بعد كتابة مقال قديم بعنوان "أنت أسمر إذن أنت جميل" ، انضممت إلى فئة الكتاب الذين يتحاشون الكتابة عن اللون وهو ما يُفسّر من قبل البعض تمييزاً .وبالرغم من التزامي إلا أن حبي للكتابة عن اللون الأسمر تحرك من سكونه مرة أخرى عندما أدركت مدى خطورة أسره وتكبيله وتكميم فمه ورميه في معسكر التمييز حتى لو كان الحديث إيجابياً ، وهذا يجعلنا نفكر في العودة إليه بشيء من حساسية القلم. قد يكون الحديث عن اللون الأسمر حالة نفسية تطلب الأمان وانصاف هذا اللون الذي ظلمته اللغة بتعريفاتها السلبية الحالكة للتعبير عن الألم والتعاسة والحظ السيء وفي حالة أخرى هي للتقرب والتعرف على تحول اللون دلالياً من وضع لون إلى معنى يتموسق مع طبيعة المرئي وايقاع اللون النفسي الذي يحوله من صورة تقليدية إلى صورة محكومة بخصوصية الوصف . وبالرغم من ظلم اللغة إلا أنه ثمة إشارات لثقافات وسلوك حضاري واجتماعي وديني وكتابات متعددة تمجد اللون الأسود ،وتفخر به وأخرى وقعت أسيرة غرامه كتلك الحالة التي ذكرها الكاتب سمير عطا الله وياسين رفاعية عن الشاعر أمين نخلة الذي افتتن بفتاة في العشرين من عمرها وكان قد جاوز الستين.فقد كتب أمين نخلة في تلك الفتاة قصيدته التي اطلق عليها اسم "القصيدة السوداء"، وكانت عن حسناء سودانية اللون، ومطلعها: لا تعجل، فالليل أندى وأبرد يا بياض الصباح، والحسنُ أسود! ليلتي ليلتان في الحلك الرطب جنحٌ مضى، وجنح كأن قد ست: نحن العبيد، في مجدك الاسود أهل البياض، نشقى ونسعد كان أولى لو كنت آخذ بالخصر ولكن يكاد بالكف يعقد. وبينما ذكر الكاتب سمير عطا الله في عموده بصحيفة الشرق الأوسط 28مارس 2010م أن القصيدة كتبها الشاعر أمين نخلة في حسناء سودانية أوضح الكاتب ياسين رفاعية في ذات الموضوع في صحيفة النهار البيروتية في 16 مارس أن أمين نخلة كتب القصيدة في حسناء سودانية اللون .وعندما بحثت في تفاصيل القصة لاتأكد من أصل بطلة القصيدة وجدتها فتاة دمشقية تدعى فريال كانت تعمل ضمن طاقم المكتب الصحفي في القصر الجمهوري في دمشق أيام الوحدة السورية – المصرية مع فريق عمل تكون من غادة السمان واسكندر لوقا وياسين رفاعية. استهواني وصف ياسين رفاعية للفتاة بأنها سودانية اللون ولو قال سمراء لكان الوصف عادياً ومستهلكاً. وبوصفه هذا فإنه استخدم الإيقاع المباشر في التعبير عن الحقيقة فنسب اللون إلى أصله "الأسود أو السواد" وفي ذلك شجاعة نادرة ، وبالرغم من ذلك لم يلمس فيها القاريء أي نوع من العنصرية أو الوصف التمييزي . وبالإضافة إلى ذلك فإن اللغة الشاعرية التي اكتنزت هذا المعنى تحيلك مباشرة إلى حيث تُقرع الطبول الأفريقية وتزدحم أذنيك بصداها الآتي من خلف الغابات ، وتزدحم أنفك بعبق المطر الاستوائي الفوضوي ، وترى من خلاله طبيعة لا تنفصل حيواناتها عن نباتاتها في تناسق وانسجام. فاللون بحياديته أداة فاعلة في تحريك عصب عين الرائي ، وعند أهل الفن التشكيلي ما يسمى بسيمياء اللون وهي "علم العلاقات" أو "علم الإشارات اللغوية" وهذه السيمياء كفيلة بابتداع لغة جديدة تتحدث عن الشكل المطروح بلا حروف أو تراكيب تدوزن حتى تصل إلى ما أصطلح على تسميته بإيقاع اللون . وهنا فإن ياسين رفاعية قد عزف على إيقاع اللون واستخدمه مثلما استخدمه نزار قباني وأدونيس والسياب. أما الدراسات في هذا المجال فظهرت بشكل كثيف في الخطاب الأدبي العربي الحديث وفي كثير من الدراسات السودانية من مدرسة الغابة والصحراء إلى ما بعدها وتحضرني هنا دراسة قدمها الأستاذ محمد جميل بعنوان سيمولوجيا السواد في خطاب الهوية السوداني عالج فيها علاقات التفاضل العنصري بين البيض والسود ولم ينس القيمة الجمالية للبياض والسواد من حقل الذوق والجمال على ما فيهما من نسبية. عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]