فأتى به الوزير جوزيف قرنق كمستشار فني له وذلك بسبب معرفته الجيدة لجنوب السودان ..
الاخ معاوية وإلى أن توفي عليه رحمة الله ما كنت ألتقيه في اي مكان الا ويعلن بحرارة للحضور انه تعرف علىّ في تلك الظروف الصعبه ثم يكيل المديح لشخصي الضعيف وكنت ارد عليه بأننا لم نفعل شيئاً غير أننا كنا شاهدين على معجزة من رب العالمين ..
من الركاب الاخرين الذين اذكرهم الصحفي المعروف عوض برير الذي لم يصدق ابداً انه نجا .. ولكنه استعاد ثباته وقال لي بعد جلسة استرخاء" يابختكم في البلد الطراوة دي"..
كان هناك ضابطان احدهما شاب من الجيش بدرجة رائد وآخر من البوليس للاسف لا اذكر اسماءهم .. كما كان هناك راكبان آخران..
اما المفاجأه فكانت الطائره مصريه وليست سودانيه ولم نعلم بذلك حتى رأينا الكابتن ومساعديه الثلاثه . اربعتهم ضباط سلاح الطيران المصري ..
كلفني السيد السفير ان اشتري للجميع ملابس جديده فكان أن أخذتهم الى متجر للملابس الجاهزة لا زلت اذكر اسمه المكتوب بالانجليزية Town & Country فاختار كل واحد منهم قميصاً واحداً ومنديلاً ( كان الجماعة في الغابه قد جردوهم حتى من مناديلهم ) أما الطيار ومساعديه فقد طلبوا بناطلين ايضاً بدعوى أنهم كانوا يرتدون الأوفرولات العسكرية وزادوا عليها ملابس داخلية .. استطاع السيد رحمة الله ان يضغط على الدكتور موريس سدرة باستبدال بنطلونه الممزق بآخر جديد بعد ان رفض في البداية طلبى منه ذلك ,, ولا زلت اذكر كيف ان صاحب المتجر وهو رجل بلجيكي كان محتاراً في هوية هؤلاء القوم الذين يبدون محترمين ولكن ملابسهم بائسه وما الذي حدث لهم حتى يشتري كل واحد قميصاً اقوم انا بسداد قيمته ( نقداً) نيابة عنهم فكان أن قلت له ان عفشهم لم يصل بعد ..
بعد ان قمنا بطمأنة الخرطوم بسلامة الوصول تم الاتفاق على إرسال طائرة من الخطوط الجوية السودانية في اليوم التالي لإعادتهم على أن تنقل الطائرة معها معدات للهليكوبتر المعطوبة تشمل بطاريات وزيوت حتى يتمكن الطاقم من تحريكها واعادتها للسودان ..
وحيث ان هذه العملية تستغرق زمناً وجهداً فقد كان من الضروري ولضمان سلامة الكابتن وزملاءه ان نستمر في القول انهم سودانيون وليسوا مصريين ( لان الخرطوم اصلاً لم تقل لنا في اي لحظه انهم كذلك وكنا نحن نذكر مع كل مذكراتنا و اتصالاتنا بالكونغولين ان كل الركاب سودانيون ) لذلك أخذتهم معي الى السفارة وأصدرت لهم وثائق سفر سودانية مؤقته - وذكرتهم بضرورة القول انهم كذلك - ثم كان ان كلفني الوزير جوزيف قرنق بعد موافقة السفير بمرافقتهم حتى أقرب نقطة لمكان الطائره والاتصال بالسلطات المحلية لتسهيل وتأمين وصولهم والمعدات الى تلك الناحية ..
بعد يومين ركبنا كلنا طائرة الفوكرز السودانية التي كان يقودها طيار ماهر اسمه حسب ماذكر كابتن حسن وهبطنا اولاً في مطار كسنقاني (ستانلي فيل سابقاً) ثم واصلنا حتى مطار ازيرو ( بولس سابقاً ) حيث نزلنا نحن الخمسة مع المعدات وواصلت الفوكرز رحلتها الى جوبا والخرطوم .. ذهبت الى معتمد المحافظة واتفقنا على أن يأتينا بشاحنة صباح اليوم التالي للسفر بها حتى مكان الطائره القابعة على بعد مائتي كيلومتر تقريباً وسط غابات كثيفة .. ثم تناولنا العشاء في الفندق الوحيد المملوك لرجل قبرصي يوناني..
كانت هناك غرفة واحدة شاغره في الفندق وغرفتان في استراحة مجاورة فضل المصريون الأربعة البقاء معاً فيهما وهم اصلاً يأتمرون بأمر قائدهم الكابتن عادل وهو بدرجة صاغ ( رائد) وبقيت انا في الهوتيل بعد اتفاق بيننا على الالتقاء على مائدة الإفطار في الثامنة صباحاً . ومما يجب ذكره قبل هذا هو ان الطائرة ضلت الطريق بسبب عدم معرفة الطيار لجنوب السودان عامة ومنطقة غرب الاستوائية خاصة وكذلك بسبب قدم الخرائط التي كانت بحوزته والتى تعود الى العام 1941 - انحرف مسار الطائره بمعدل 22 كيلومتراً داخل الكونغو .. وكان كل من السيد جوزيف قرنق ومحي الدين أحمد عبدالله اللذان يعرفان المنطقه جيداً يقولان للكابتن - حسبما روى لنا انه لابد ان يكون قد ضل الطريق ولكنه كان يصر على دقة معلوماته .. وعندما لم يصل الى هدفه أخذ يدور ويدور الى ان اضطر للهبوط في فسحة وسط الاشجار عثر عليها بصعوبة وقد أثار تحليقه انتباه كل إنسان في هذه المنطقه فحمل كل واحد سلاحه اليدوي واسرع نحو الطائرة حتى احاطوا بها من كل الجهات .. سال جوزيف قرنق بلغة الزاندي امرأة كانت تقف بالقرب من الطائره عندما نزل منها الجميع عن اسم المكان فقالت له انهم في الكونغو . قرروا فوراً العودة الي الطائرة التي كانت تحتاج الى متسع من المكان للإقلاع و لكن اصحاب الارض لم يمهلوهم وضيقوا عليهم الخناق حتى أجبروهم على الوقوف بانتظار مصير غير معروف . حاولوا ان يشرحوا انهم من السودان الجار الصديق وانهم من كبار المسئولين وأنهم ضلوا الطريق وانهم وانهم ولكن لا سميع .. تم ايقافهم وتفتيشهم واخذ كل ما بجيوبهم من اموال واوراق ( وحتى المناديل المستعملة)وكذلك الأقلام وساعات اليد وكان ( عددها 13) ثم الجاكيتات بالإضافة إلى حمولة الطائرة من الأدويةوالطعام وتركوهم - مشكورين - بالقمصان والبناطلين والاحذيه لحسن الحظ .. ثم سيراً على الأقدام وسط الغابة لمدة ساعتين حتى اقرب قرية ثم على سطح شاحنة (لوري) ساعات طوال حتى ازيرو حيث قفلوهم في زنزانة صغيرة حتى صباح اليوم التالي دون اكل او شراب أتوا إليهم بعد ذلك بصندوقين من البيرة ثم نقلوهم بطائرة صغيرة الى كسنقالي العاصمة الإقليمية ثم منها بطائرة اخرى الى كينشاسا العاصمة وفقط قرب الوصول اخطرتنا السلطات الكونغولية في السفارة بمجيئهم المرتقب وكان ذلك في اليوم الثالث ( يوم الاثنين ) لمغادرتهم مريدي .
ولكن في كينشاسا تغير الحال فانزلوهم في افخم فندق إذ من الواضح ان مذكرات السفارة للحكومة الكونغولية قد بدأت تثمر كان المهم بالنسبة لنا أن يصلوا سالمين بأي شكل خاصة بعد ان راينا - وتأكدنا من ذلك فيما بعد - ان الطائره قد هبطت في مكان اسمه- كما في الخريطة دون مواراة " ياكلوكو" Yakoulouko
من جانب آخر ولسبب غير معروف قرر الذين قاموا بنهب الطائرة وركابها اعادة ساعتين من الساعات الثلاثة عشر فكانت إحداهما تلك التي تخص اللواء محي الدين فكان يلبسها على ما ذكر في رسغه الأيمن أما الثانية فكانت تلك المملوكة للكابتن عادل ولكنه فضل ان يبقيها في جيبه .. عندما جاء الاخوه للفطور صباح اليوم التالي كان المتبقي منه فقط القهوه وقليل من الخبز فاحتجوا على صاحب الفندق فقال لهم لقد تاخرتم على الموعد وآمنت انا على حديثه فقال رئيسهم انهم لا يعرفون الوقت لانه ليست لديهم ساعات ولكني ذكرته بانه هو بالذات لديه ساعه فما كان الا اضحكنا بقوله " ما اصلو مخبيها يا بيه "
أكملت مع السلطات المحلية إجراءات الترحيل والحماية للمجموعة وزودتهم بالشهادات المكتوبة وبالنصائح الشفوية وقليل من النثرية لزوم شراء بعض الضروريات . وبعد ان تحركوا عدت في اليوم التالي الى كينشاسا حيث قبعنا منتظرين خبر وصولهم الخرطوم وهو مالم ياتينا الا بعد اسبوع تقريباً بعد ان توقفوا كما يبدو في جوبا ومريدي اولا عدة أيام ..
لذلك طوينا صفحة الهيلكوبتر وانصرفنا لغيرها من هموم عملنا وحياتنا في كنشاسا ولكنها ظلت كما هو واضح من هذا السرد الطويل وبعد خمسين عاماً من حدوثها حكاية لا تنسى..
أود في هذه المناسبة ان أذكر بالخير كله الدكتور خالد حسن التوم القيادي بالحزب الشيوعي السوداني وقد سعدت بمشاركته في تدشين كتابي في لندن وكنت قبل ذلك اشتركت معه في ندوة سياسية عن الاوضاع في السودان تحدث فيها انابة عن حزبه بينما تحدثت انا بصفتي رئيساً للجالية السودانية بلندن (2007-2009) اتمنى له دوام الصحه وطول العمر فهو من حكماء عصرنا.
في الحلقة القادمة من أوراقي :-
اول عطله لي بعد مجيء السكرتير الثالث عبد الرحيم خليل( السفير حالياً في بلجيكا 2020-2021) وسفري جنوباً للغوص في حزام النحاس في كاتانغا ( حالياً شابا ) في محاولة للحاق ببعثة سكك حديد السودان .. مع أيام لا تنسى في ضيافة الأخوين دكتور عبد الواحد عبد الله يوسف ودكتور مهلب عبد الرحمن على طه الأستاذين بجامعة لوساكا ..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.