وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لَوْ أَنَّهُم !! .. بقلم: كمال الجزولي
نشر في سودانيل يوم 31 - 03 - 2021


الإثنين
بصُدفة التَّوافق مع عيد الرَّبيع، ويوم الأم، رحلت العالمة النِّحريرة، والمفكِّرة الكبيرة، والسَّاردة الباتعة، والمرأة ذات الرَّبيع النَّفسي الدَّائم، نوال السَّعداوي، التي أضحت رقماً يصعب تجاوزه في ساحة الفكر والإبداع، بإسهامها في تسليح المرأة العربيَّة، بالذَّات، أينما كانت، بالوعي، من زاوية نظرها! رحلت في عمر التِّسعين، مخلِّفة إرثاً لا يُستهان به من الأعمال الملهمة للكثيرات والكثيرين، والسِّيرة المحتشدة بالرفض الجرئ للقيم التي تراها بالية، والاستماتة في الدِّفاع عن حقوق الإنسان، والمرأة بالذَّات، بصرف النَّظر عمَّن يتَّفقون معها أو يختلفون؛ رحلت دون أن يخفت صدى المعارك الفكريَّة التي ظلت تخوضها، وإلى جانبها رفيق دربها شريف حتاتة، على مدى سنوات طوال، علماً بأن الاصطفاف معها أو ضدَّها لم يخضع، قط، للتَّنميط المعتاد بين «تقليديِّين» و«حداثيِّين»؛ لذا رحلت وليس في قلبها النَّابض ببسالة الموقف، ووجدانها المترع بصدق التَّعبير، موضع لم تصبه سيوف خصومها، من الفريقين، أو تجرِّحه، عميقاً، سكاكينهم! صدمتهم أفكارها، فكفَّرها «الإسلامويُّون»، وطالبوا القضاء، عام 1988م، بتطليقها من زوجها! وتلجلج إزاءها كثير من «الحداثويِّين» وعبَّروا عن سخطهم على «تجاوزات» جرأتها المحرجة، فضلاً عن تغليبها الانحياز لنظام السِّيسي ضدَّ الأخوان المسلمين، حتَّى على حساب الموقف المبدئي المفترض من الحريَّات العامَّة! أمَّا السُّلطات، خاصَّة على أيَّام السَّادات، فقد لاحقتها، وصادرت كتبها، ككتاب «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة»، وحرمتها من مزاولة مهنة الطبِّ رسميَّاً، وليس نادراً ما زجَّت بها في السِّجون! والآن، بعد وفاتها، ما يزال ثمَّة من يجادل حتَّى في جواز «التَّرحُّم» على روحها!
المقرَّبون منها أفادوا بأنها عانت من متاعب صحيَّة حالت، خلال السنوات الثَّلاث الأخيرة، دون مواصلة إنتاجها بذات الكثافة، فلم تتمكَّن حتَّى من إكمال الجزء الرَّابع من مذكِّراتها. لكنها حرصت على مواصلة الكتابة الرَّاتبة لبعض الصُّحف، كيلا ينقطع مشروعها «التَّنويري»، ما بين أبحاثها الطبيَّة، وإسهامها الفكري، في السِّياسة، والدِّين، والجِّنس، متجاوزة سياج المحظورات، والعقليَّة الذُّكوريَّة القامعة للمرأة، والمفاهيم الخاطئة عنها وعن جسدها. مع ذلك، وبسبب ما اعتبره «التَّنويريُّون» فصاماً لديها بين القيم المذكورة، وبين الحريَّات العامة، فقد اتَّخذوا موقفاً سالباً من مشروعها، حيث لمسوا «خللاً» كبيراً في تكريسها من جهة، أنضر سنوات عمرها لخدمة قضايا نبيلة، ثمَّ إقدامها على الدِّفاع، من جهة أخرى، وفي أخريات أيَّامها، عن نظام السِّيسي في مصر!
على أن نوالاً لم تعدم من يدافعن عن مشروعها حتَّى بين النِّساء المتديِّنات، على وجه الخصوص، فقد نشرت الكاتبة الجمهوريَّة السُّودانيَّة بثينة تروس، مؤخَّراً، مقالة مهمَّة تطرَّقت فيها إلى تجربة جيلها مع هذا المشروع، قائلة: «تعلقنا بها كلفاً مذ كنَّا صبايا في مجتمع ذكوري للرِّجال فيه مطلق الحريَّات، بسند عرفي وديني يتمظهر شيوخه بلحاهم، وأيديهم القابضة على موروث الكتب الصَّفراء المعنعنة الوصايا، جُلُّ همِّهم كيف لهم حفظ البيضة من الحجر، والإنتاية من الضكر»! وتمضي بثينة قائلة: «أخذت بتلابيب دهشتنا مدرسة نوال .. تجيب علي ما يجري في أدمغتنا اليافعة، حيث تحارب الأفكار بعضها بعضاً ما بين الحلال والحرام، وثقافة التَّعرُّف علي الرَّغبة والجَّسد، والمسكوت عنه في تربية البنات، وسطوة النُّفوذ الأبوي والمجتمعي، ناقدة مكامن الضَّعف في موقع المرأة في .. أحكام الشَّريعة! ومن عبارتها في مطابقة الحديث النَّبوي (عُفُّوا تعفُّ نسائكم) مقولتها: بدلاً من ترقيع غشاء البكارة في أجساد النِّساء، أليس من الأفضل تغيير مفهوم الشَّرف في عقول الرِّجال»؟ وتستطرد بثينة قائلة: «خلخلت نوال ركائز الفكر القديم في ثوابتنا، عارضت التَّعدُّد في الزَّواج، وعدم المساواة في الميراث، فسعينا جدَّاً نحو الأفكار التي طرحت حلولاً للتَّعارض البادي بين واقع المرأة المعاصرة، والفهم السَّلفي للمرأة، ومن داخل الدِّين نفسه .. بحسب ما طرح الأستاذ محمود محمد طه في الفكرة الجُّمهوريَّة». وتعلق بثينة على قيام رجال الدِّين من الأزهر بتكفير نوال، وإخراجها من الملة، في مواصلة لمحاكم التَّفتيش في العصور الوسطى، قائلة إن تلك المؤسَّسات الدِّينيَّة توقف بها الفهم في آيات الوصاية، وتجهل آيات الحريَّة والاسماح في القرآن». وتؤكِّد بثينة على أن نوالاً «أسَّست للمصادمة الفكريَّة مدرسة خاصَّة تحمَّلت تبعات مسئوليَّتها بشجاعة، وعلي ضوئها حدثت تغييرات حقيقَّية (حيث) طالبت بتعديل قوانين الأحوال الشَّخصيَّة، وحرَّضت المجتمع النِّسوي على النُّهوض لإلحاق نسب الطفل بأمِّه، وقد كان، ووافق مجلس الشُّورى المصري بالأغلبيَّة، عام 2008م، ومنح قانون الطفل الجَّديد المرأة الحقَّ في .. تسجيل مولودها في مكتب الصَّحَّة، ونسبته إلى أب مجهول، والذي يتبقى له، في وقت لاحق، الإقرار بذلك أو نفيه، ورفع سن زواج الفتاة إلى 18 عاماً، وإجراء فحص طبي قبل الزَّواج، وتجريم ختان الإناث». وتورد بثينة معارضة الفقهاء، كعادتهم، لذلك القانون، حيث وصموه بأنه «يدعو لمشروعيَّة الزِّنا، وأبناء الحرام، رغم أن محاكم الأحوال الشَّخصيَّة في جميع البلدان الإسلاميَّة تعجُّ بأطفال تخلَّى عنهم آباؤهم السُّفهاء، لعدم المسئوليَّة، وعدم الأخلاق والدِّين». وتشدِّد بثينة على أن نوالاً كتبت ما يربو على الخمسين كتاباً تُرجمت إلى ثلاثين لغة لم تتهيَّب فيها الرأي العام الذي يجعل العُرف سيفاً مسلطاً ضد التَّحاور حول حقوق المرأة، «فانتقدت الحجاب، وردَّت بذكاء على المحجَّبة التي عللت حجابها بمنع (فتنة) الرَّجل، بقولها (إذن المشكلة ليست في المرأة بل في عقل الرَّجل)، ودعت الرِّجال، بسخرية، إلى تغطية أعينهم! .. وكتبت أن الرَّاقصة تري نفسها سلعة جنسيَّة تتاجر بها، والمنقَّبة، أيضاً، تري نفسها سلعة جنسيَّة لكنها تخفيها، أمَّا المرأة الحقيقيَّة فتري نفسها إنساناً طبيعيَّاً لا تعرض ولا تخبئ نفسها، بل تتصرَّف كإنسان»! وتختم بثينة كلمتها بقولها: «إن نوالاً لم تغب عن ثورات الرَّبيع العربي، وتعتقد أن مصر في وضع أفضل بدون الأصوليِّين الإسلاميِّين في السُّلطة .. وبرحيلها فقدت النِّساء فارسة شُّجاعة تحمَّلت مسئوليَّة أفكارها، وأقوالها، وأفعالها».
أخيراً، لمَّا ازداد تراكم المياه البيضاء في عينيها، اضطرَّت للخضوع لعمليَّة جراحيَّة لم يُكتب لها النَّجاح، للأسف، فتدهورت قدرتها على الرؤية، لدرجة تعثُّرها، ذات مرَّة، وسقوطها على الأرض، فأصيبت بكسر في فخذها لم يكن من الممكن علاجه بغير تركيب مسامير فرضت عليها المداومة ما بين البيت ودار رعاية متخصِّصة في العلاج الطبيعي. لكن حالتها الصِّحيَّة واصلت التدهور، فنُقلت إلى المستشفى بسبب التهابات شديدة بمعدتها. وللأسف لم تنجح كلُّ جهود الأطباء في مساعدتها على ابتلاع الطعام، فساء وضعها الصِّحِّي حتَّى أسلمت الرُّوح، عليها رحمة الله ورضوانه. ولعلَّ الأكثر مدعاة للأسى، بالإضافة لموتها، الملاحظة المؤسفة، على المستوى الأخلاقي، والتي كشفت عنها مديرة أعمالها، بأنها عانت، قبل موتها، من جحود الأصدقاء، أكثر من المرض نفسه، إذ لم يكن أحد يسأل عنها، أو يعودها، بخلاف سعد الدِّين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدِّراسات!
الثُّلاثاء
التَّعليق الأفكه على تصريحات المسؤولين عن إدارة الكهرباء بأنهم يبذلون جهوداً جبَّارة لضمان استقرار الإمداد خلال شهر رمضان الفضيل هو السُّؤال الذي وجَّهه لهم محمَّد محمَّد نور، الأسبوع الماضي، في صفحة الرَّأي بهذه الصَّحيفة: «يا أيُّها القابضون على مفاتيح إغلاق التَّيَّار، هل أنزل عليكم أن الكهرباء في غير رمضان رجس من عمل الشَّيطان»؟! أمَّا التَّعليق الأخطر فهو قفَّاز التَّحدِّي الذي ألقاه في وجوههم، علناً، صديقي محمَّد وداعة، عبر عموده، بأن القطوعات ستزداد وتيرتها، حيث التَّخزين في سدِّ مروي يقلُّ عمَّا كان عليه في مثل هذا الوقت من العام السَّابق بحوالى ملياري متر مكعَّب، كما يقلُّ ارتفاع المياه في البحيرة بحوالي مترين!
الأربعاء
بين يدي استقلالنا السِّياسي الذي احتفلنا، مؤخَّراً، بذكراه الخامسة والسِّتين، شهد الأسبوع الثَّالث من فبراير 1956م، واحدة من أخطر مفارقات السِّياسة السُّودانيَّة التي ظلت تتكرَّر، منذ ذلك التَّاريخ، وحتَّى يوم النَّاس هذا، دون أن نتمكَّن من وضع علاج ناجع لها، برغم كلِّ الثَّورات، والانتفاضات، والتَّضحيات! ففي العشرين من ذلك الشَّهر أصدرت الجَّبهة المعادية للاستعمار بياناً، بتوقيع سكرتيرها العام عبدالرحمن الوسيلة، حمل مطالبتها المتطابقة مع مطالبة الدِّيموقراطيِّين كافة، والتي كادت الحلوق تجفُّ من تواتر ترديدها، والموجَّهة إلى حكومة الاستقلال، وكان الأزهري رئيسها ووزير داخليَّتها، بضرورة «كفالة الحدِّ الأقصى من الدِّيموقراطيَّة»، منبِّهة إلى أن الخطوة الأولى بهذا الاتِّجاه هي «شطب جميع القوانين المقيِّدة للحريَّات». وكان «مجلس النُّوَّاب، السُّلطة التَّشريعيَّة في البلاد، قد أصدر قرارات بذلك ملزمة للحكومة، ونافذة المفعول»، لولا أن مبارك زرُّوق، وزير العدل، أمعن في الاستهانة بها، إذ أعلن أن «إجازة مجلس النُّوَّاب لقرارات شطب القوانين المعادية للدِّيموقراطيَّة ليست ملزمة للحكومة، وإنَّما مجرَّد توصيات»! واعتبر بيان الجَّبهة ذلك الإعلان «تحدِّياً فظَّاً للسُّلطة التَّشريعيَّة»، كما عدَّ «التَّلاعب بقرارات مجلس النُّوَّاب .. ضدَّ قوانين الاستعمار، لعباً بالنَّار، وتبخيساً لكفاح الشَّعب الطويل».
المفارقة، هنا، هي أنه، ما كادت تشرق، مباشرة، شمس اليوم التَّالي 21 فبراير، حتَّى أقدمت السُّلطات على اعتقال 281 مزارعاً بمشروع جودة الزِّراعي، جنوب بحر ابيض، على خلفيَّة مطالبتهم المشروعة بمستحقاتهم عن القطن الذي زرعوه شراكة مع المشروع، وتمَّ حبسهم في عنبر بالغ الضِّيق، يتبع لبعض الوحدات العسكريَّة، ومسقوفٍ بالزِّنك، ولا منافذ له، ومنع عنهم الماء، في يوم قائظ الحرارة، مِمَّا حصد بين 200 250 روحاً بريئة، فقد تكدسوا، وتلاصقوا، فلم يمكِّنهم التَّنفس، حيث لم تكن ثمَّة ثقوب، ولم يُسمع لاستغاثاتهم. ولذا، كان الجَّميع، عند الصَّباح، موتى، عدا ثلاثة روى أحدهم أنه نجح في خرق الجدار بسكينة كان يحملها، مِمَّا مكَّنه من وضع أنفه على الفتحة! وانتهى الأمر بأن حفرت السُّلطات مقبرة جماعية، جرَّدت الجَّثامين من الملابس، والأحذية، وألقت بهم فيها، ثمَّ أهالت عليهم التُّراب!
وفي كتابه عن كوستي أورد نصر الدين شلقامي قول أحد الناجين: «شعرنا بالضيق يضغط على صدورنا، ويمسك بأعناقنا، ويقطع أحشاءنا، وسال العرق من أجسادنا على الأرض، ثمَّ جفَّت شفاهنا، وتحجَّرت حلوقنا، وصحنا للحرَّاس، لكنهم ردُّوا علينا بالرَّفض والسَّخرية، وفقدنا القوَّة تماماً، واستحوذ علينا اليأس، وأصيب بعضنا بنوبات تشبه الجُّنون، وكانوا يطأون رقابنا، وظهورنا، ويردِّدون كلمات مبهمة، ثمَّ يسقطون صرعى بعضهم فوق بعض»!
وجاء في التَّقارير الطبيَّة، أن سبب الوفاة شدَّة الإرهاق، والحرارة، ونقص الأوكسجين، وتراكم ثاني أوكسيد الكربون!
وفي رائعته بشأن مأساتهم قال صلاح احمد إبراهيم: «لَوْ أَنَّهُم حِزْمَةُ جِرْجِيرٍ يُعّدُّ كَيْ يُبَاعْ/ لِخَدَمِ الأفْرِنْجِ فِي المَدِينَةِ الكَبيرَةْ/ مَا سَلَخَتْ بشْرَتَهُمْ أَشِعَّةُ الظَّهِيرَةْ/ وبَانَ فِيهَا الإِصْفِرَارُ والذُّبُولْ/ بَلْ وُضِعُوا بِحَذَرٍ فِي الظِّلِّ فِي حَصِيرَةْ/ وبَلَّلَتْ شِفَاهَهُم رشَاشَةٌ صَغِيرَةْ/ وقَبّلَتْ خُدُودَهُمْ رُطُوبَةُ الأَنْدَاءْ/ والبَهْجَةُ النَّضِيرَةْ»!
وبعد، لو كنَّا افترعنا، آنذاك، ثقافة المحاسبة لحكومة الأزهري، أكان أحدٌ تجرَّأ، منذ ذلك الوقت، على رفع سوط واحد في وجه مواطن!
الخميس
الشكر أجزله لحمد النِّيل فضل المولى، من بيت المال، الذي كتب مصحِّحاً لقب مفتِّشة الصَّحَّة، في أم درمان الخمسينات، بأنه «حنينة ام عجلة»، لا «ام عجل» كما جاء في الرُّوزنامة قبل الماضية! وربَّما كان عذرنا أننا استندنا، في ما سقنا، إلى حسب الرسول عباس، نقلاً عن الصَّحفيَّة فوزيَّة يوسف. ثمَّ إننا نشكره على تثمينه، عالياً، اقتراح تخليد ذكرى تلك المرأة الماجدة «حنينة عبد الرازق»، بإطلاق اسمها على شارع بالمدينة، فهذا، على حدِّ تعبيره الرَّشيق «أقلُّ معروف يُقدم لتلك السَّيِّدة الفاضلة التي أبدعت في وظيفة تتطلب الكثير من الصَّبر، والعناء، مع روح وثَّاب، ومقدرة على إقناع المواطنين بجعل البيئة في أجمل عنفوانها، وأحدث شبابها، وأعلى رونقها». وعزا حمد النِّيل ركوب «حنينة» البسكليت لكونه وسيلة عمليَّة للدُّخول في الأزقَّة الضَّيِّقة لأداء عمل يتطلب دخول البيوت للوقوف على حالة البيئة، والتَّأكد من عدم تكاثر الآفات من ذباب وناموس وغيرهم. ووصف تلك السَّيِّدة بأنها «ذات كاريزما أخَّاذة، وشخصيَّة جذَّابة، بثوبها الأبيض، وشلوخها البارزة، وحذاء باتا صُنع في السُّودان»، وكنَّا أوردنا، عن حسب الرَّسول وفوزيَّة، أن حذاءها كان مركوباً برتقاليَّاً! ويضيف فضل المولى أنها «من أم أو جدَّة نمساوية بدليل عينيها الخضراوين، وركوبها الدَّرَّاجة الهوائيَّة، فما كان لها أن تجرؤ علي ذلك لولا الدِّماء الزَّرقاء»! وإلى ذلك وصفها بأنها «كانت متحدِّثة لبقة تعرف الأنساب، وتاريخ الأسر الأمدرمانيَّة». ونقل رواية سماعيَّة، لم يتحقُّق منها، بأن العلاَّمة الرَّاحل الطَّيِّب السَّراج لم يعجبه ركوب بنت سودانيَّة البسكليت، فعلاها بالدرَّة! ويتذكَّر حمد النيل أنه جلس إليها، يوماً، في الحوش الكبير لآل قرشي ببيت المال، بصحبة بنات أختها، وفيهنَّ أمُّه وخالاته، فهي بمثابة الجِّدَّة له، فسألته عن عمله، وكان حديث التَّعيين مدرِّساً بالمرحلة الوسطى، فلما أخبرها انتهرته: «بلا تدريس بلا كلام فارغ .. الزِّراعة مالا»؟! ويستطرد بأنه ليس نادماً علي التَّدريس، لكنه لطالما تمنَّى لو أنه كان سمع «كلامها الذَّهبي» ذاك، خاصة ونحن، الآن، على حدِّ تعبيره، «نعاني ما نعاني من هجرة الأرض حتَّي احتلها الآخرون»!
الجُّمعة
مرَّت، الشَّهر الماضي، الذِّكرى السَّابعة والأربعون لرحيل المغنِّية الرَّائدة عشَّة الفلاتيَّة في فبراير من عام 1974م بأم درمان. وفي حوار أجراه معها الصًّحفي الكبير الرَّاحل رحمي سليمان، قالت عشَّة قولاً مؤثِّراً عن أن مسيرتها الإبداعيَّة لم تكن بالسَّلاسة واليُسر اللذين قد يعتقدهما البعض: «شقيت وتعبت ووهبت عمري كله لوطني .. صبرت، مو كدي؟! مادمت (صابرة)، فإن الله قد وفَّاني أجري بغير حساب، لأنه تعالى قطع على نفسه عهداً لا بد أن يوفيه حين قال يوفَّ الصابرون أجرهم بغير حساب».
وربَّما لا يعرف الكثير من بنات وأبناء الأجيال الحديثة أن المعاناة الاجتماعيَّة مع فنِّ الغناء والموسيقى لم تقتصر على الفنَّانات النِّساء فقط، بل شملت، أيضاً، الفنَّانين الرِّجال، خصوصاً الرُّوَّاد، ولسنوات متطاولة، قبل أن تفضي مقتضيات التَّطوُّر إلى القبول النِّسبي الذي أصبحت تجده هذه الممارسة مؤخَّراً جدَّاً. وقد روى الكثيرون تجارب مؤلمة خاضوها في هذا المجال، أورد طرفاً منها معاوية حسن يس، في مؤلَّفه الفريد الذي قدَّم له عبد الله علي إبراهيم: (من تاريخ الغناء والموسيقى في السُّودان: 1940م 1999م، ج2، ط1، مركز عبد الكريم مرغني 2012م)، كأحمد المصطفى الذي كان يعمل بشركة عبد المنعم محمَّد، والذي عبَّر المحسن الكبير عن خيبة أمله فيه حين علم أنه بدأ يغنِّي في الإذاعة! وكذلك إبراهيم عوض الذي قاطعه والده ثلاث سنوات عندما علم أنه بدأ، أيضاً، يتَّجه للغناء في الحفلات! لكن، لئن اتَّسمت الغالبيَّة من الفنَّانين بالصُّمود، وبسالة التَّحمُّل لتلك الظُّروف غير المواتية، فإن اليأس، في ما يورد معاوية، كان ينتاب نفوس البعض، فيلجأوون لمداواته بالتي كانت هي الدَّاء! ويستطرد: «ربَّما شعر بعضهم، تحت وطأة اليأس والمهانة، بلا جدوى الاجتهاد والمثابرة .. ما دامت موهبته سبباً لذمِّه والحطِّ من المكانة الاجتماعيَّة التي يستحقُّها»!
معاناة الفنَّانات النِّساء أعظم، بطبيعة الحال، ولأسباب معروفة، مقارنة بالفنَّانين الرِّجال. والأرجِّح أن أهمَّ ما ترتَّب على ذلك حجب الأسر بناتهنَّ عن هذا المجال. لذلك، يقول معاوية: «كانت التَّضحية التي قدَّمتها رائدات الغناء، عشَّة الفلاتيَّة، ومهلة العبَّاديَّة، وفاطمة الحاج، ومنى الخير، وغيرهنَّ، أمراً لا يمكن تقديره بثمن»، خاصَّة مع استمرار «نظرة المجتمع الدُّونيَّة للفتيات اللاتي يُقبلن على الغناء»، حسب ملاحظة عبد الله، حتَّى بعد ظهور فريق «البلابل» الغنائي النِّسائي على يد الموسيقار بشير عباس. ويقول معاوية إن ثلاثي الفريق أنفسهنَّ هادية وحياة وآمال اعترفن «بعدم نجاحهنَّ في حمل المجتمع على تغيير قناعاته»! بينما اعتبر عبد الله ذلك «نتيجة منطقيَّة لرداءة تحديدنا لموقع البلابل في خريطتنا الفنيَّة .. فحين أسمَّينا مرحلتهنَّ مرحلة بنات الأسر، دمغنا ما قبل البلابل بما يستحقُّ الاستحياء منه؛ وقد صدر منَّا ذلك، ويا للأسف، بحياة الرَّائدة رفيعة الشَّأن عشَّة الفلاتيَّة»!
السَّبت
لو أن الرَّفيق عبد الواحد محمَّد نور كان بادر بطرح اقتراحه حول الحوار السُّوداني السُّوداني، قبل أن تُنصب منصَّة اتِّفاق جوبا، لكُنَّا، إذن .. «عبرنا»! أمَّا الذين يعوِّلون، الآن، على مجرَّد توقيع الحلو برهان إعلان مبادئ، بالأحد 25 مارس 2021م، رغم أهمِّيَّته بالنِّسبة للسَّير في الاتِّجاه الصَّحيح، ويعوِّلون، كذلك، على إمكانيَّة توقيع نور برهان إعلاناً شبيهاً، عمَّا قريب، معتقدين أن ذلك يضمن «ارتداف» الحركتين على ظهر اتِّفاق جوبا، كوسيلة لتحقيق «السَّلام الشَّامل» المعرَّف بالألف واللام، فواهمون، ولا شأن لهم لا بالسَّلام، ولا بالحرب .. وأسأل الله أن يكذِّب الشِّينة!
الأحد
المرحوم محمَّد ميرغني كان صحفيَّاً مرموقاً، خلال «العصر الذَّهبي» للصَّحافة، في ستِّينات القرن الماضي، بل كان أحد أنبغ كبار الصَّحفيِّين، وكان يراسل وكالة رويتر. وقد اشتُهر عنه السَّبق الصَّحفيُّ الذي حقَّقه لتلك الوكالة، حيث كان أوَّل من نقل للعالم خبر إنقلاب النِّميري في 25 مايو 1969م. وكان أطرف ما ورد في صيغة الخبر ملاحظته اللافتة إلى أن «دبَّابات الانقلاب التي خرقت دستور البلاد نفسه، باستيلائها، عنوة، على السُّلطة، كانت، في طريقها من منطقة خور عمر العسكريَّة، تتوقف عند إشارات المرور الحمراء، احتراماً لقانون المرور»!
***
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.