قبل أن ينجلي غُبار المعركة الانتخابية غادر مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس حزب الاتحادي الديمقراطي الأصل البلاد.. البعض قال إنه غادر غاضبا، والبعض الآخر قال إن لديه زيارة (مبرمجة) مسبقة؟!.. لكن الشاهد في الأمر أنه أطلق تصريحا ينم عن غضب حينما قال إنه شخصيا لم يصوّت؟!.. هذه الواقعة المدوية أذهلت الكثيرين في حزبه وفي خارج حزبه.. الغضب ناتج عن صدمة وذهول لأن حزبه (العريق) لم ينل أكثر من دائرتين، بل أنه خرج من المولد بدون حمص في معاقل الحزب التقليدية في الشمالية وكسلا.. الميرغني قال أيضا متسائلا ومستنكرا أين الذين خرجوا لإستقبالي في كسلا؟!.. نقول لمولانا بكل بساطة إن لم تصوت أنت قائد الجماهير الاتحادية وهاديها فكيف يصوتون هم؟!.. إن لم تعقد مؤتمرا واحدا لحزبك وتجدد هياكله وتدفع بالدماء في عروقه فلن يكون حزبك حزبا فاعلا.. تلك الجماهير التي خرجت في كسلا للقائك لم تقم الدوائر المعنية في حزبك بتسجيلهم إبان مرحلة التسجيل، ولم يقدم حزبك أي برنامج مقنع.. برنامج يلبي طموحات جماهيرك ذات التوجه الإسلامي، بل تركت الحبل على الغارب للعلمانيين واليساريين ليتصدوا للعمل السياسي.. جماهير الختمية لن تصوت للعلمانيين واليساريين حتى لو قدمهم الحزب الاتحادي الأصل ووضع فوق رؤسهم الريش.. في الثقافة السودانية احترام الزعماء وتبجليهم واجب وإن اختلف معهم سياسيا.. استقبل ذلك الزعيم الطائفي استقبالا كبيرا من أعيان تلك المنطقة التي حسبها الزعيم المسكين أنها مازالت مقفولة و(مضمونة) وعندما طلب الزعيم من الأعيان بعد أن أكرموا وفادته مخاطبة جماهير المنطقة، لكنهم اعتذروا له بلطف وقالوا له أنت بيننا ضيف كريم وعزيز ولكن ليس لدينا جماهير يمكن أن تهفوا إليك وتستمع لك هذا أمر ولى زمانه فقد تغيرت الولاءات والقناعات السياسية.. أهل كسلا أيضا استقبلوا مولانا الميرغني خير استقبال لكن لا أحد يجزم أنهم يتفقون مع خطه السياسي (العلماني اليساري).. الحقيقة المرة أن جماهير الأحزاب المختلفة لم تتبين أي خط سياسي أو برنامج محدد يمكن أن تصوت له، لم يكن هناك غير المواقف الضبابية المتلجلجة. حال الأحزاب التي تفرض نتائج الانتخابات و(تخرخر) مثل حال ذلك التلميذ الذي قضى جل عامه الدراسي متسكعا ومهملا لدروسه وحين حان أجل الإمتحانات بحث عن وسيلة لتأجيلها أو إلغائها ولما لم يجد لذلك فتيلا أضطر لدخول الامتحانات خالي الوفاض، ولم يتقبل من بعد نتيجته (الصفرية) متذرعا بحجج واهية ملقيا باللائمة على غيره؟!. نقول للأحزاب الخاسرة عليها بدلا من التعلق بقشة التزوير الواهية أن تُعد نفسها منذ الآن للانتخابات القادمة بعد (5) سنوات وهي فترة قصيرة في عمر الشعوب.. لابد أن تفكر بل تشرع في عمل مؤسسي دؤوب ومراجعة للأخطاء وقراءة الخريطة الجماهيرية والسياسية جيدا، هذا هو الطريق الصحيح والسليم حتى لا تقع تلك الأحزاب مرة ثانية في شر أعمالها.. ستذهب هذه الأحزاب إلى متحف التاريخ السياسي إن لم تتنبّه لمآلات سياساتها السابقة التي أوردتها مهالك الفشل والندم والحسرة. Yasir Mahgoub [[email protected]]