جاء في أثر أسلافنا أن : بدوياً من أهل السودان طلق زوجته ثلاثاً ،وبعد برهةٍ قصيرة أعادها إلى ذمته! فما كان من بعض الذين فتح الله عليهم بعلمٍ في تلك البادية النائية إلا أن راجعوه بحجة أن الذي قام به لا يجوزُ شرعاً ،وأنه يتوجب عليه لإعادة رباط الزوجية بينه وبين هذه السيدة أن تكون قد تزوجت بآخر فمات عنها أو قام بتطليقها طلاقاً بائناً بينونةٌ كبرى ،أي أنه ليس له الإجتماع بها إلا بعقدٍ جديد وبعد استيفاء الشروط المتقدمة ،هذا الحديث لم يكن مما يروق لصديقنا البدوي سماعه فناضل نضالاً مريراً لدحضه بالصراخ مهدداً كل من يقول بعدم مطابقة رباطه بمطلقته (للمعايير ) الشرعية بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وقد كان دفعه الأوحد : أن هذه (المعايير ) لا تكون مُطلوبة إلا في حالة العزباء وأن (زوجته ) ليست كذلك! وأنه أعادها إلى ذمته قبل إنقضاء فترة المراجعة الشرعية !. (2 ) موقف هذا البدويّ الذي يُفصِحُ عن جَهلٍ مدقع لا يختلفُ كثيراً عن موقف الذين علقوا على تصريحات كارتر ورئيسة البعثة الأوربية لمراقبة انتخابات السودان التي قالوا فيها بعدم مطابقة الإنتخابات السودانية ( للمعايير الدولية لحرية ونزاهة الإنتخابات ) . المعلقون الحكوميون وبعض المحللين الذين يجهلون ماهية هذه المعايير الدولية كجهلهم بمخاطر إعادة (تنصيب ) البشير رئيساً للجمهورية ناضلوا كنضال الإعرابي في خنق الحقيقة خنقاً: 1/في حديث إذاعي بثه راديو ماعت ظهر الإثنين الموافق 19 ابريل قال مسئول إعلامي حكومي إن المعايير الدولية ماهي إلا (شكليات ) وضرب مثلاً : ألا تكون تحت شجرة!. 2/جاهلٌ آخر بحقيقة هذه المعايير قال: إن المعايير الدولية هي مطلوبات (كمالية) وضرب مثلاً: أن توضع تحت خدمة موظفي المفوضية أجهزة كمبيوتر محمولة وهواتف متطورة ومعدات متقدمة تكنولوجياً! 3/ أحد كبار قادة المؤتمر الوطني قال كلاماً يدور في ذات المعنى ! 4/ بعض الكتاب فرِحوا لهذا التصريح واحتفوا به أيما إحتفاء بزعم أن هؤلاء المراقبين لم يجدوا عيباً في الإنتخابات سوى عدم مطابقتها للمعايير الدولية! 5/ وبعضهم هنأ نفسه بنجاح مهمته في (التحول الديمقراطي ) بعد زهاء ربع قرنٍ من الشمولية، وإستدل بتصريحات المراقبين الذين لم يجدوا مايشكك في حرية ونزاهة العملية وأن كل الذي قالوه عنها :إنها لم تطابق المعايير الدولية. وجميعهم إعتبروا عدم مطابقة الإنتخابات للمعايير الدولية مما لايقدح في نزاهتها وحريتها وفي حيدة (مفوضيتها) ! ذلك لأننا ضمن دول العالم الثالث الفقيرة التي لا يتوافر لها القيام بهذه المطلوبات (الثانوية) (3) كنتُ أتمنى أن يبحث هؤلاء (المُحلِلون ) الذين أرادوا تحليل نتائج الإنتخابات السودانية ،تماماً، كما أراد الإعرابي تحليل إجتماعه بمطلقته رغم أنف الأحكام الشرعية، تمنيت لو أنهم تريثوا وكلفوا أنفسهم عناء البحث حول حقيقة هذه المعايير قبل أن يطلقوا تصريحاتهم المُخجلة التي تنمُ عن جهلٍ بأبسط قواعد المعايير المتطلبة لحرية ونزاهة الإنتخابات سواءً أجريت في أمريكا أو في زائير، في دولةٍ غنية أو في أفقر دول العالم ، سواءً كان الإقتراع فيها لشعب يعج بالعباقرة أو كان لشعبٍ لايفقه أساسيات القراءة والكتابة .هذه المعايير بالضرورة لاتعني (شكليات ) وهي ليست (كماليات) لوجودها ضرورة في أمريكا وأوربا ولا أهمية لها في دول الفقر والأمية. محزنٌ حقاً أن يجهل هؤلاء أن هذه المعايير التي تحدث عنها كارتر وغيره شأنها شأن الأوكسجين لحياة الإنسان وشأن توافر أشراط الشريعة في مسائل الزواج وإذا تخلفت شروطه صارت العلاقة في حكم الزنا، تماماً كما سوف تصبح علاقة الجماعة التي تفرزها إنتخابات لاتتوافر فيها شروط الحرية والنزاهة بالسلطة في حكم المغتصب.وحتى لانكون مثلهم دعونا نستعرض هذه المعايير في عجالة : 1/الحق في حرية التعبير 2/ الحق في حرية الرأي دون قيدٍ أو شرط 3/ الحق في التجمع السلمي 4/الحق في تكوين الجمعيات والمنظمات السياسية والمشاركة فيها 5/التحرر من التمييز سواءً كان لأسباب سياسية أو دينية أوثقافية أو عرقية أو كان بسبب الجنس 6/الحق في حرية التنقل. 7/إستقلال السلطة القضائية . 8/ الحق في الإنصاف . 9/الحق في الحرية والأمن الشخصي 10/سرية الإقتراع 11/حق كل مواطن رشيد في التقيد بجداول الناخبين وفي الترشح والترشيح وله أن يُمكَن من الوصول إلى مركز الإقتراع للإدلاء بصوته بصورة متكافئة. 12/لكل ناخب أن يمارس حقه في التصويت بصورة متكافئة وأن يكون لصوته ذات الوزن المقرر لأصوات الآخرين 13/ لكل مرشح ولكل حزب سياسي الحق في التمتع بصورة متكافئة في إستخدام وسائل الإتصال خاصة أجهزة الإعلام الجماعية لعرض وجهات نظره السياسية. 14/تلقي المعلومات والحصول عليها ونقلها 15/ الحق في حملة إنتخابية متكافئة بما في ذلك الحزب الذي يشكل الحكومة القائمة . والقائمة تطول بأساسيات لايمكن القول بحرية ونزاهة الإنتخابات بدون التقيد بها أهمها علنية الفرز وتمكين المراقبين من القيام بمهمتهم والحق في الحماية القانونية ومعالجة العدوان الواقع ضد أي فرد أو أي حزب. (4) ولست أدري كيف تجرأ هؤلاء بالقول :أن معايير الحرية والنزاهة الدولية للإنتخابات لم تُشرع لشعبنا، وأنها من (ثانويات ) الإنتخابات التي لايعيبها عدم مطابقتها للمعايير الدولية طالما جرت هذه الإنتخابات في دولة من دول العالم الثالث ؟ ومن قال أن (مفوضية) البشير لم يكن متوافراً لها المال الكافي لإنجاز هذه الإنتخابات وفقاً لهذه المعايير؟أما الدفع بأمية شعبنا العبقري فإساءة مابعدها إساءة لشعب سابق في حضارته ، سابقٌ في تحرره،سابق في إدراكه ومعرفته ،سابقٌ في ممارسته الواعية لحقوقه المدنية والسياسية . إن هذا الذي جرى بغباءٍ غير مسبوق يُمكن إدراجه تحت أي مسمى غير الإنتخابات الحرة والنزيهة وأقترح أن تُسمى بطبيخ العُميان ، فالانتخابات النزيهة عرفها الشعب السوداني ومارسها بحرية تامة رغم ضعف الإمكانيات وتفشي الأمية وقتذاك وهي ليست كالتي شهدناها مؤخراً.ولكن يبقى حنيننا لإنتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة كحنين المشير إلى الترحالِ مع فرقان جوهريان: أن تطلعنا مشروع وممكن. refaat alameen [[email protected]]