انفضَّ سامر الانتخابات وتربَّع على نتائجها المؤتمر الوطني شمالاً والحركة الشعبية جنوباً. ونقلت المصادر اتفاق الشريكين على تشكيل الحكومة المنتخبة في اجتماع نائبيْ رئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت والأستاذ علي عثمان محمد طه بحاضرة الجنوب جوبا أمس الأول «الثلاثاء». ولكن رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لم يجد بُداً من التعبير عن غضبته إلا بالخروج من السودان عبر بوابة مطار الخرطوم عصر الاثنين الماضي متوجِّهاً لمصر ثم السعودية. وقد صاحبت أجواء الانتخابات أخبار حملت إعلان الميرغني تضامنه المطلق مع مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة المشير البشير. ونقلت المصادر أنه قال لزعماء الحزب والختمية إن البشير مثل الحربة في عودها ولابد أن تظل فيه وأنه أن لم يفُز فلن تستطيعوا قراءة مولدكم في المسجد. وأعقب ذلك تسمية الحزب حاتم السر مرشحاً للرئاسة وتجميد ترشيحه قبيل الاقتراع ثم إعادته مرة أخرى إلى حلبة الصراع. ونقلت مصادر «الأهرام اليوم» استشارة رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي لمولانا بخصوص الكلمة الأخيرة لحاتم وقالت إن الميرغني قال لحاتم لا تخالف إخوتك فقاطع معهم، ليرجعه الميرغني مرة أخرى. ولكن حاتم السر نفى ذلك نفياً قاطعاً وقال ل«الإهرام اليوم» إن مثل ذلك الحديث محض خيال فقط و«كلام فاضي». وعقب اتِّضاح رؤية التحالف المعارض من الانتخابات تماماً رشحت أخبار عن اتفاق خفي بين الاتحادي الأصل والمؤتمر الوطني. وقالت المصادر إن حزب الميرغني سيأخذ في الاتفاق (18%) لكن حاتم السر نعت ذلك بالوصف السابق ذاته «محض خيال وكلام فاضي»، وقبله تابع الإعلام لقاء الميرغني/ البشير بخصوص إيجاد مخرج لقضايا السودان. وقالت المصادر إن المعارضة جعلت الميرغني وسيطاً بينها والبشير للترتيب للقاء جامع. فيما قالت مصادر أخرى إن مولانا أعاد حاتم السر للسباق بموجب صفقة ال(18%) ونقل مقربون من الميرغني أنه غادر السودان احتجاجاً على النتائج الأوليّة للانتخابات التي لم يفُز فيها الحزب إلا ب«3» دوائر قومية اثنتين منها في البحر الأحمر ودارفور، وأشاروا إلى أن ذلك أحبط مولانا وأفسد اتفاق ال(18%)، وأبانوا أنه لولا وساطة قام بها القيادي بالحزب صلاح إدريس لما تمكّن وفد الوطني بقيادة بروفيسور إبراهيم غندور من مقابلة الميرغني. وأشارت المصادر إلى أن الميرغني ذهب للحكومة المصرية ليحدثها عن ما لحق بالحزب في الانتخابات وعن الأخطاء والتزوير في الاقتراع. وأعرب مراقبون عن دهشتهم من النتائج التي أحرزها مرشحو الاتحادي الأصل أمثال عبد الحكم الأبكراوي في مروي وبخاري الجعلي في نهر النيل وميرغني عبد الرحمن حاج سليمان في شمال كردفان والتوم هجو في سنار. وأعرب مولانا نفسه عن دهشته لفقدان الحزب لأصوات جماهير كسلا التي خرجت لاستقباله قائلاً: «إلا أن يكون شالها قاش آخر»، ثم كظم غيظه وغادر. ويتوقع مراقبون أن ينفّذ المؤتمر الوطني خارطة طريق لعودة الميرغني من خلال علاقته مع الحكومة المصرية بواسطة حوار تديره الأخيرة بين الطرفين لإرضاء مولانا. وفي الخرطوم يرتِّب الاتحادي الأصل من خلال عمل منظم يتوّج بلقاء كبير بمنزل عضو المكتب القيادي بالحزب د. عبد الجبار علي إبراهيم لإعلان مؤازرة رؤية رئيس الحزب وفتح ملف وحدة الحركة الاتحادية من جديد استعداداً لاكتساح الانتخابات القادمة. وأمّن الاتحادي الأصل على معارضة النظام بالداخل إلا إذا اضطر، وعليه قال لي الناطق الرسمي باسم الحزب مرشح رئاسة الجمهورية حاتم السر إنه لا نيّة للحزب مطلقاً في استئناف معارضة الحكم من خارج السودان إلا أن يضطر لذلك. وفسّر السر خروج الميرغني للاستياء من نتائج الانتخابات، وقال إن مولانا سيلتقي منظمات ومسؤولي العديد من الدول العربية لمناقشة ملف قضايا السودان الذي يمضي نحو المجهول «حسب وصفه» خاصة قضية الوحدة، وأوضح أن رئيس الحزب سيلتقي بالخصوص مسؤولي حكومة مصر وإرتريا وعدد من الدول الأخرى. واتهم السر المؤتمر الوطني بالفشل في التأسيس للوحدة الجاذبة، وقال إنه من الصعب عليه إنجاز الوحدة خلال ال(8) أشهر المتبقية. ولم ينتهِ حديث السر عند ذلك الحد وكشف عن توجيه صادر من قيادة الحزب لقطاعاته خارج السودان لمحاصرة نتيجة الانتخابات بواسطة ما لديهم من علائق، وأعرب عن خشيته من نتيجة الاحتقان السياسي، وقال إن ذلك يتطلب ضغوطاً على الحكومة للاتفاق على تدابير خاصة بعيداً عن مزاج الانتخابات، وأوضح أن الحزب سيكون في حركة مستمرة وواسعة في اتجاهات مختلفة لمحاصرة نتيجة الانتخابات. وعن تاريخ عودة الميرغني قال الناطق الرسمي للاتحادي الأصل إن مولانا سيعود متى ما أنجز المهام التي خرج من أجلها، وأضاف أنه سيعود متى ما علم أن الساحة السياسية السودانية بحاجة له، وقال إن الميرغني سيلتقي كل المهتمين بوحدة السودان. وأشار حاتم إلى أن شبح الانفصال يتسيّد الموقف الآن. ولكن القيادي بالحزب ذاته علي السيد استبعد أن تكون نتيجة الانتخابات وراء سفر الميرغني للخارج رغم إقراره بعدم رضا مولانا بها. وقال مراقبون إن رئيس الحزب درج على عدم إطلاع قيادات الحزب بما ينوي فعله في الجانب السياسي. ويبقى ملف خروج الميرغني محاطاً بأقوال قيادات الحزب والمقربين والمصادر حتى تفصح قادمات الأيام عن ما تخبّئ من مفاجآت.